فهو لطفه معي، وشخصيته المرحة، وجانبه الوقور، ومع هذا فإن كل شيءٍ آخر متعاكس تمامًا.
حتى تركيبة وجهه مختلفة.
’لو كان لون شعره وعيناه متبادلين، لشعرت ببعض التشابه.’
إذا كان ‘ليون’ لديه شعر ذو لونٍ أخضر وعينان ذهبيتان، فإن هذا الرجل على النقيض، لديه شعر ذهبي وعينان خضراوان. كان من الصعب أن يكون لديه انطباعٌ بالتشابه.
’ربما، وبسبب اعتقادي بأنني لن أراه مجددًا، حاولت رؤية ‘ليون’ منعكسًا في شخصٍ يتمتع ببعض القواسم المشتركة.’
إذا كان هذا صحيحًا، فما الذي يجعل السيدة ‘جولييت’ وذلك الرجل مختلفين عني؟ فالجميع يحاولون أن يروا شخصًا آخر منعكسًا، حتى لو كان الهدف مختلفًا.
”هل هناك شيء على وجهي؟”
لا بد أنني كنت أحدق طويلاً. يبدو هذا من سؤال الرجل وهو يتلمس وجهه.
”ليس الأمر كذلك… لكن خطر على بالي شخص أعرفه.”
في البداية، فكرت في أن أتحدث بشكلٍ غامض، لكن لم يكن هناك داعٍ لإخفاء هذا. يبدو أن هذا الرجل زار القصر بعد سنوات، وتحدث وكأن جميع الموظفين قد تم استبدالهم بآخرين جدد لا يعرفهم.
”لا بد أنه كان شخصًا وسيمًا مثلي، بما أنه خطر على بالك بمجرد النظر إلى وجهي.”
سأل بثقةٍ كاملة. لقد فهمت سبب فيضان ثقته، فقد كان لديه وجه يمكن أن يأسر نظر المارة.
”كما أنه وسيم، فقد كان شخصًا لطيفًا معي بدون سبب. لهذا السبب ربما تذكرتُه.”
عادةً، يكون اللطف في معظم الأحيان لغرضٍ معين. لقد كان العالم صعبًا جدًا بحيث لا يكون المرء لطيفًا بدون سبب.
”بما أنه شخص لطيف بدون سبب، أشعر بالفضول معرفة من يكون.”
”حتى لو كنت فضوليًا، لا يمكنني أن أجعلك تلتقي به. لم يعد لدي أي سبيل لمعرفة مكانه أيضًا.”
لقد كان شخصًا غادر دون أن يقول حتى كلمة وداع. إذا كان سيختفي فجأة بعد أن قال إنه لن يستقيل، فلا بد أن هناك شيئًا كبيرًا قد حدث. لقد سبب القلق واختفى. لقد كان شيئًا فيه إجحاف حقًا.
”يبدو أنني ارتكبت خطأ. الفضول حول شخص رحل بعيدًا جدًا.”
أوه. يبدو أنه أساء تفسير كلامي.
”ليس بعيدًا جدًا. لم يذهب إلى العالم الآخر، لذا لا تسيء الفهم.”
ما سمعته كان خبر استقالته، ليس ذلك النوع من الأخبار.
عندما صححت له بسرعة، تفاجأ وشعر بالإحراج.
”يبدو أنني ارتكبت خطأ آخر. حسنًا، هذا محيّر حقًا. ومع ذلك، فأنتِ يا آنسة ‘إيفون’ محظوظة.”
”بماذا؟”
لم أفهم ما هو الشيء الجيد في هذا الوضع، لذا نظرت إليه بصمت، فأجاب الرجل بلطف.
”على الأقل، إذا كنتما تعيشان تحت السماء نفسها، يمكنكما أن تتطلعا إلى اللقاء مرةً أخرى ذات يوم.”
وأضاف أن هناك فرصة واحدة متبقية، أليس كذلك؟
’هذا صحيح. سأستقيل أيضًا ذات يوم، وإذا كانت لدينا قسمة، ربما نلتقي في مكانٍ ما.’
المستقبل غير معروف، وأمور العالم لا تسير كما هو مخطط لها، لذا قد نلتقي في لحظةٍ غير متوقعة.
’لكن هذا الرجل…’
بدى أن هذا الشخص الذي قدم لي تلك الكلمات، لديه أملٌ ضئيل.
