قالت
“لا اعلم ما الذي يجري بالضبط، لكن يبدو ان الامر لن ينتهي سريعاً، فهل نجلس لنتحدث”
اقترح الجلوس على الاريكة الوثيرة المقابلة للرفوف، وامامها طاولة طويلة، عليها الكتب التي وضعها كيليان قبل قليل
“اجل، هذا مناسب”
كان يمكنني الانتظار اياماً اخرى قبل السؤال، غير ان شهوة المعرفة الملحة دفعتني للاستعجال
والاسئلة التي رغبت في طرحها كانت جوهرية
لماذا اعيش بصفة ايفون
وما الذي يحدث فعلاً داخل قصر روزيفينا
ومنذ فقدان ذاكرتي، بدا لي كل شيء غامضاً، بينما بدا كيليان الوحيد القادر على كشف ما جرى، فالاجوبة كامنة في صدره
“قبل ان نبدأ حديثاً طويلاً، علي ان اعرف شيئاً. هل تناولت الطعام، ايفينيا”
توقف عن التوجه الى الاريكة والتفت الي كمن يتأكد من امر عظيم الاهمية
“تناولت طعاماً قبل قليل”
وكانت وجبة مرضية بالفعل
“حسناً، اذاً لنحذف فكرة تقديم اي مأكولات خفيفة، ولنجعل الجلسة فنجان شاي هادئ”
جلس اولاً على الاريكة، ولوح لي برأسه دعوة للجلوس الى جانبه
وحين جلست بلا تردد، لم يستدع خادماً، بل نهض بنفسه
وبمجرد ان نقر باصابعه، راحت الادوات تظهر على الطاولة واحداً تلو الآخر، من ابريق الشاي الى الفناجين
“كنت تحبين هذا الفنجان تحديداً، اليس كذلك؟ بسبب النقوش على ما اظن”
هززت رأسي، فقد كان محقاً، لطالما شدني ذلك النقش الفريد
ابتسم ابتسامة راضية كمن احسن التخمين، ودفع الي فنجان الشاي بعدما ملأه
“انه شاي البابونج. كعادتك، لا شيء يخفى علي”
وبينما ارفع الفنجان واشتم عبيره، ارتسمت ابتسامة على شفتي
“لا استطيع القول انني اعرف كل شيء عنك، غير ان ما تعلمته من الوقت الذي امضيناه معاً لم انس منه شيئاً”
قال هذا باعتزاز لا يخفيه
“اذاً ما الذي اردت سؤالي عنه؟ اسألي ما شئت، وساجيب بما اعرف”
اسند ذقنه الى كفه ونظر الي نظرة رجل يأكله الفضول كما يأكلني
“قد يكون الامر بسيطاً، وربما معقداً”
“هذا يتوقف على ما اسمعه، لذا هاتي ما لديك”
“اذا سأدخل في صلب الموضوع. كيليان، ماذا فعلت منذ فقدت ذاكرتي”
كنت اعلم القليل فقط
انتشرت اقاويل عن موتي او اختفائي، وكان قصر روزيفينا قد تحول الى مكان كئيب مدمر
وفوق ذلك، عملت انا هناك خادمة، كأن شيئاً قد محي من جذوره
“سيطول الحديث”
اختفت ابتسامته، وارتسمت تعابير الجدية
“سأجيبك، لكن يجب الا يعلم احد بما سنقوله. سألقي تعوذة عزل تمنع تسرب اي صوت”
فعلى الرغم من الثقة بينه وبين الخدم، الا ان ما سيقوله اكبر من ان يباح
وحين نقر باصابعه، لان محياه قليلاً، ونظر الي
“لنبدأ من تلك الليلة… الليلة التي كدت تحترقين فيها حتى الموت”
راح يذكر الوقائع كما لو كان يستعيدها من اعماق ذاكرته
“في ذلك اليوم، جئت اليك حاملاً هدية لأفاجئك، فوجدتك ملقاة على الارض بلا حراك”
واصل كلامه بصوت خافت
“لم افكر حينها الا بانقاذك. نقلتك الى مكان آمن، وبنفس الوقت نقلت الكنوز الموجودة في المبنى الجانبي قبل ان تصل اليه النيران. وانا احتفظ بها حتى اليوم”
