من الوهلة الاولى بدا القلادة كما لو انها مجرد حلية مزخرفة بالجواهر، غير انها حملت في طياتها آلية خاصة كما ذُكر.
لقد أثار ذلك الفضول قليلا، فشيء مفيد في الحياة اليومية قد يكون، غير اني لم أجرؤ على السؤال عن طبيعتها مباشرة.
كنت أعلم ان اي استفسار قد يستغرق ساعة من الشرح المطول، كما انها قد تكشفه بنفسها بفخر اذا رغبت.
‘لا عجب ان مزاجها لا يبدو مبتهج تماما’
حين حولت نظري بعيدا عن القلادة، لاحظت تعبيرها الذي بدا اكثر قتامة مقارنة بالابتسامة العريضة التي رافقت حديثها بفخر قبل قليل.
“رغم انه مفيد في الحياة اليومية، الا انه لا شيء مقارنة بتلك الاشياء”
تلك الاشياء.
اشارت الآنسة جولييت وكأنها تريد اظهار استياءها بشفتيها المتجهتين الى الامام وهي تدير القلادة حول اصبعها في حركة دائرية.
كنت اظن انها ستعتز بالهدية كونها من رجل تعجب به، لكن يبدو ان الامر لم يكن كذلك.
“هل لم تعجبك الهدية اذا، يا آنسة جولييت”
لم استطع حبس الفضول وطرحت السؤال مباشرة
فما كان منها الا ان اوقفت دوران القلادة ووضعتها على الطاولة، ثم ارتكزت بذقنها على يدها وبدأت تبوح بتذمرها.
“سعيدة بانني تلقيتها، لكن لا استطيع ان اقول اني احبتها، مهما حاول احد ان يشرح فضائلها فهي لا تفيد جولييت بشيء”
فهمت على الفور سبب تحول مزاجها بشكل مفاجئ، وكأنه انعكاس لحقيقة نظرتنا للحجر الذي نقف عليه.
“وعلاوة على ذلك، بالمقارنة مع ما تلقت هي، فهذه لا شيء، اعطيت هدية فقط من باب المجاملة، دون اي مشاعر حقيقية”
بالنظر الى العلاقة المعقدة بين الطرفين، بدا ان كلمات جولييت منطقية، اذ قد يكون كيليان قد اهدى تلك القلادة بلا تفكير عميق.
“ما الذي يراه في جولييت هذا الرجل”
اخذت الغضب يتصاعد فيها، وكاد ان يقذف القلادة على الارض، لكنها ترددت للحظة.
“لا لا بأس، على الاقل سأحتفظ بها”
وبينما استعادت رباطة جأشها، اعادت القلادة الى مكانها، وربما كانت هذه التناقضات في مشاعرها بين الاستياء والاعتزاز بالهدية سبب في صراعها الداخلي.
“ومع ذلك كان بإمكانه ان يقدم لها هدية افضل، ومع ذلك اكتفى بمثل هذا الشيء”
عاد الغضب ليغمر قلبها مرة اخرى.
راقبت تقلبات مزاجها وادركت ان العودة الى الغرفة قبل الوقت لم تكن خيار حكيم.
…وبالفعل، استمعت لمدة ساعة تقريبا لشكاوي جولييت عن القلادة، حتى افرغت ما في قلبها من استياء، ثم سمحت لي اخيرا بالعودة الى الغرفة
‘في النهاية، يبدو انها ارادت الاحتفاظ بها في مكان يراها بعينيها، وليس مجرد وضعها في صندوق المجوهرات’
وبعد هذا الوقت الطويل، استطعت الاطلاع على جدول المهام الجديد.
بعد انتهاء خدمة الضيوف، كان دوري كما الآخرين هو تنظيف المكان وفق المهام المحددة، وكان علي العمل مع اربعة اشخاص اخرين اصبحوا عملياً زملاء ثابتين.
‘سننظف معا، مثل فريق متآلف’
الوجهة لم تكن خطيرة، والمهمة كانت محدودة وصعبة قليلا، لكنها قابلة للانجاز
على الرغم من مغادرة الضيوف، عاد الصمت ليخيم على القصر كما لو ان شيئا لم يكن
الجميع يتحرك بهدوء، يؤدي كل منهم مهامه بصمت، وانا لم اكن استثناء
‘لدي متسع من الوقت، ساذهب اولا لاستريح قبل بدء العمل’
من عادة الناس الوصول قبل الموعد بعشر دقائق، لذا كان من الافضل التوجه الى موقع التنظيف قبل الوقت للراحة ثم البدء
‘افضل من ان اضيع الوقت في الغرفة واتأخر’
فالجلوس على السرير قد يغري بالنوم، والنوم قد يقود الى تأخير في ساعات العمل المحددة
‘من الافضل تجنب اي كارثة قبل وقوعها’
حين بدأت الحركة، لاحظت الاربعة الذين اعرفهم عند درج الطابق الاول، مجتمعين خلف الدرج المركزي
لم يكن من الصعب تحديدهم، اذ قل وصول اشخاص اخرين الى هذا المكان مبكرا
تقدمت بهدوء نحوهم وسألت بصوت منخفض يكاد يسمعهم فقط
“ماذا تفعلون هناك”
لقد بدا انهم يحاولون البقاء غير ملحوظين، لكن رد فعلهم كان غير متوقع
“……!”
تفاجأ الجميع، واقتفت حركتهم تشبه دمى معطوبة قبل ان يتأكدوا اني انا من يتحدث معهم، فتنفسوا الصعداء
“كنا نراقب هذا”
اشار ادلي باصبعه نحو شيء لم يكن ليُرى عادة، وكان امامنا ما لا يمكن تصديقه
“غريب، أليس كذلك؟
قالت لنا القصر لا يحتوي على مثل هذا المكان، فما هذا”
نظرت بارتباك، فلم اجد جواب جاهز، لكن المشهد امامي كان غريبا بحق.
الدرج المركزي من الطابق الاول لا يؤدي عادة الى اي مكان تحت الارض، والان هناك درج يهبط، ضيقا بما يكفي لشخصين جنباً الى جنب، وفي نهايته باب قديم.
‘مستحيل، لا بد من انه قبو’
لكن لم اسمع عن اي قبو في القصر خلال عملي هنا، سوى ما سمعته مرة كمزحة عن شخص فقد الطريق ولم يجده ثانية.
‘ربما… يكون حقيقيا’
ولم يشاهده شخص واحد فقط، بل عدة اشخاص، والقصر مليء بالاحداث الغريبة.
“نعتقد انه يشبه القبو الذي يمكن ان نراه في اي قصر، أليس كذلك”
اومأت موافقة على كلام أديل، ثم سألت:
“هل نجرؤ على الدخول معا؟ “
ترددت للحظة، العقل يقول ان البقاء بعيدا اكثر امنا، لكن فضولي دفعني نحو المغامرة.
‘قد يختفي كما رأى الآخرون، ربما مجرد سراب’
وفي النهاية، وافقت.
“سأذهب معكم”
سرنا معا نحو الدرج الذي يهبط الى الاسفل، كأطفال مشاغبين يتحدون المجهول، وكلما كنا اكثر، خفت المخاوف
“سافتح الباب”
تقدمت سيسيل بثقة، واسفل يدها صدرت اصوات احتكاك صاخبة كالصدأ، حتى انفتح الباب ببطء.
‘الظلام دامس’
وعندما دخلت سيسيل اولاً، بدأ المكان يتوهج فجأة، كأنه استشعر وجودنا، وتأكدت حينها انه القبو حقا.
التعليقات لهذا الفصل " 77"