كما يعلم الجميع، فإن خطيبة هذا الرجل هي شخص اختفى منذ اليوم الذي التهمت فيه النيران القصر.
قال البعض إنها ماتت، وأشار آخرون إلى أنها مفقودة لعدم العثور على جثتها. وظل مصيرها مجهولًا حتى الآن.
’لو كان شخصًا آخر، لكان قد استسلم منذ زمن طويل عن البحث والانتظار.’
لم يبدو أن هذا الرجل استسلم عن أي شيء، بل رفض عرض السيدة ‘جولييت’ للشراكة وأصر على مواصلة خطوبته.
أصبت في الصميم ولم أجد كلمات. كنت أفكر في شيءٍ مشابه منذ لحظات قليلة، ويبدو أن هذا قد ظهر على وجهي.
”أتلقى مثل هذه النظرات كثيرًا أينما ذهبت في العالم، لذا لا تشعري بالأسف على قصتي إلى هذا الحد.”
قال بهدوء وكأنه يقدم نصيحةً خالصة.
”أقول لكِ فقط يا آنسة ‘إيفون’، لم أكن حزينًا طوال تلك الفترة الطويلة. بالطبع، كنت حزينًا في البداية، لكن المعنى مختلف الآن.”
معنى مختلف؟
”لأني سألقي بها مرةً أخرى طالما أنها على قيد الحياة.”
واصل الحديث وكأنه يلقى تعويذةً على نفسه، تمامًا كما فعل معي.
”لذا، أنا أنتظر. اللحظة التي تعود فيها بسلام إلى هذا القصر وتستعيد كل شيء.”
في اللحظة التي سمعت فيها الكلمات التالية، أدركت سبب كرهه للسيدة ‘جولييت’.
’إن الأمر معقد جدًا.’
قالت السيدة ‘جولييت’ إن المكان الذي أخذته لم يكن مكانًا سرق، بل مكانًا سلب بغباء.
ما الذي يعتقده هذا الرجل بشأن هذا الوضع؟
ربما لا يرى الآخرين سوى كأشخاصٍ استولوا على القصر واستحوذوا على العائلة بمجرد أن اختفت حبيبته وخطيبته من الوجود. سواء كان الماركيز وزوجته أو السيدة ‘جولييت’.
’حتى لو اختفت إلى الأبد كما تريد السيدة ‘جولييت’، فسيكون من المستحيل عليها أن تحتل مكانها.’
قد تحصل السيدة ‘جولييت’ على هذا القصر، لكنها لن تحصل أبدًا على المكان بجوار هذا الرجل.
”أتمنى حقًا أن تتحقق تلك الأمنية. سأصلي معك أيضًا.”
أليس من الأفضل أن يتعاون شخصان معًا؟
حتى لو لم يكن لي أي تأثير على حياته، فأعتقد أنني يمكنني أن أتمنى هذا معه.
”هذا مشجع جدًا.”
فتح عينيه بدهشة، ثم ابتسم بخفة. كان وجهه شاحبًا عندما كان مع السيدة ‘جولييت’، لكن يبدو أن مزاجه تحسن كثيرًا الآن. يمكن رؤية ذلك من خلال ضحكه الجيد هكذا.
”لننتوقف عن التجول في الحديقة الآن، ولنعد إلى الغرفة.”
نظر إلى السماء وعبس.
”هل سنذهب الآن؟”
لقد فكرت مرةً بأنه ينبغي عليه أن يبقى منغلقًا في غرفته لخوفي من أن يقوم بتصرفاتٍ خطرة تنتهك قواعد العمل، لكن ليس الآن.
للحسن الحظ، لم يظهر أي تصرفٍ ينتهك قواعد العمل في طريقه إلى هنا، وكان يتجنب الأماكن التي تكمن فيها المخاطر بنفسه.
بالنسبة لي الآن، لم يكن هناك سبب لإرساله إلى غرفته، لذا شعرت بالحيرة.
”لقد جئت إلى هنا لإحياء ذكرياتي معها، لكن بدا أن هناك الكثير من الأشياء التي تغيّرت أثناء تجوالي في القصر. كما قلت سابقًا، قد يكون ذلك بسبب إعادة البناء، لكن حدثت الكثير من التغييرات، مثل اختفاء الموظفين الذين كانوا موجودين.”
