عوضا عن أن أصغي إلى همسات الآنسة جولييت المتناثرة نحو الغرفة، خرجت لأحضر ما يبعث الدفء
وكانت الغرفة قد امتلأت مسبقا بعشرات الأغطية، لذا قررت أن أحمل الأغطية السميكة والمبطنة كما خططت
ومن حسن حظي أنّه لم يكن عليّ أن أسأل أحدا عن مكانها
‘خدمة طويلة في هذا القصر كانت نافعة أخيرا’
حتى المعلومات التافهة عادة ما تصبح ثمينة في مثل هذه الأيام
وبمجرد أن شعرت أنّي لن أثير انتباه الآنسة جولييت، اتجهت مباشرة إلى المكان المعروف وحملت عدة أغطية فوق بعضها
كادت الأغطية أن تسقط، لأن الرؤية اختفت أمامي، لكن لم أصب بأذى
وعُدت إلى غرفة الآنسة جولييت بسلام
‘عندما أراها هكذا، يبدو الضوء الساطع باهتا أمام دفء المكان’
فربما لأن الغرفة ممتلئة بالدفء، كانت الشموع الطويلة المشتعلة مصطفة على الأرض
لو كانت مظلمة أيضا، لبدت وكأنها مكان لاستدعاء شيء غامض
“حضرتك يا الآنسة جولييت، أحضرت الأغطية، أين أضعها”
رغم أنّ الجو أكثر حرارة من البرودة، خشيت أن ترفض وضع الأغطية بنفسها، فسألت بحذر
“لا حاجة، هذا يكفي، وأظن أنّه ثقيل عليك”
التفتت إلي بسرعة وكأنها استيقظت من سبات، ونظرت إلى الأغطية السميكة مبدية اعتراضها
‘ربما يكفي أن أضع الغطاء الرقيق الموجود مسبقا فوق الأغطية’
لكنّي لم أسأل ذلك
فحتى لو عرضت اقتراحا بلطف، قد يعتبرونه أمرا مفروضا ويغضب، ولعلّها لو كانت بحاجة له لكانت قد فعلت
لذا أغلقت فمي بإحكام حتى لا أغضبها أكثر
“…لا، جولييت لم تخطئ، لم تطلب موت أحد”
بينما كنت أرتب الأغطية على الأرض، التفتت الآنسة جولييت وغطت أذنيها وهمست
“لم أرد سوى أن أمتلك هذا المكان الجميل، أردت أن أعيش في هذا البيت الكبير والرائع، لذا قلت ما قلت فقط”
لم تعد تشتكي من البرد، ولم تطلب شيئا آخر، بل تابعت الدفاع عن نفسها بلا توقف
‘هل يمكن اعتبار ذلك دفاعا عن النفس’
لم أكن أعرف الحقيقة بدقة، ولا يمكنني التأكد من خطأها الحقيقي
“أنا أيضا لم أقل سوى أنني أريد أن أعيش هنا، قال أبي إننا نستطيع استعادة ما سُلب منا، عندها يمكن لجولييت أن تعيش هنا”
لا شك أنّ القصة مرتبطة بعائلة الآنسة جولييت وحدث ما في هذا القصر مع زوجي الكونت، وربما الحادثة القديمة التي راح ضحيتها إيفينا روزيفينا
‘أعتقد أنني اكتشفت ما لم يكن من المفترض أن أعرفه’
أحيانا يكون الجهل أفضل، لكن كلما اقتربت من الآنسة جولييت، اكتشفت تفاصيل لم أكن بحاجة لمعرفتها، كما يحدث الآن
“تلك الفتاة غبية، وأبوها أيضا”
أبوها؟
على ما يبدو أنّها إشارة إلى والدي إيفينا روزيفينا، لكن قلبي تملكه شعور بالضيق
“البراءة كانت خطأها، كانوا طيبين جدا، لذلك وقع الحادث عند المكان الذي وعدنا والدانا بالذهاب إليه”
كأنها تحكي الحادث وكأنها شهِدتَه بلا أي مزاح
“لو ماتت تلك الفتاة آنذاك، كان بإمكان جولييت الاستيلاء على المكان أسرع، لكنها ظلت على قيد الحياة رغم الحظ العاثر”
كأنها تثير حادثة مقصودة، وهذا ما جعل قلبي يضطرب
‘هدّئ نفسك، هدّئي’
أخذت نفسا عميقا، مسترجعة شعوري وكأنني أعيش ذكريات شخص آخر
ماذا كانت ستقول إيفينا روزيفينا لو سمعت ذلك
“لو لم يكن والدك فقط، لما مات والدانا”
وكانت ستصرخ من الغضب قبل أن تضيف
“لكن لا بأس، فهي لن تعود أبدا، هذا انتصار جولييت”
ضحكت جولييت فجأة، كما لو أنّ أمرا مبهجا قد حدث، ثم صمتت تماما
“لا، لا، لا، قلت لك، لم أفعل شيئًا، هل سمعت ما قلته فعلا”
تدحرجت على السرير، ثم غطّت أذنيها وصرخت بصوت مدوٍّ
“…جولييت لم تفعل ذلك، صدقوني”
ثم تحوّل صوتها إلى مناجاة يطلب الثقة، ثم بدأت ترتجف من البرد
“بارد، بارد جدا، سأموت من البرد، أحضروا لي شيئا دافئا”
بدأت تحك ذراعيها وترتجف، كما لو أنها واقفة على جليد صلب بلا حذاء
“أكثر، أحتاج لدفء أكثر، أي شيء”
نهضت من السرير تبحث عن مصدر الدفء متجهة نحو النار المشتعلة
“لا يا الآنسة جولييت، هذا المكان خطير”
لكنها كانت تتقدم بلا تردد، وكادت أن تصطدم بالشموع المشتعلة المنتشرة في المكان
“آآخ، هذا حارق، جدا”
لم أستطع منعها، ولم تحدث أية إصابة بفضل طبيعة ملابسها، لكن الفوضى بدأت وانتشرت النار على الأغطية والستائر
“لن أموت، سأعيش، سأعيش”
هربت الآنسة جولييت نحو الباب رغم سقوطها وجرح ركبتيها، واغلق الباب خلفها تاركة الغرفة مشتعلة بالكامل.
التعليقات لهذا الفصل " 80"