7
قيل لي إنّ هناك فترةَ تجربة مدّتها شهر، لكن حتى قبل انتهائها، كانت الآنسة جولييت تستدعيني على مدار الساعة.
تمامًا كما يحدث الآن.
“السيّدة جولييت، إنها أنا إيفون.”
ما إن سمعتُ صوتها من الداخل يقول: “ادخلي”، حتى دخلتُ وأنا أحمل الشاي الذي طلبته، فرأيتُ كتابًا لم أرَه من قبل موضوعًا على الطاولة المستديرة.
“ضَعي شاي جولييت هنا، وحاولي قراءة هذا الكتاب.”
وكما توقّعت، التقطت السيّدة جولييت كتابًا سميكًا ذا غلاف أخضر.
كنتُ أتساءل عن سبب استدعائها لي بينما كنتُ أكنس الأرض اليوم، ويبدو أنّ هذا هو السبب.
“يمكنكِ البدء بالقراءة من أي صفحة، فقط جرّبي.”
تساءلت عن سبب طلبها المفاجئ، لكن بما أنّ السؤال ليس من شيم الموظّفات الجيدات، فضّلتُ الصمت.
وضعتُ كوب الشاي الأسود المعطر أمامها، ثم حملتُ الكتاب السميك ذي الغلاف الأخضر بيدي.
‘إنّه كتاب عادي فقط.’
فتحتُه عشوائيًا على صفحة ما، مدركة أنّ هذا ما تريده السيّدة جولييت.
“أتودين معرفة سبب عدم اعتراض جولييت على توظيفك؟”
وقبل أن أقرأ الجملة الأولى، قالت فجأة شيئًا غير متوقع.
“تشبهين شخصًا تعرفه جولييت منذ زمن طويل.”
“……”
“كانت جولييت تكره ذلك الشخص بشدّة.
أكثر ما كان يثير كراهيتها هو تلك النظرة في عينيه، كأنّه يعلم كل شيء عنها.”
حين رفعتُ نظري إليها، رأيتُ عينيها البنفسجيتين تتوهجان كالجمرة.
“لهذا السبب لم تعترض جولييت على توظيفك. أرادت إبقاؤك قريبة منها لتشعر بالرضا والاعتزاز بتفوّقك على ذلك الشخص.”
إذن، هذا سبب كراهيتها لي أكثر؟
“هل ما زال الشخص الذي تكرينه موجودًا في هذا العالم، يا سيّدتي؟ كلّما سمعت أكثر، شعرتُ أنّه لم يعد حيًا.”
“لابد أنّه مات.”
ردّت ببرود وهي تحتسي شايها:
“لقد حوصر في ذلك الحريق المروع، ولا يمكن أن يكون قد نجى.”
كان واضحًا أنّ الشخص الذي تكرهه السيّدة جولييت تعرّض للأذى في حادثة تتعلق بالنار.
“جولييت لا تريد التحدث عنه بعد الآن.
والآن، اقرئي أي صفحة تشائين.”
ربما ملّت الموضوع، إذ وضعت كوبها واستندت إلى كفّها.
كان هذا يشبه تمامًا لحظة مقابلتي لأجل وظيفة خادمتها الخاصة.
‘الخط صغير جدًا.’
حين عدتُ إلى الكتاب، لاحظتُ صغر الحروف.
لكن مهما كان الخط صغيرًا، إذا أرادت سيّدتي أن يُقرأ، فلا بدّ من قراءته. وكدتُ أعود لعادتي القديمة منذ الطفولة حين كنتُ أمسك الكتاب، أمرّر أطراف أصابعي على الورق وأطوي زاوية الصفحة مثل مثلث، لكنني تداركت نفسي وركّزت فقط على الكلمات.
‘السيّدة جولييت تريد فقط أن أقرأ.’
كانت عادتي منذ صغري.
“لقد فعلت ذلك فقط لأني أردت البقاء على قيد الحياة.
هل يجب أن يُعامل المرء كوحش؟ أخبرني، لو كنت مكانك، ألم تكن لتضحّي بشخص واحد لإنقاذ نفسك؟”
…هل هذا كافٍ يا سيّدتي؟
كنتُ قد قرأتُ النص فقط، لكن ملامح السيّدة جولييت توتّرت قليلًا.
“يكفي، توقفي عن القراءة.”
نهضت وانتزعت الكتاب من يدي.
“وجدت جولييت هذا الكتاب صعبًا ولم تقرأ منه سطرًا واحدًا.
كل جملة مكتوبة باللّغة القديمة. لكنك، على عكسها، تبدين جيدة فيها.”
كنتُ قد قرأت فقط ما أمامي، فكيف هي لغة قديمة؟
“منذ متى تمتلكين هذه القدرة؟ على حد علم جولييت، لم تنشئي في ظروف جيدة.
أليس كذلك؟”
كان نظرها السامّ يضغط عليّ، فأجبت متلعثمة:
“لابد أنّه صدفة. أظنّ أنّني حين كنت طفلة، صادف أن قرأت كتابًا عن اللغة القديمة في المكتبة الإمبراطورية دون أن أعلم ماهيته.”
بالطبع لم يحدث هذا قط، لكن حتى وإن كان كذبًا، خرج كلامي بسلاسة كأنه حقيقة.
‘هل كانت هذه حقًا اللغة القديمة؟’
وبعد تبريري بصعوبة، تبيّن لي سؤال آخر: إن كان كلامها صحيحًا، فكيف لي أن أقرأ اللغة القديمة؟
“يكفي، جولييت لا تهتم بتلك الذكريات.”
يبدو أنّ عذري أقنعها، فلم تضغط عليّ أكثر.
“أعتقد أنّ جولييت كانت مخطئة طوال الوقت.
أنت لست الشخص الذي ظنّته.”
