بعد أن اتُّفِق على التنزّه معًا في الحديقة، قمتُ بإخراج كيليان من الغرفة فورًا. كان المقصود أن ينتظر بهدوء في الخارج بينما أُجهِّز نفسي تجهيزًا بسيطًا.
وما إن خرج كيليان حتى دخلت ليري وجين في اللحظة نفسها كأنهما كانتا تنتظران ذلك. يبدو أنّهما قد سمعتا ما حدث من كيليان الذي طُرد إلى خارج الغرفة.
قالت جين أوّلًا وهي تُري لي عدّة ثياب يوميّة:
“لقد أُعِدّت هذه الملابس مسبقًا. اختاري ما يعجبكِ منها.”
كانت الألوان والتصاميم متنوّعة، فشعرتُ بأنّ الاختيار نفسه ممتع.
فحين كنتُ أعيش كـ”إيفون”، لم أكن أرتدي إلّا الملابس المخصّصة لي، ولهذا بدا لي اختيار ثيابي بنفسي أمرًا لطيفًا.
قالت ليري التي كانت تقف بقربي:
“بما أنكما ستتنزهان في الحديقة، فما رأيكِ بهذا اللون الداكن الدافئ؟ سيبدو رائعًا مع أوراق الخريف.”
ثم أشارت إلى زينة للشعر تُناسب الثوب ذاته، وبدأت تشرح لي كيف يمكن تنسيق المظهر بأكمله. أعجبني اقتراحها إلى حدّ أني اخترت الثوب القرمزي دون تردّد.
يمكنني تجربة غيره لاحقًا… لدي الكثير من الوقت الآن.
ابتسمت جين وقالت:
“بما أنكِ اخترتِ ما سترتدينه، اتركي الباقي لنا.”
ثم بدأت هي وليري العمل بسرعة وانسجام، وما لبثتا أن أنهتا تجهيزي خلال لحظات.
“اذهبي بسرعة! سيّدنا ينتظر!” قالت ليري بإلحاح.
خرجتُ إلى الردهة، فرأيت كيليان ينتظر وقد انتهى من الاستعداد قبلي.
“هل انتظرتَ طويلًا؟”
“أبدًا، لقد وصلتُ الآن.” أجاب وهو يهزّ رأسه ليطمئنني.
ثم مدّ يده نحوي قائلاً:
“هيا، نذهب؟”
أمسكتُ بيده دون تردّد، لكنّه قال فجأة:
“لحظة واحدة. أوشكت أن أنسى أمرًا مهمًّا.”
تساءلتُ في نفسي: أمر مهم؟
فنزل قليلًا وقبّل جبيني بلطف. وحين تلاشت حرارة شفتيه، ارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة.
“الآن، لن يتمكّن أحد من رؤيتنا.”
تلفّظ بذلك بصوتٍ رقيق كأنه يلقي تعويذة. فهمتُ تلميحه فألقيت نظرة حولي. تركتُ يده خطوة واحدة وتحركت في الجهة اليمنى ثم اليسرى.
حقًا… لا أحد يمكنه رؤيتي.
اقتربتُ حتى من أحد العاملين وهززتُ يدي أمام وجهه، لكنه لم ينتبه لوجودي إطلاقًا.
كأنني أصبحتُ غير مرئية.
عاد كيليان إليّ وقال:
“بما أنكِ تأكدتِ بنفسك، فلنذهب.”
“نعم، هيا بنا.”
أمسكتُ يده من جديد، فبادلني الإمساك بلطف دون أن يضغط.
حين خرجنا إلى الحديقة، بدت نظيفة تمامًا بلا أي عشبة غير مرغوبة.
قال:
“البستاني يحبّ هذا المكان كثيرًا، لذا تتمّ إدارته بعناية شديدة.”
كان هذا أوّل حديث نخوضه عن الحديقة بعمق، فأصغيت إليه باهتمام.
“قد لا تعرفين هذا، لكنّ الحديقة كانت قديمًا على شكل متاهة.”
