سَتَكُونُ هَذهِ آخرُ مَرّةٍ يَضجُّ فيها هَذا القَصرُ بالحَركة
صَباحُ يومٍ اعتياديٍّ، لا يُمكنُ وَصفُهُ بالهَادئ تَمامًا، تَحرَّكتُ بِهُدوءٍ وسطَ جَموعِ النَّاسِ المُنشغِلين
اليَومُ هُوَ اليَومُ الّذي سَيَعودُ فيهِ الرَّجُلُ الّذي أَعلَنَ بَقاءَهُ في القَصرِ لِعَشرةِ أيّامٍ بعدَ أنْ أَتمَّ المُدّةَ كَامِلة
وَلِأنَّهُ كَانَ مثلَ هَذا اليَوم، كَانَ القَصرُ ومَسكَنُ الخَدَمِ صَاخِبَينِ مُنذُ الفَجر
لَمْ يَكُنْ هُنالِكَ حَلّ، فَلَا مَفرَّ مِن هَذا الوَضعِ حتّى لَو كانَ النَّومُ ناقصًا
في حَالَةٍ طَبِيعيّة، كَانَ يُوجَد وَقتٌ مُحَدَّدٌ للاستيقاظ، لَكِنْ تَمَّ إِجبَارُ جَميعِ المُوَظَّفين، بِمَن فِيهِم أَنا، على النُّهوضِ مُبَكِّرًا بِسَاعتين
ولَا عَجَبَ في ذَلك، فَالآنسَةُ جُولييت جَعَلَتْ الكَبيرَ مِنَ الخَدَمِ ورَئيسَةَ الخَادِماتِ يُوقِظُونَ المُوَظَّفينَ مُبَكِّرًا، قَائلةً إنَّها حتّى لَو استَقبلَتِ الضَّيفَ بِشَكلٍ غَير مُتقَن، يَجِبُ عَلَيها تَودِيعُهُ بِشَكلٍ مِثالي
بِسَببِ هَذا، وَجَدتُ نَفسي أُواجِهُ رَئيسَةَ الخَادِماتِ في مَسكَنِ الخَدَمِ الفَوضَوِي، وأنا في حالَةٍ بَينَ النَّومِ واليَقظة
أَلَمْ نَقُلْ إنَّ إيفُون مَسؤُولَةٌ عَن خِدمَةِ الضَّيفِ؟ نَرجُو مِنكِ بَذلَ قُصَارَى جُهدِكِ، فَهَذا هُوَ اليَومُ الأَخير
وَصَلَتِ التَّوصِياتُ حتّى هَذا الحَد
على الأَقَل، كُنتُ أَنتَمِي إِلى الفِئَةِ الّتي لَيسَ لَدَيها الكَثير مِنَ الأَعمَالِ لِتَقُومَ بِهَا
فَالمُوَظَّفُونَ الآخَرُونَ كَانُوا يَركُضُونَ حَولِي في تِلكَ اللَّحظةِ لِتنفيذِ مَهامِّهِمِ المُخصَّصةِ، كَمَا لَو أَنَّهُمِ اعتَمَدُوا على عَشرةِ أَجسَادٍ لِإتمامِ العَمَلِ الناقص
لِمَاذا الإِضاءةُ بَاهِتةٌ جِدًّا اليَومَ بِالذَّات
سَأُعلِمُ لِيأتُوا لِاستِبدَالِهَا، فَقَد حانَ الوَقتُ لِذَلك
لاحَظَ شَخصٌ ضَوءَ المَمَرِّ الباهت، وشَخصٌ آخَرُ كَانَ يُفحِصُ كُلَّ شَيءٍ بعَينِ النَّسر، كَمَا لَو أَنَّهُ لَن يَترُك ذَرَّةَ غُبارٍ واحِدة على الأَرض
يَالَهُ مِن حَظٍّ أنْ لَا تَدعُونَا الآنسَةُ جُولييت في مِثلِ هَذا اليَوم، إِنَّهُ حَقًّا حَظّ
صَحيح، أَتَسَاءَلُ عَمَّا إِذَا كَانَتِ المَدعُوّاتُ بِخَير، جَمِيعُهُنَّ كُنَّ عابِساتِ الوَجه