بدأ في الشرح خطوةً بخطوة وهو يعود أدراجه، وكأنه يريد مساعدتي على الفهم.
”هذا أيضًا بسبب إعادة البناء، لقد اختفى مكان واحد.”
مكانٌ اختفى؟
كنت أفكر طويلاً لأنني لم أعرف عن أي مكان يتحدث، لكن الرجل أخبرني بالإجابة متأخرًا.
”المخزن بقي، لكن لم يعد هناك أي أثر للملحق.”
لا بد أنه كان هناك مكان يُسمى الملحق.
”في الأصل، كان ينبغي أن يكون هناك جسر يربط البناء الرئيسي والملحق في الوسط، لكن يبدو أنه اختفى أيضًا.”
بالاستماع إلى قصته، يبدو أن القصر القديم كان يتكوّن من البناء الرئيسي والملحق المتقابلين مع جسر في المنتصف.
”ربما قرروا إعادة بناء البناء الرئيسي فقط لاعتبارات التكلفة، لكن لو أُعيد بناء الملحق أيضًا، لكان منظرًا جميلاً.”
بما أنه تحدث بهذه الطريقة، فقد كنت فضولية بشأن شكل الملحق الذي بقي حيًا في ذاكرته.
”يبدو أنه كان مكانًا أفخم من البناء الرئيسي.”
”ليس بالضرورة كذلك. فالجزء الخارجي يبدو متواضعًا مقارنة بالبناء الرئيسي، حتى لو لم يكن كذلك من الداخل.”
بدأت أتخيل المكان الذي يُسمى الملحق بناءً على القصة التي سمعتها منه.
”إذا شبّهنا الملحق بشيءٍ ما، فيمكن التفكير في داخل بيت دمية يلعب به الأطفال. فبيت الدمية مصنوع بشكل جيد بحيث يرغب الجميع في العيش فيه، أليس كذلك؟”
نصحني بأن أتخيل ذلك.
”معظم الضيوف الذين يأتون إلى هذا القصر يبقون في غرفة الضيوف بالطابق الرابع من البناء الرئيسي مثلي، لكن عندما يأتي الكثير من الضيوف بشكل غير عادي، يسمح لهم بالبقاء في الملحق أحيانًا.”
كان تصريحًا يعني أنه لا توجد مشكلة لوجود غرف وفيرة في الملحق على أي حال.
”غادر معظم الضيوف الذين أقاموا في الملحق وهم راضون. ومن الطبيعي أن يكون الأمر كذلك، فقد كان بإمكانهم رؤية أشياء نادرة هناك.”
إذا كان يقصد الأشياء النادرة، فهل يعني الجواهر أو اللوحات؟
”قيل إن إحدى الغرف مليئة برفوف الكتب المليئة بالكتب المكتوبة باللغة القديمة، أو الكتب النادرة التي لا يمكن الحصول عليها بعد نفاد طبعتها. لذا، ربما فضل الأشخاص المهتمون بالدراسات البقاء في الملحق على البناء الرئيسي.”
لا بد أن يكون هذا هو السبب في عدم العثور على رفوف كتب مليئة بالكتب في البناء الرئيسي.
”وقيل أيضًا إن صندوق الجواهر في إحدى الغرف كان يحتوي على جوهرة مشهورة جدًا في العالم. ويتطلب الأمر ثمنًا باهظًا للحصول على تلك الجوهرة، لذا كان الكثيرون يطمحون فيها.”
لا بد أنه كان من الصعب المحافظة على تلك الأشياء، باعتبار أن الملحق قريب من البناء الرئيسي ومتصل بجسرٍ عندما احترق القصر. ونحن لا نرى أيًا منها الآن.
”لقد قمت بزيارة ذلك الملحق من حين لآخر، ولدي الكثير من الذكريات هناك، ولكن من المحزن أنه أصبح مكانًا لا يمكن الرجوع إليه.”
لا بد أن هناك ذكريات شاركها مع شخص آخر غير نفسه من بين تلك الذكريات المتعددة.
فهل يشعر بالأسف لعدم تمكنه من رؤية الملحق الذي اختفى؟ أم هو حزين لعدم تمكنه من رؤية الشخص الذي شاركه الذكريات مرةً أخرى؟
التعليقات لهذا الفصل " 70"