“هل هو ذلك الشخص؟”
نعم، أنا ذلك الشخص.
هل سمعوا بما حصل؟ الشخص الذي أمسك برقبة السيّد الصغير وجعله يفقد وعيه في أول يوم.
ابتسمتُ ببشاشة وأنا أجيب في داخلي. بما أنني نشأت في عائلة تجارية، كنت اجتماعية وأجيد استخدام ابتسامة العمل المعتادة.
وبينما أبتسم، انفجرت الخادمات الواقفات في الرواق بالضحك. ومنذ تلك اللحظة، شعرت بنظرات غريبة تلاحقني أينما ذهبت.
‘الجميع يعيش في نفس المكان، بعد كل شيء.’
حتى في منزل دوق عظيم، يبدو أن الشائعات تنتشر بسرعة خلال ليلة واحدة فقط.
سرتُ في الرواق وأنا أشعر بالفضول والانزعاج في آنٍ معًا. حتى الممرات المخصصة للخدم في قصر دنكارت كانت فخمة وعتيقة كما يليق بتاريخه العريق.
رغم أنه فظّ وقذر، إلا أنني بدأت أفهم.
‘نعم، إن كنت تعيش هكذا، فلن تمانع في دفع ثمن دواء مقرف ومكلف كهذا.’
نظرتُ حولي بينما كنت أتوجه إلى قاعة الخدم، حتى ناداني أحدهم:
“هيه، روفيل!”
ركضتُ نحوه بسرعة، وابتسمتُ وأنا أنظر للخادم الذي وضع ذراعه حول كتفي.
“صباح الخير، ريمسون هيونغ.”
(هيونغ: لقب ينادي به الفتى أخاه الأكبر. تستخدمه البطلة هنا لأنها متنكرة كفتى.)
“هاه، صباح الخير فعلًا. أتيت باكرًا؟ الجميع تفاجأ من كونك أكثر نشاطًا مما تبدو عليه.”
هذا الشاب الذي يُدعى كريمسون، هو أحد الخدم الجدد الذين جاؤوا معي بالأمس.
لكن مظهره القوي يوحي بأنه يصلح للعمل كمرتزق أكثر من كونه خادمًا.
في الحقيقة، بدا أنه جاء من أجل راتب مرتفع بعد العمل في أشغال شاقة، لكنه حاول أن يعتني بي بشكل خاص.
كان ينظر إليّ بعينيه القلقتين والشفوقتين، ويقول إنه ترك خلفه أخًا صغيرًا ضعيفًا وساذجًا مثلي في بلدته.
ومع ذلك، بدا فخورًا اليوم.
‘هل سمع شيئًا عما حدث البارحة؟’
لكن، تبيّن أن توقعي كان خاطئًا.
“أنت أول من خرج من الغرفة. ما الأمر؟ هل انتهيت من الاستحمام فعلًا؟”
“أنا مجتهد نوعًا ما.”
في الحقيقة، أنا كسولة ميؤوس منها.
لكن لأُخفي كوني فتاة، كان عليّ أن أبدو مجتهدة
بهذه الصورة.
لو كُشف أمري، فقد يُحكم عليّ بالإعدام فورًا بتهمة الإساءة لعائلة الدوق. شعرتُ ببعض القلق، لكن شعور الانتعاش طغى عليه.
صحيح أنني عدت أمس مرهقة، لكن كانت هذه أول مرة أشعر فيها أنني أتحرك بجسد سليم تمامًا.
‘أظن أنني شُفيت حقًا البارحة.’
حالتي الصحية كانت في أفضل حالاتها.
وبينما كنتُ أدندن بسعادة، فتح ريمسون، الذي كان يسير بجانبي ويراقبني، فمه قائلًا:
“إحم… سمعتُ من مات البارحة.”
‘كما توقعت، هذا الأوبا لا، أقصد هذا الهيونغ سمع هو أيضًا.’
صحّحت في داخلي. يجب أن أحرص دائمًا على استخدام “هيونغ” كي لا أرتكب أي خطأ.
هكذا فقط أضمن ألّا يُكشف أمري في لحظة غفلة.
