كان من المفترض أن يكون جدول اليوم مخصّصًا لتنظيف نوافذ الطابق الثاني بأكملها.
لكن، قبل موعد البدء بنصف ساعة تقريبًا، وردتنا أنباء تُفيد بتغييرٍ مفاجئ في خطة العمل.
“يا لسعادتي! كنتُ أظنّ أن عددنا غير كافٍ، لذا يسعدني أن يكون لدينا يدٌ إضافية اليوم!”
ربّما لأنهم لم يستطيعوا بعد الآن تجاهل الشكاوى المتكرّرة حول قلّة المساعدة، قرّروا أن يُرسلوني إلى هناك.
“هل يوجد حقًا هذا الكمّ من العمل؟”
وهكذا، أصبحتُ مكلَّفةً اليوم بتنظيم المستودع.
كان قصر روزيبينا يزدان دومًا بالأشياء الأنيقة والجميلة، ومع ذلك، كان لا بُدّ من وجود مكانٍ تُخزَّن فيه الأغراض التي لا يحتاجها القصر في الوقت الحالي أو تلك التي تُستخدم فقط في مواسم معيّنة.
وبما أن القصر لم يكن يحتوي على قبو، فقد جرى تخصيص المستودع للقيام بهذا الدور.
“بالطبع، هناك الكثير من العمل ينتظرك!”
“ستفهمين ما أعني عندما تريه بنفسك.
فالمكان الذي كان يُقام فيه المستودع في السابق هو نفسه الذي وُجد فيه المبنى الفرعي، لكن حصل حادث صغير منذ زمنٍ بعيد، فهُدم ذلك المبنى وأُعيد بناؤه في مكانٍ آخر.”
“بمعنى آخر، بُنِي المستودع في الموقع الذي أُخلي بعد ذلك.”
ويبدو أنَّ ذلك “الحادث الصغير” الذي أشاروا إليه كان يقصدون به حريقًا وقع في الماضي.
“قد تُصدمين حين تريه بعينك. نحن أنفسنا ذُهلنا عندما رأيناه أول مرة.”
“الحجم وحده مثيرٌ للإعجاب، لكنّ ما بداخله أكثر إدهاشًا. ستجدين هناك كلّ شيء: من التحف القديمة إلى أغراضٍ عشوائيةٍ جمعت على مرّ الوقت.”
“علينا أن نُعيد ترتيب ما تناثر في المستودع ونفرزه بعناية. فالمسؤولون السابقون عنه لم يُحسنوا العناية به كما يجب.”
وبناءً على كلامهم، بدا أنّ “تنظيم المستودع” يعني عمليًّا القيام بمجهودٍ بدنيٍّ كبير.
“هل لديكِ أيّ أسئلة أخرى؟”
‘لو بدأتُ بالسؤال، فلن أنتهي…’
كان أكثر ما يشغل تفكيري هو: أيُّ جزءٍ من المستودع علينا ترتيبه اليوم؟ وإلى أيّ حدّ سنُنجز العمل؟
ثم خطر ببالي سؤال آخر: طالما أن المستودع بهذا الاتساع، فهل يُعقل أن يُكلَّف به هذا العدد القليل من العمال دومًا؟
وأخيرًا، كان هناك أمرٌ واحد لم يفارق ناظري طوال الطريق….
“لقد فهمتُ معظم ما قلتِه، وسأسأل عن التفاصيل الأخرى لاحقًا عندما أحتاجها.”
“حسنًا، لا تتردّدي في السؤال متى ما أردتِ ذلك.”
أطرقتُ برأسي بصمتٍ بدل الردّ.
‘لا ظلال…؟’
كان اليوم أول يومٍ مشمسٍ وواضح منذ بدأت عملي، ومع ذلك، كان ينقصهم شيءٌ أساسيٌّ يفترض أن يظهر بوضوح.
فالإنسان عندما يقف تحت أشعة الشمس، يُلقي ظلًّا خلفه بشكلٍ طبيعيّ. غير أنّ الثلاثة الذين يسيرون أمامي لم يكن لهم ظلٌّ على الأرض.
“ذاك هو المكان الذي سنعمل فيه اليوم.”
توقّفتُ للحظةٍ أُحدّق، ثم التفتُّ قليلًا لأنظر إلى ظلي الممتدّ على الأرض، وأعدتُ نظري إليهم…
أولئك الذين بلا ظلّ.
“هيا، إيفون!”
“إن أردنا إنهاء العمل في الوقت المحدد، فلا مجال للتأخير!”
“بمجرد دخولنا المستودع، لن نجد وقتًا للراحة، لذا استريحي الآن قليلًا إن شئتِ.”
التفت الثلاثة نحوي في اللحظة نفسها، ينادونني بنبرةٍ واحدة.