شعرت بالارتياح. ظننت ان تلك الاشياء انتهت، لكن اتضح انه صانها
“الاهم هو ما يأتي بعد ذلك”
“ايفينيا، هل تذكرين الغرفة التي كنت تسكنينها عندما كنت تعملين باسم ايفون”
بالطبع اتذكرها. عشت فيها طويلاً
“وهل تعرفين من كانت صاحبة الغرفة قبل ذلك”
هززت رأسي
كانت صاحبة الدمية القذرة التي تعود كل مرة رغم التخلص منها. صاحبة الغرفة 202
“بحسب ما اعرف، تلك الفتاة كانت اخر من خرج من الغرفة قبل ان تندلع النيران”
نعم، اذكرها جيداً. كانت خادمتي الخاصة، ومكثت بجانبي طويلاً قبل ان تغادر الغرفة للمرة الاخيرة
‘ثم شب الحريق بعد مغادرتها مباشرة’
وبالفعل، ما ان غادرت حتى انفجر الحريق في القصر
“ولا شك انك تذكرين ان الابواب والنوافذ كانت مغلقة تماماً”
“اجل. لم يفتح شيء. لم يتحرك شيء”
وكدت اموت
“ما اكتشفته ان الحريق كان مفتعلاً لاغتيالك، وان تلك الخادمة كانت قد تلقت مالاً لتمنع خروجك من الغرفة”
طعنة من اقرب الناس. لم اكن اثق بها كثيراً، لكنني لم اتوقع خيانتها
“لو لم اصل في الوقت المناسب، لمت هناك. وهذا يجعل السؤال من المستفيد”
فتحت فمي بمرارة. صور الماركيز وزوجته وابنتهم جولييت مرت امامي
“الامر واضح. عائلة الماركيز التي استولت على القصر بعد اختفائي”
فرحتهم كانت بلا شك الاكبر
“كنت اعلم منذ زمن انهم لا يحبونك، لكن لم اتوقع ان يجرؤوا على هذا”
لو اخطأوا في شيء، فهو انهم استهانوا بكيليان
“ومع ذلك، لا يمكن محو ما حصل. وعندما عرفت الحقيقة اتخذت قراراً”
اخبرني انني حين عدت الى وعيي لم اتذكر شيئاً. وان الصدمة بعد رعب الموت هي السبب
“ولو ظهرت للعالم بذاكرة مشوهة، لتعرضت لمحاولة اخرى. وربما لقتل كامل. لذلك اردت صنع حياة آمنة لك”
وبذلك بدأت الامور تتضح
“ولهذا منحتك ذكريات جديدة”
ذكريات جديدة
عندها فهمت سبب الجهل التام بماضيّ
‘ذكريات الطفولة… اول يوم عمل… كل شيء كان فارغاً’
واكد هو ذلك
“صنعت ماضياً بائساً وذكريات ضائعة، وغرست اسم ايفون في ذهنك”
اذاً كل شيء كان من تخطيطه
“لكن ما تفسير ما يجري في القصر الآن؟ انماط غير منطقية… تغييرات تحدث وتتلاشى”
كان كل شيء يفوق حدود الطبيعة
“انه نوع من الضغط النفسي. اردت للماركيز وعائلته ان يشعروا بالخوف نفسه الذي عشتيه. لكن بأساليب مختلفة”
لم تخني حدوسي، فقد تدخل في القصر مستخدماً قوته
“كما تعلمين، دماؤنا تحمل ارث السحرة القدماء، وانا وريث تلك القوة، لذا كان الامر سهلاً”
وكان بيّناً. فهو ساحر عظيم، وتستطيع جولييت نفسها ان تشهد بذلك
“استخدمت قدرتي لجلب كيانات مخيفة الى القصر… اشباح، ارواح، ومظاهر اخرى”
ولم اسأله عن التفاصيل، فبعض الامور لا ينبغي الخوض فيها
“وبعد ذلك فكرت في حماية الخدم، فوضعت قواعد العمل الجديدة”
قواعد التحذير التي رأيتها.
وها هو صاحبها امامي.
لكن المشكلة جاءت من مكان غير متوقع.
التعليقات لهذا الفصل " 86"