لحسن الحظ، لم تظهر أي علامة على شك أحدهم في جنسي أو تمثيلي، لكنني خفّضت صوتي بحذر وتحدثت:
“لكن… في موقف كهذا، أليس من الطبيعي أن يخرج المرء من الغرفة؟ لماذا ذهبتَ إلى الشرفة؟ دون خوف؟”
ابتسمتُ بخفة لطمأنته، لكنه أجابني بنظرة جدية:
“آه… ماذا لو نالك عقابٌ حقيقي؟ حتى لو كانت الدوقة هنا كريمة، ألا تعلم أن النبلاء لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم؟”
“لكني خادم السيّد الصغير.”
“…!”
“كلّ الخدم الأكبر سنا يغادرون بمجرد أن يأمرهم السيّد الصغير، لكن إن غبتُ أنا، من سيتولّى العناية به؟ هو قال بنفسه إنه لا يحتاج حتى إلى شد الحبل. أليس كبير الخدم من قال إن عليّ التحمّل قدر الإمكان؟”
ابتسمتُ ابتسامة عريضة وقلت: “حتى لو عُوقبت، سأقوم بواجبي.”
كنت أعني أنني، مهما حدث، سأتحمل مسؤوليتي حتى النهاية. بما أنني وصلت إلى هذا الحد، حان الوقت لأقطف ثمار جهدي.
لكني كنت منشغلة جدًا في هدفي، فلم ألاحظ النظرة المندهشة التي رمقني بها كريمسون هيونغ…
*****
“سيدي الصغير، من فضلك استيقظ. لقد تجاوزنا وقت استيقاظك المعتاد.”
رغم توسلات الخدم، لم يظهر السيد حتى خصلة من شعره. كنت أشعر بالغيرة من تكدّس الأغطية التي رسمت شكل جسده.
‘ما زلت بحاجة إلى أن أقترب منه أكثر إن أردت البقاء لعام كامل دون أن أطرد لكن كيف أكسب ثقة إيدريك، الصبي الذي يكره الناس لهذا الحد؟’
لم تخطر لي أي فكرة.
فإيدريك نفسه لم يكن يرغب في العيش. فكيف لطفل يكره نفسه أن يحبّ أحدًا آخر؟
حتى وإن فكرت في إهدائه شيئًا، لم يكن هناك ما قد يرغب به.
‘لنبدأ بحوار خفيف على الأقل دون أن أطمع بشيء.’
رميت الطُعم على الغطاء الصامت كالموت.
“سيدي الصغير إيدريك، هل تعلم؟”
“ماذا؟”
كما توقعت، فضوله ما زال موجودًا لأنه طفل.
وبينما كنت أنتظر ردّه، أوقعته في الفخ. رغم أنه لم يخرج من تحت الغطاء، شدّ أحدهم كمّي فجأة.
وعندما التفتّ، رأيت الخدم مصطفين يلوّحون برؤوسهم بشدة: “توقف، توقف، توقف!”
‘لا تقلقوا.’
أجبتهم بحركة شفتي، ثم عدت بنظري إلى الغطاء وحيّيته بأدب شديد:
“إنها تمطر في الخارج اليوم.”
كانت جملة دائمًا ما تظهر في اختبارات الاستماع الإنجليزية.
“وما علاقتي بذلك؟”
“أقولها فقط.”
نجاح سهل.
‘لا أصدق أنني حصلت على رد منه مرتين.’
ابتسمتُ بسعادة.
لم أطمح بردّ أكبر، لذا أنهيت الحديث عند هذا الحد.
‘لا يمكنني الطمع من البداية.’
ثم، بينما هو ما زال مستلقيًا، سحب الغطاء فجأة ونظر إليّ.
“هل تسخر مني؟”
في اللحظة التي هممت فيها بنفي ذلك، اتسعت فتحات أنفي.
‘أوه!’
في الواقع، عندما دخلت الغرفة اليوم، شعرت بخيبة أمل. الهواء لم يكن منعشًا كما في الأمس.
لكن يبدو أن السبب كان الغطاء. إنه يحجب أنفاس السيّد الصغير. وما إن أنزل الغطاء، حتى عاد الهواء نقيًا.