ثم قالت شيئًا لم أتوقعه:
“ليس فيك أي أثر من ذلك الشخص الذي تعرفه جولييت.”
—
أحيانًا، حين أسير في الشارع، أسمع لقبًا مألوفًا.
“إيفون.”
آه، يبدو أنّ أحدهم أرسلها في مهمة.
“إيفون؟”
الآن يبدو أنّ أحدهم يبحث عنها بقلق.
“إيفون!”
يبدو أنّها ارتكبت خطأً صغيرًا، أراها تعبس بانزعاج.
إيفون، إيفون، إيفون.
إيفون خاصّتي، الاسم الذي كنت أحتكره لنفسي، يُنادى به الآن على ألسنة الآخرين عشرات المرات، ولم يكن شعورًا مريحًا.
لكن في هذه اللحظة، كل ما أستطيع فعله هو التحمل.
“مساء الخير، ليون.”
بينما كنت أمشي في الممر، ناداه أحدهم باسمه الجديد.
ابتسمت وهي تضع خصلة من شعرها خلف أذنها، لكن بصراحة لم أعرف من تكون.
“نعم، مساء الخير.”
لكن، على عكس أفكاري الداخلية، كنت دائمًا أجيب كما يريدون سماع الإجابة. كان ذلك هو الأسلوب الأمثل لتحمّل هذا الوقت الطويل والممل.
‘إيفون؟’
في أحد الأيام، حين فُكّت القيود عن “تلك الأشياء”، رأيت إيفون تتحرك داخل القصر، صاعدة السلالم بلا توقف، كأنها تريد الوصول إلى الطابق الأعلى.
♪♫♫♪♫♪♪♫♫
كما توقعت، كان مقصدها الطابق الرابع، حيث كان “ذلك الشيء” يعزف البيانو.
عادة كان يلهو مع الخدم البشر، لكنّه اكتشف أنّ أحدًا لاحظ وجوده فاختبأ.
خيار حكيم.
لو أراد اللعب مع إيفون كما في السابق، ربما كنت سأضطر لتغيير “عازف البيانو” بشيء آخر.
لم يتبق الآن سوى دعم إيفون التي كانت تترنّح من هول رؤية الدم.
“آنسة إيفون؟”
كانت حركاتي دائمًا سريعة.
كما احتضنتها سابقًا حين حوصرت في الحريق، احتضنتها مجددًا وألقيت تعويذةً تمحو كل أثر.
حتى يبدو كل شيء وكأنه حلم ليلة صيف.
ويعود البيانو العتيق كما لو لم يُعزف عليه قط.
“هل يمكنك مرافقتي إلى غرفتي؟ كما في ذلك اليوم حين ذهبنا إلى المطبخ معًا.”
بعد أن هدّأتها، طلبت مني طلبًا غير متوقع.
وفي عينيها الزرقاوتين العميقتين، ظهر انعكاسي بوضوح.
لقد أحببت ذلك.
“إن استطعت المساعدة، فسأفعل أي شيء.”
لم يهم كم مرة خالفت القواعد وخاطرت بنفسها.
فالقصر كان دومًا في راحتي، ويمكنني حمايتها من “ذلك الشيء” إلى الأبد.
إذن، يا إيفون…
مرحبًا بعودتك إلى مكانك.
—
اليوم، لأول مرة منذ بدأت العمل، أُسنِد إلي عمل صعب — تنظيف قاعة التماثيل الرخامية.
كنّا نعمل في أزواج، والمهمة كانت تنظيف التماثيل بعناية حتى لا تُخدش.
[أي شخصين معًا]
لحسن الحظ، كانت زميلتي مجتهدة، لكنها كادت تتسبب في كارثة — كادت تُلحق الضرر بأحد التماثيل.
راقبتها عن بعد، وحتى الآن خلال استراحتنا، ما زال قلبي يخفق بسرعة.
‘لم يتبق سوى القليل.’
أنهيت نصف العمل المخصص لي، وكنت أهدئ قلبي خلال استراحة قصيرة مشروعة.
ما إن بدأت الاستراحة، حتى ذهبت زميلتي إلى مجموعتها، وخرجت أنا إلى الممر.
هناك، وأنا أحدق في السماء الغائمة عبر النافذة شاردة الفكر، التقيت ليون وبدأنا حديثًا.
“آنسة إيفون، هل تعلمين أنّ هذا القصر أُعيد بناؤه؟”
“هذا المكان؟”
فكرة أنّ قصرًا بهذه الروعة أُعيد بناؤه جذبت اهتمامي الكامل لما سيقوله لاحقًا.
“مع أنّه نسخة طبق الأصل من الأصلي، إلا أنّهم يقولون إنّ القصر قبل إعادة البناء كان أكثر فخامة وروعة. لم أرَه بنفسي، لكن من رآه قال ذلك.”
تُرى من أين سمع القصة؟ من خادم قديم يعرفه؟ أم من حديثه مع كبير الخدم عن إنارة الطابق الرابع؟
“ولمَ أُعيد بناؤه فجأة؟”
بدلًا من السؤال عن المصدر، سألت شيئًا آخر:
“سمعت أنّه قبل إعادة البناء، داهم القصر حريق عظيم. امتدت ألسنة اللهب حتى تضرّر المبنى بشدّة.”
وعند ذكر الحريق، تذكرت ما قالت السيّدة جولييت — عن “ذلك الحريق الرهيب” وعن الشخص الذي كرهته ومات فيه.
لابد أنّ كلمة “النار” أعادت الذكرى إلى ذهني.
“لهذا السبب، يحنّ الجميع إلى قصر تلك الأيام، حين كان أجمل بكثير.”
يقولون إنّ الناس يتجرؤون حتى على تخيّله في أحلامهم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 7"