يَبدو أنَّ شَخصًا ما سَيَتَعَرَّضُ لِلتَّعبِ الشَّديدِ مِنَ جُولييت اليَومَ، تَمامًا كَمَا حَدَثَ في اليَومِ الأوَّل لِاستِقبَالِ الضَّيف
لَو لَمْ يَكُنْ دَوري خِدمَةَ الضَّيفِ، لَرُبَّما كُنتُ سَأُستدعَى أَيضًا
أَلَا تكرَهُني الجُولييت بِالطَّبع؟ في مِثلِ هَذا اليَوم، قد تَستَدعِينِي عَمْدًا لإِزعاجي، وتَنتَقِدُني بِكُلِّ أنواعِ الانتقادات، كَمَا انتَقَدَتْني سابِقًا بِشَأنِ رَائِحَةِ الشاي ودرَجةِ حَرارَتِهِ
أَلَيسَ خِدمَةُ الضَّيف أَفضَلَ مِن ذَلك؟
عِندَمَا طُلِبَ مِنّي أَنْ أَخدِمَهُ، لَمْ يَطلُبْ مِنّي الكَثير
عِندَمَا فكَّرتُ في الأَمر، كَانَ ذَلكَ صَحيحًا، لَمْ يَطلُبِ الرَّجُلُ الكَثير، وحَلَّ كُلَّ شَيءٍ بِسِحرِهِ الخاص
حتّى عِندَمَا كَانَ يُعهدُ إليَّ ببعضِ الأَعمَالِ الصَّغِيرة مَرَّةً عَرَضِيًّا، لَمْ يَطلُبْ أبدًا عَمَلًا شاقًّا أو مُفرِطًا، كَمَا لَو أَنَّهُ يُظهِر بَعضَ الاعتبار
أَنتِ هُناك! لَيسَ ذَلكَ اللَّون، اللَّونُ الّذي طَلَبَتْهُ الجُولييت هُوَ
عِندَمَا كُنتُ عَلى وَشَكِ الوُصولِ إِلى غُرفَةِ الضَّيفِ بِاستِخدامِ الدَّرَجِ الرَّئيسي، رَأَيتُ بَعضَ المُوَظفينَ المَشغُولين، وكَما هُوَ مُتَوَقَّع، تَجَمَّلَتِ الجُولييت كَثِيرًا لِتَودِيعِ الضَّيف
شَخصٌ لَمْ أَرَهُ مِن قَبل؟
عِندَمَا وَصَلتُ إِلى الطَّابِقِ الرَّابع، رَأَيتُ كِيلِيَان بَعدَ الآلَةِ البِيَانُو المَألُوفة، وبِجِوارهِ بَعضُ الأَشخاصِ الّذِينَ لَمْ أَرَهُم مِن قَبل
كانوا يَرتَدونَ مَلابِسَ أَنِيقَةً، مُناسبةً لِخادِم، لَكِنها لَمْ تَكُنْ مَلابِسَ خَدَمِ عَائلةِ رُوزفينا
يَبدو أَنَّهُم يَعمَلُونَ لَدَى عَائِلَةِ ذَلكَ الرَّجُل، وهم الوَحيدونَ القادرونَ على الاقترابِ منهُ بِشكلٍ طبيعي
كانَ هناكَ ثلاثةُ أشخاصٍ مجهولي الهُوِيّة، يَقتَرِبُونَ مِن الرَّجُلِ ويَهمِسُونَ لهُ في أُذنهِ، كَمَا لَو يَقدّمونَ لهُ ما يَحتاجُ
أَفترضُ أَنَّ بعضَ خِدمَاتي الّتي كانَ مِنَ المُفتَرَض أن أَقومَ بِهَا تَمَّ تنفيذُها بدَلًا مِنّي مِن قِبَلِ هَؤلاء الأشخاص
مَنْ كانَ يَتَوَقَّع أَن تَكُونَ الآنسَة إيفُون؟
الرَّجُلُ استَمِعَ لكلِّ شيءٍ بِهدوء، رَفَعَ رَأسَهُ ولَوَّحَ لِي بِيَدِهِ، بَدَا وَحيدًا بَرِيئًا وَغَيرَ مُبَالٍ، رُبَّما طَبيعِيٌّ لأنهُ ضَيف
