كان القبو موجودا بقدر ما هو جزء من ذكريات الآخرين، ومع ذلك ما أن خرجنا من ذاك المكان حتى اختفى أثره تماما
لم يتغير الوضع بعد الانتهاء من التنظيف، ولا بعد مرور يوم أو يومين
كأن ذلك المكان لم يكن موجودا منذ البداية، فلم يكن ثمة أثر يدل عليه
فلنترك الفضول على حاله
وبعد مرور نحو أسبوع قررت التخلي عن أي تساؤل حول القبو
ففي الحياة هناك أمور من الحكمة أن تبقى مجهولة، والقبو واحد من تلك الأمور، فقد يؤدي التدقيق فيه إلى ما لا يحمد عقباه
وبالإضافة إلى ذلك لم يكن من الحكمة التشتت والانشغال بأمور أخرى بينما أمامي أعمال عاجلة تستدعي الانتباه
وكانت هذه الأعمال تعني الساعات الإضافية التي سأقضيها في العمل الليلي
كنت أنوي النوم مبكرا، ولكن التعب كان يمنع ذلك، علاوة على وجود من يجعل خطتي عبثا، وهي الآنسة جولييت
لم أكن أتوقع أن تناديني في مثل هذا الوقت المتأخر
عادة ما تحدد الآنسة جولييت أوقات زياراتها بعد الغداء مباشرة أو قبل المساء، أما مناداتي في منتصف الليل فهو أمر نادر
لكن حين يحدث شيء غير معتاد من شخص ما، فلابد أن له سببا، وهكذا فعلت جولييت، رغم أن سبب تصرفها لم أستطع توقعه
كنت أعلم شيئا واحدا فقط
غرفة الآنسة جولييت قد تكون مليئة بالحرارة حين أدخلها، فليكن ذلك معروفا، ولا تدع الدهشة توقفك
وبعض من تلقوا الصفعات اليوم، لذلك يجب توخي الحذر، فهي في مزاج سيئ بلا شك
لم يكن مزاجها السيئ مسألة يومين أو ثلاثة، لذا كان من الحكمة الحذر
لكن ما السبب في حرارة الغرفة، ذلك بقي لغزا لم أستطع السؤال عنه، فقد بدا المستشار مشغولا
ولذلك في تلك الليلة المتأخرة اتجهت إلى غرفة الآنسة جولييت
كنت مستعدا حتى لتلقي الصفعات، فقد سمعنا عن من تعرضوا لذلك، وكانت علاقتي مع جولييت ليست ودية بما يكفي لتسهيل الأمر
وصلت إلى الطابق الثالث من المبنى الرئيس، ورأيت غرفة جولييت، يتسرب من شق الباب المفتوح ضوء ساطع، مميز في الممر المظلم
جيد، لنبدأ
كنت سأطرق الباب أولا، لكن أحدهم نقر على كتفي فأوقفت خطواتي
كانت إينيس واقفة في الممر
هل تتجه إلى الغرفة؟ قالت بابتسامة دون أي تحية
حذرتني ألا أتسرع، فقد تقذف الأشياء فور دخولي، ويجب أن أحذر من الإصابات
أخبرتني بلطف عن سبب حرارة الغرفة، فهي مزودة بكل ما يمكن أن يولد الحرارة، الموقد مشتعل، والنوافذ مغلقة لمنع دوران الهواء
يبدو أن قلب الآنسة بارد، مهما حاولت أن تخلق دفئا، يظل شعورها بالبرد قائما، على العكس، من يدخل الغرفة يشعر كما لو اقترب من الشمس
صوتها كان حانيا كأنها تقرأ قصة، وكدت أشعر بالراحة
لكن الحرارة التي وصفها جعلتني أتساءل هل هي حقا بهذه القوة لتذوب الثلوج
وقالت أيضا إن ترك الباب مفتوحا قليلا أفضل، فقد تعطل قفل الباب، وقد أُحبس بالخارج لو أغلق بالكامل
فهمت سبب انفتاح الباب، ولم يكن من السهل أن تسمح جولييت بذلك
سألتها لماذا تخبرني بكل هذا رغم المخاطر المحتملة
قالت، لأنك صديقتي العزيزة
الصديقة العزيزة… شعرت بشيء عالق في حلقي
إلا إذا كان هناك شخص آخر مثل كيليان، هل يمكن أن يكون لي علاقة خاصة داخل هذا البيت؟ لم أعد أعلم
إينيس لم تعرضني أبدا للأذى، على عكس قواعد أخرى في البيت، وكانت دائما تساعدني
وقالت، أنت صديقتي الغالية، وأحب أن أخبرك بكل شيء، لذا كن حذرة مع جولييت
نظرها كان جادا، كأنها تريد أن أتذكر كلامها
هكذا انتهى حديثها وعانقتني بحرارة، وقالت دعينا نتناول الطعام معا بعد أن تعود
اتبع نصيحتها، فقد كانت نصائحها دائما صائبة
وأخيرا دفعتني للذهاب قبل أن يتأخر الوقت، وظهرت أمامي القطة السوداء التي كانت تبحث عن صاحبها
وفجأة سمعت صراخ جولييت، فسرعت لدخول الغرفة
غرفة الآنسة كانت حارة للغاية، كأنني دخلت في صيف حارق
النوافذ مغلقة تماما، والمدفأة مشتعلة بأكوام من الحطب
جولييت ملفوفة في البطانية، ترتجف وتصرخ، تطلب دفئا عاجلا
الغرفة كانت أكثر حرارة مما توقعت
لكن رغم ذلك، لم يكن الجو الخارجي باردا بعد، فقد كانت بداية الخريف، والرياح كانت لطيفة
سلوكها كان غريبا، وكأنها من شتاء قارس.
كانت تطلب مني أشياء، ثم تنكر أنها فعلت، وكأنها ترى وهما.
التعليقات لهذا الفصل " 79"