مزاجي تحسّن فورًا، وسألته ببهجة، وهو على وشك أن يطلق كلمات قاسية:
“هل ترغب أن أفتح النافذة لتستمع إلى صوت المطر؟”
“أيها الخادم.”
لم أجب. فغضب، واعتدل جالسًا مسندًا ظهره إلى رأس السرير.
وأصبح الهواء أنقى وأكثر انتعاشًا.
“هل تتجاهلني؟”
أجبته بجدّية، محاوِلة إخفاء قلبي الخافق:
“سيدي الصغير، عذرًا، هل ناديتني قبل قليل؟”
“نعم، أنت! من غيرك!”
“أعتذر. لم أنتبه لأن هناك أكثر من خادم في الغرفة، وأنا من ضمنهم.”
وما إن فتح شفتيه، حتى باغتته بالكلام:
“لكن! هذا لن يتكرر بعد الآن. اسمي روفيل. إن ناديتني باسمي، سأخدمك بسرعة أكبر!”
“…”
انتهيت من تقديم نفسي.
السيّد الصغير، الذي بدا شارداً للحظة، رفع حاجبيه بدهشة وكأنه عاجز عن الرد.
ثم سُمع صوت طرقات وصوت كبير الخدم المسن.
“سيدي الصغير، سأُحضر الإفطار.”
“لا أريده.”
‘هاه؟ لم يتناول الطعام حتى الآن؟’
كنت أعلم أنه كثيرًا ما يهمل وجباته، لكن لم أتوقع أن يحدث ذلك هذا الصباح.
تبادل الخدم النظرات وكأنهم معتادون على هذا، ثم فتحوا الباب.
ودُفع عربة بثلاثة أدوار، مغطاة بأغطية زجاجية، إلى الداخل.
‘تبدو لذيذة.’
رغم أنني تناولت فطوري، سال لعابي لرائحتها. لكن السيّد الصغير عاد للاختباء تحت الغطاء.
غير أن يده التي أمسكت بالبطانية الحريرية لفتت انتباهي.
‘سيكون من السيئ تركه هكذا.’
في اليوم الأول، لم ألحظ ذلك لانشغالي، لكن من الواضح الآن أن بشرته جافة لدرجة ظهور عظامه.
كان لا يزال صغيرًا، لكن وجهه بلا أي امتلاء، وعيونه غائرة بشدة.
بدا أن الخدم يفكرون مثلي، فحاولوا إقناعه.
“سيدي الصغير، من الخطر أن تتخطى الوجبات أكثر. السيدة أيضًا قلقة للغاية.”
“خذوها بعيدًا.”
“سيدي الصغير”
“ألا تفهمونني؟ لا أريد أن آكل!”
سيّد عنيد وخدم قلقون.
وفي خضم ذلك، درت بعينيّ قليلاً، ثم قلت بنبرة حازمة:
“سيدي الصغير. أعتقد أن لدي طريقة.”
“…”
صمته كان وكأنه يقول: ‘لن أنخدع مجددًا.’
لكنني لم أستسلم.
“إن كنت لا تحب أن تأكل وحدك، فماذا عن أن نتناول الطعام معًا؟”
“أكره ذلك أكثر.”
كما توقّعت، متكبّر.
لكن، لماذا ردّ بسرعة شديدة؟
وأنا أفكر بشعور الهزيمة، سمعت كلمات غير متوقعة من تحت الغطاء:
“من يدري؟ ربما قامت الدوقة العظيمة بتسميمه؟”
تنهدت.
حتى وإن كنت يائسًا من الحياة، لا يُقال هذا علنًا، خصوصًا وأنت ابن دوق.
وكما توقعت.
أظهر الخدم دهشة واضحة. تنهدت من تهوره، لكنني فهمته داخليًا.
‘بكلمة واحدة، هذه كراهية أبدية لمن قتلت أمه.’
ماتت والدة إيدريك بتسميم من الدوقة، وكان إيدريك معها في مسرح الجريمة، ويعرف الحقيقة.
لكن لا أحد سيصدّقه إن تحدّث.
فالدوقة معروفة بين الناس بلطفها وكرمها.