أَشارَ بِخِفّةٍ إلى الأشخاصِ حولَهُ، وكَأنَّهُ يَطلُبُ مِنهمُ الابتعاد، فاختَفوا بِهُدوءٍ كالهَواء
لقدِ اختَفَوا، لم يَمُروا بِقُربي، ولَم يَكُن هناكَ مَمَرّ آخر، بل اختَفوا في مكانِهِم
كُنتُ أُريدُ أن أَسألهُ إلى أينَ ذهبوا، لَكنَّهُ تَحدَّثَ أولًا
آه، أُولَئِكَ النَّاسُ مِن عَائلتي، بَقُوا بِجِواري لفترةٍ طَويلة، عَلَّمْتُهُم بعضَ السِّحر واستَخدمهُ في مِثلِ هذه الأمور
أَخبَرَني بِأَنَّهُم اكتَشَفُوا مَوهِبَتَهُم في السِّحر، لِذَلكَ أَبقَاهُم جَوارَهُ، ولربَّما عادوا بِسِحرِ الانتقال
على أيّ حال، يَبدو أَنَّهُم أَشخاصٌ يُوثِق بهم كثيرًا
أَتَيتُ لِأسألَ عَمَّا إذا كانَ لَدَيك أيّ أَعمالٍ تُريدُ أن أَقُومَ بِها، لَكن لا يبدو أن هناكَ شيء يُمكِنني المُساعدة فيه
بعدَ أن استمعتُ لهُ، نَظرتُ حَولي، لم يَكُن هناكَ أيُّ شيء يُمكِنني المُساعدة فيه، بالنظرِ إلى الأشياء المرتَّبة بِأناقة، ومظهرِ الرَّجلِ النَّظيف، وحَقيبَاتهِ المُجهزة
يبدو أَنَّهُ حَلَّ كُلَّ شيء قبلَ أن آتي
بِإمكاني حلُّ مثلِ هذه الأمور البسيطة بنفسي، لذلك أَتمنى أن تَفعَلي شَيءً آخر اليوم يا آنِسَة إيفُون
ما الّذي يَعنيه بِشَيء آخر؟
وَفقًا لِكلامه، يُمكنُهُ القِيام بِكُل شيء بسهولة، ولا يبدو أن هناكَ مشكلة كبيرة تحتاجُ مُساعدتي
بِماذا يُمكنني المُساعدة؟
عندما سَألتُ بِأدب، بِشيءٍ منَ الأمل، قالَ لي
أُريدكِ أن تُوَدّعيني هُنا
هل يُمكِنُ لِشيءٍ بسيط كهذا أن يكونَ كافيًا؟
لَم يَطلُب شيءً صعب أو كثير، كانَ عملًا بسيطًا يُمكِن حتّى لِلطفل أن يَقوم به
هل هذا كُلُّ ما في الأَمر؟
نعم، هذا يكفي
رَفَعَ زاوِيَةَ فمهُ، كَمَا لو لَم يَحتَجْ لأي شيءٍ آخر
يَجب أن ألتقي بِآنسَة القصر بعد قليل، وحَولَ وقتِ عودتي ستكون الأمور صاخبة قليلًا ولن نَتَمكَّن من تَبادُل تحيةٍ لائقة
لذلك، أَعتقد أنّه من الأفضل أن نَتَبادَل التحية الأخيرة هنا
في هذا المَكان الهادئ مقارنةً بالطابق السفلي، طَلَب الوَداع
لا يُمكِنُني رفضُ هذا الطَّلب، إذَا كان هذا ما يَتَمناهُ
لَم يَكُن يَطلُب أن أَفعَلَ شيئًا لا يُمكِنني القيام به
هَل هذه المَرّة الأولى التي أودع فيها شخصًا بِشكلٍ لائق؟
عِندَمَا فكَّرتُ في الأمر، كانَ صحيحًا، منذُ أن بدأت العمل في القصر، لم أَضطر لتوديع أحدٍ