توقّفتُ لحظة أفكّر. المتاهات تُصمَّم عادة للتسلية، لكن…
“لاحقًا اكتشفوا أن الناس يضلّون الطريق فيها كثيرًا، فاضطرّوا لإزالتها قبل ولادتي بسنوات.”
قرار حكيم… فالوقاية خير من حدوث حوادث خطيرة.
أكمل كيليان: “على أي حال، نحن لن نضلّ الطريق الآن، فلا تقلقي.”
وافقتُه، وبدأت أستمتع بالمنظر.
صوت أوراق الخريف المتساقطة تحت خطواتنا كان لطيفًا، وفجأة هبّت نسمة رقيقة جعلت الأوراق تتطاير كأنها ترقص.
ترك كيليان يدي للحظة والتقط ورقة حمراء وهو يقول:
“أهديك هذه. حتى أبسط الأشياء يمكن أن تُذكّرنا بيوم جميل كهذا.”
وضعها على كفّي برفق.
ابتسمتُ: “سأحتفظ بها.”
كانت فكرة جميلة أن أحوّلها لاحقًا إلى علامة لكتاب أو ذكرى صغيرة.
ثم هبّت نسمة أخرى. مددتُ يدي بلا تفكير…
أمسكتُ واحدة أخرى!
ضحكتُ وقدمتها له:
“إذًا هذه هديتي لك. هدية بسيطة مقابل هديتك.”
أخذها وهو يقول:
“لن أفقدها أبدًا. إنها هدية منكِ.”
بعد ذلك دفعته بخفة:
“هيا نكمل قبل أن يشتدّ البرد.”
—
منذ ذلك اليوم، انشغلنا كثيرًا، ولم نعُد نحظى بلحظات هادئة كتلك الجولة الجميلة.
لحسن الحظ، سارت الأمور كما أردت.
قبل أيام، ذهب كيليان إلى البنك المركزي بناءً على طلبي، وسحب جزءًا من أموالي من خزنتي الخاصّة، وكان ذلك ذا فائدة كبيرة.
المال يحلّ كل شيء، كما هو واضح.
وفيما كنت جالسة على ركبتيه، سألني:
“هل حققتِ ما أردتِ، يا إيفينا؟”
أجبتُ:
“جزءًا منه. اكتشفنا فساد الزوجين الماركيزين، وهذا كافٍ كبداية.”
فقد تبيّن بعد التحري أنهما لم يلتزما الصمت حين نزلا إلى الأراضِي التابعة لهما، بل استغلا السُّلطة بأي طريقة تمكنوا منها.
“في الحقيقة، اكتشاف هذا الفساد كان سهلًا. كنتُ أريد التحضير للانتقام بدقة، وها هما قد وقعا في الفخّ.”
وبعكس جولييت روزيفينا المنعزلة، كان الزوجان الناشطان يسهل تعقّب أثرهما.
قلت:
“سأتحدث عن فسادهم لاحقًا. الآن أرغب أن أريك هذا.”
ناولته ثلاث رسائل.
“هذه ليست رسائل عادية.” قال.
“صحيح. عددها ثلاث، وأظنّك تعرف جيّدًا من هم أصحابها.”
أومأ بلا تردّد.
تابعتُ:
“التغييرات التي أجريتها في القصر للتأثير على نفسيتهما لم تُؤتِ ثمارها بعد، لذا سنضغط عليهما بطريق آخر… رسائل مكتوبة بخطّي.”
الزوجان يكرهانني كجولييت تمامًا، ويتمنّيان موتي. بما أنهما يعتقدان أنني ميتة، ففكرة تشكيكهما يوميًا في ذلك ستكون ضربة قاسمة.
“سأجعل أيامهما مليئة بالشك والذعر. يومًا يظنّان أنني حيّة، ويومًا أخرى مقتولة… وفي النهاية يعيشان على حافة الخوف.”
سأكتب رسائل متكررة لهما ولجولييت روزيفينا كذلك.
“وبما أنني لا أريد أن يعرف أحد مصدر الرسائل، هل يمكنك إرسالها كمجهولة الهوية؟”
التعليقات لهذا الفصل " 91"