‘لابدّ أنني متعبة فحسب.’
همستُ بتلك الجملة مرارًا، كما لو كنتُ أحاول إقناع نفسي بها.
“ما رأيكِ؟ أليس المستودع كبيرًا مثل القصر نفسه؟”
وعندما وصلنا أخيرًا إلى أمام المستودع، وجدتُ نفسي أومئ دون وعي.
من بعيد، بدا ارتفاعه لا يكاد يُرى خلف عظمة القصر، لكنه كان ضخمًا بما يكفي ليحتوي على عددٍ هائل من الأغراض.
وفوق ذلك، بدا نظيفًا ومُعتنًى به جيدًا من الخارج.
وهكذا، لم يعد أمر تكليف ثلاثة أشخاصٍ فقط بالعمل فيه غريبًا أو مبالغًا فيه.
“يبدو أن الباب يُعاندنا مجددًا.”
تغيّرت ملامح الثلاثة الذين أمامي وهم ينظرون إلى الباب.
“هل به خلل؟”
بمجرد أن سألت، أجابوا على الفور:
“كلا، لا شيء يدعو للقلق.”
“الأمر بسيط.”
“فقط قفله مكسور، ولهذا يُغلق من تلقاء نفسه.”
كانت كلماتهم مطمئنة، لكن نبرتهم أخفت قلقًا ما.
‘أليس من الواجب إصلاحه فورًا؟’
ومع ذلك، لم يبدُ على أحدهم أيّ اهتمامٍ بالأمر، وكأنّه طبيعي تمامًا.
“احذري من العتبة حين تدخلين، فهي مرتفعة قليلًا.”
“وانتبهي أيضًا عند الخروج كي لا تتعثّري.”
“لقد سقطنا جميعًا بسببها مرة، لحسن الحظ لم نصب بأذى.”
وبالفعل، كانت العتبة مرتفعة كما قالوا.
وبفضل تحذيرهم، لم يتعثّر أحد.
وهكذا، بدأنا بالعمل داخل المستودع الضخم: فرز الأغراض، إعادة تنظيمها، ونقل ما طُلب استخدامه فورًا.
“انظري! الشمس تغرب!”
“لقد انهمكنا بالعمل لدرجة أننا لم ننتبه لمرور الوقت!”
“هل سيكون عشاء الليلة خبزًا مجددًا؟”
وبينما يحملون السجاد الفاخر واللوحات والأشياء المتنوعة، تبادلوا الأحاديث بخفّةٍ ومرح.
لم يتبقَّ سوى أن أنقل تلك الخزفية الزرقاء اللامعة.
لكنّ الحظ السيّئ لا يأتي بإنذار.
“آه… آهـه!”
بينما الثلاثة أمامي يحدّقون بدهشةٍ مفتوحة الأفواه، أصدر الباب — ذلك الذي قيل إنّ قفله مكسور — صريرًا مزعجًا.
…صرير… ثم ارتطامٌ قويّ.
‘هل… ابتسموا؟’
كان غريبًا أنّهم تبسّموا بهدوءٍ حين أُغلق الباب وحده، وكأنّهم لم يُفاجأوا أبدًا.
وبذلك، وجدتُ نفسي محبوسةً داخل المستودع.
‘ظلامٌ دامس.’
لم يبقَ حولي سوى السواد، لكن الخوف اجتاحني كما لم يحدث من قبل.
منذ اللحظة التي أُغلِق فيها الباب عليّ، لم أسمع أيّ صوتٍ من الخارج: لا أحد يسأل إن كنتُ بخير، ولا وعدٌ بالمساعدة. بدأ العرق البارد يتجمّع على جبيني، وارتجف جسدي كليًّا من شدّة الرعب.
وفجأة، اخترق سمعي صوتٌ حادٌّ صرخ بكلمةٍ واحدة:
“حريق!”
ومع تلك الصرخة، غاب وعيي تمامًا.
—
“تبدين مذهلة الجمال، آنستي (-).”
ظهرت صورتي في المرآة.
شعري الأسود الطويل منسدلٌ بنعومةٍ على كتفيّ، وعقد اللؤلؤ الأبيض يزيّن عنقي.
وفستاني الأنيق الذي أُعدّ خصيصًا لليوم.
‘اليوم؟ ما الذي كنتُ أحتفل به؟’
لم يدم السؤال طويلًا، فبمجرد أن تأملتُ انعكاسي الجميل، ارتسمت على وجهي ابتسامةٌ راضية، والمرافقة التي بجانبي انسحبت بهدوء.
وحين نظرتُ من النافذة، كان الليل قد أرخى سدوله. تأملتُ الغرفة مجددًا.