كلما طال الصمت، ازداد جو الغرفة برودة وكأن الجليد يملأها.
لذا، خرجتُ بكلام آخر:
“أمم، سيدي الصغير. هذه المرة لديّ طريقة حقيقية.”
نظر إليّ الخدم بدهشة، واهتزّ الغطاء قليلاً.
قلت بفخر للجميع، وأنا أشدّ كتفي:
“سأتذوّقها بنفسي.”
تقدّمتُ فورًا نحو العربة.
كانت هناك عدة ملاعق بالفعل، لأنه كثيرًا ما يرميها. أخذت واحدة من تحت الغطاء الزجاجي، وملأتها بالطعام ببطء.
وما إن جهزت كل شيء، حتى التقت عيناي بعيني السيّد الصغير المستند إلى رأس السرير.
نظرتُ مباشرة إلى نظراته المتفاجئة، وأكلت ملعقة كبيرة أمامه.
لم يكن هناك سم هذه المرة، لذا كنت واثقة أن الأمر سيكون على ما يرام.
لكن-
ما هذا؟ لذيذ جدًا.
الفطور الذي تناولته مع ريمسون كان رائعًا، لكن هذا… شيء آخر تمامًا.
أصبحت حركة الملعقة أسرع بشكل تلقائي.
وحين عدت إلى وعيي، وجدت نفسي أحكّ الطبق الفارغ ولم يتبقَّ فيه سوى القليل من الصلصة.
الخادم بجانبي، الذي لم أكن أراه، همس لي قائلاً: “توقّف، ستكسره.”
أُحرجت قليلًا، لكنني لم أنسَ مهمتي.
أخذت طبقًا فاخرًا مخصصًا للسيّد الصغير، وملأته بالطعام قطعة تلو الأخرى.
ثم صعدت إلى السرير وركعت أمام أنف إيدريك مباشرة. وكلما اقتربتُ، أصبح الهواء أنقى وأغنى~
‘هذا هو الشفاء~’
أخفيتُ فرحتي، وقدّمت له الملعقة بتعبير جاد.
“هيا، قل آااه.”
“…”
“بالطبع، أنا أؤمن بالسيّد الصغير. هو ليس شخصًا قاسيًا أو لئيمًا أو جاحدًا يجعل جهود الخدم الدامعة تذهب هدرًا، أليس كذلك؟”
“…”
فتح فمه ببطء، بعينين مغلقتين.
كان وجهه يقول بوضوح: “نعم، لقد خسرت.”
“ها قد أتى الحساء، زووووم~”
“لو قلت كلمة أخرى، سأسكبه على وجهك.”
فشلت.
يبدو أن هذه الطريقة مخصصة للأطفال الأصغر سنًا.
رفعت الملعقة التي كانت تطير كطائرة صغيرة، وأبقيتها ثابتة أمام شفتيه.
تردد السيّد الصغير قليلاً، ناظرًا إلى الملعقة، ثم أعلن استسلامه بفتح فمه.
“…!”
اتسعت عيناه مباشرة.
كانت هذه المرة الأولى التي تتلألأ فيها عيناه الخضراوان الذابلتان بهذا الشكل.
ما رأيك؟ أليس لذيذًا؟
عندما سألته بعين مغمضة وابتسامة صغيرة، أدار وجهه بانزعاج، وكأنه لا يريد الاعتراف بذلك حتى لو مات.
شفته السفلية، التي عانت كثيرًا من العض، أصبحت حمراء. يبدو لطيفًا نوعًا ما.
هل يجب أن أتوقف عن مضايقته الآن وأخرج؟
“سننتظرك بالخارج حتى تنتهي من تناول الطعام.”
“….!”
نظر إليّ بدهشة، وكأنه سمع شيئًا ما كان يستحيل أن يخرج من فمي.
بالطبع، كنتُ أفضّل البقاء معه. هذا هو هدفي أيضًا.
لكن، ألا تعتقد أن تناول الطعام يجب أن يكون في جو مريح؟
هذه ستكون أول وجبة مناسبة له هنا.
أمسك بالطبق والملعقة بيد جافة بشكل مؤلم.
“من فضلك، كُل كل شيء.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل "1"