في الآونة الأخيرة، الشخص الذي أعرفه جيدًا، أي ليُون، غَادر، لكنه غادر بسريةٍ تامة
كلما فكَّرتُ، زاد شعوري بالاستياء، كانَ يُمكنهُ أن يُلقي تحيةَ الوداع مرةً واحدة
بِسَبب ذَلِك، فقدتُ الشخص الأقرب إليّ في القصر
لقد كانَ ممتعًا أن أقضي الوقت معكِ يا آنِسَة إيفُون
عشرة أيام فقط، تحدَّثَ كأنه سعيدٌ جدًا، ومدّ يدهُ كما لو أراد المصافحة
ستكون المَرّة الأخيرة
قد لا أكونُ هنا عندَ قدومه مرة أخرى، ولأنه عاملني باحترام مثل ليُون
وأنا كذلك شاكرة لك، وأشعر بالسعادة لأنك أخذتني إلى المهرجان أيضًا
بعدَ أن أمسكتُ بيدهِ بحذر، شعرتُ بدفءِ حرارة جسده
آمل أن نلتقي مرة أخرى
مرَّ كِيلِيَان بجواري، وكأنه يلمح إلى أنه سيأتي ضيفًا على القصر في المرة القادمة أيضًا
لم أكن أعلم أنّني سأقوم بأعمال إضافية
بعدَ مغادرة الرجل القصر، ظننتُ أنني سأعود إلى غرفتي لأستريح مُبكرًا، لكنَّ الحلم لم يتحقق
كاد أن يتحقق ثم تم منعه
الشاي ساخن جدًا، هل يعني هذا أنّ حلق جولييت لو احترق فلا بأس؟ أعده مرة أخرى
هذا لأنّ الجولييت نادتني عندَ عودتي من القصر، بعدَ عودة الرجل
بطبيعة الحال، طلبت أن أخدمها بالشاي، وأُعِدَّ له الشاي، وكنت أُرفض مرارًا وتكرارًا
مرة أخرى
سمعت صوتًا يطلب تغييرات متكررة على الشاي، حتى انتهى الأمر بصعوبة
حسنًا، اتركي ما أعددته هناك واقتربي
ثم أشارت إليّ للاقتراب منها
يا تُرى ما العمل الذي ستكلّفني به هذه المرة؟ لم يكن الشعور جيدًا تمامًا
عرضتُه على الآخرين، لكن لا أعتقد أنني عرضته عليكِ
ثم أخرجت شيئًا ومدَّته إليّ
لا يمكن القول إنه عملٌ سيئ، لابد أنها استدعَتني لمجرد التباهي وليس لتكليفي بعملٍ مُضر
في مثل هذا الوقت، لا يمكن أن يكون هناك سوى شيءٍ واحد يُمكن التباهي به
أتساءل إذا كان شيئًا أهده لها الرجل الذي أقام في القصر لعشرة أيام
هي التي لم تُبْدِ أي فخر بفستانها أو مجوهراتها قبل ذلك، ربما فيه بعض السحر الخاص الذي يدفعها لعرضه هكذا
نظرتُ إلى القلادة المِفتاحية في يدها
هذه، كما ترين، أهداه لي ذلك الرجل
لقد كان كما توقعت
قال إنها مختلفة تمامًا عن القلادة العادية، وستكون مفيدة في الحياة اليومية
حركت زاوية فمها وشرحت مدى جودة هذا الشيء، ومن خلال ما سمعت، يبدو أنه يمكن استخدامها لأغراض متعددة.
التعليقات لهذا الفصل " 76"