الدبّ المحشو الذي أهدي إليّ في طفولتي، صندوق الموسيقى الذي يحمل راقصة باليرينا، الجدران المزخرفة، والأثاث المرتّب بعناية.
كانت الغرفة مليئةً بالذكريات…
مكانًا يُعدّ فخمًا وجميلًا في نظر الجميع.
كانت غرفتي.
“حريق!”
قبل أن أغرق في الذكريات، اخترق أذني صوتٌ حادّ. صاح صاحبه أكثر من مرة، صوته يرتجف بالهلع: “حريق!”
‘حريق؟’
الحريق… لا بدّ من الهرب منه!
فهو يجلب ألم الاحتراق المميت.
ومن مكانٍ بعيدٍ سُمعت أصواتٌ تصرخ بالفرار والإخلاء، فجسدي ووعيي معًا أمرا بالهرب.
‘الباب مغلق.’
أسرعتُ نحو باب غرفة الملابس، وأدرتُ المقبض بعنف، لكنه لم يتحرك. بدا وكأن أحدهم أغلقه من الخارج.
ارتجف قلبي رعبًا.
“حريق!”
كانت الأصوات تزداد من الخارج تصرخ:
“قصر روزيبينا يحترق!”
اندفعتُ نحو النافذة مذعورة.
لكنني كنتُ في طابقٍ عالٍ، ولو قفزتُ لتهشَّم جسدي، ومع ذلك حاولتُ فتح النافذة — إلا أنّها لم تُفتح أيضًا.
كنتُ محبوسةً في غرفةٍ مغلقةٍ بإحكام.
آه… آهـه… آهـهـه!
الخوف كان هائلًا لدرجة أنني لم أعد قادرةً على الصراخ. لم يخرج منّي سوى شهقاتٍ خافتةٍ تملؤها الرهبة.
‘لا أريد أن أموت…’
الوريثة الوحيدة لعائلة روزيبينا، التي فقدت والديها واضطرت لتحمّل مسؤولية البيت في سنٍّ صغيرة.
هل سيذكرني الناس كامرأةٍ ماتت محاصَرةً بالنار؟ هل لن أرى (-)، ذلك الذي أحببته، مجددًا؟
غمرني اليأس، ووجدتُ نفسي أموت ببطءٍ في لهيب القصر، بهيئة شابةٍ جميلةٍ متفحّمة.
نعم… لا بدّ أن هذا هو ما حدث….
“…إيفون!”
لماذا سمعتُ ذاك الصوت الذي طالما اشتقتُ إليه؟
—
عندما استعدتُ وعيي، كنتُ بين ذراعين مألوفتين. لعلّها المرة الثانية منذ حادثة البيانو.
“هل عدتِ إلى وعيكِ يا آنسة إيفون؟”
حين أفقتُ من كابوس الاحتراق، كدتُ أن أنادي ليون باسمٍ آخر.
“ليون؟”
خطر ببالي اسمٌ آخر بدا أكثر ملاءمةً له.
“نعم، آنستي إيفون. أنا ليونكِ.
ولحسن الحظ، يبدو أنكِ بخير الآن.”
قالها وهو يبتسم براحةٍ ظاهرة.
“رفيقاتكِ أخبرنني بأنكِ حُبستِ داخل المستودع، فجئتُ لإنقاذك. المَهارة دائمًا ما تنفع في مثل هذه المواقف.”
كما قال، كان الباب خلفه مفتوحًا، والبقيّة ينظرون نحونا بقلقٍ واضح.
“ما الذي حدث وأنتِ محبوسةٌ هناك يا آنسة إيفون؟”
ما زلتُ بين ذراعيه، رويتُ له ببطءٍ ما أتذكّره.
“القصر… اشتعلت فيه النيران… الأبواب… النوافذ كانت مغلقة… لذا…”
ربما كان مجرد كابوس، لكنه بدا حقيقيًّا لدرجةٍ جعلتني أبوح له بكلّ شيء دون تردّد.
ومع كلّ كلمةٍ قلتُها، كانت ملامح ليون تتجمّد شيئًا فشيئًا.
“يبدو أنكِ رأيتِ حلمًا مرعبًا بسبب توتّركِ بعد احتباسك، آنستي.
القصر بخير، ولم يندلع فيه أيّ حريق.”
إذًا، كان الأمر مجرّد حلمٍ لا أكثر؟
“يبدو أنكِ ما زلتِ مرهقة، من الأفضل أن تعودي لغرفتكِ وتستريحي قليلًا لاستعادة هدوئكِ.
ولحسن الحظ، كان وقت انتهاء العمل قد حلّ أصلًا.”
وبينما كنتُ أتعافى من الكابوس، كان اليوم قد انتهى بالفعل دون أن أشعر.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"