عندما شَهِدْتُ الثُّرَيَّا تُوشِكُ على الانهيار، دفعتُهُ بكل ما أوتيتُ من قوّة.
أَكانَ دَفعي بسبب شدّة إرادتي أم بسبب دهشةٍ على فعلٍ لم أظنّ أنَّني قادرٌ عليه في حالتي الطبيعيّة؟ لقد خضع لحركتي كما أشاء تمامًا، وسقط على الأرض كأنّه مرتدٌّ عن عالمٍ آخر.
‘أَتُرَانِي قد أفلحت؟’
حين أنقذتُ ليون من براثن الخطر، اندفعتُ بجسدي نحو الأمام أيضًا، فابتعدتُ عن موضع الانهيار مسافةً كافية.
لم يَكُنْ له شأنٌ فيما إذا كنتُ مُنكبّةً عليه بلا قصد، ولا حتى تجعّد شعري كان مهمًا. فقد كفلتُ حماية من أعشق صونَهُ بكُلتا يديّ.
“أَهَذِهِ إغاثةٌ مِنكِ؟”
سألَ بصوتٍ يغلفه الحيرة، دون عتابٍ على مساعدتي، بل بدت كفضولٍ نقيّ.
“لقد سبقْتَ وأعنْتَنِي منذ برهة. الأمر سيان.”
استجمعتُ أنفاسي وسكنتُ روع قلبي المُضطرب، ثم تكلمت:
“ولو أنّ ليون لم يكن سبّاقًا للمساعدة، لكنت بلا ريب قد أنقَذْتُكَ دون أيِّ تَرَدُّد.”
ظَللتُ أصونُ حياتكَ بكلّ اهتمام، وكتمتُ بقيةَ حديثي في جوفِي، ورنوتُ إلى عينَيْهِ الذهبيتين اللتين تفوقان الشمس بهاءً وإشراقًا.
“إذًا، قُمْ سريعًا. فلا ندري متى يترصّدُ بنا خطرٌ آخر.”
تراجعتُ قليلًا ثم نهضتُ أولًا، ومددتُ يدي إلى ليون كأنّي أدعوه للنهض.
“حقًا، ليست هذه حالةً تنذرُ بهدوء قريب.”
أطلّ النظر بشُرود إلى يدي، ثم اعتقلها بلطفٍ وقام، وما لبث أن أخذ يحلّق ببصره نحو الثريا المعلقة في السقف وكأنّه يستلهم منها عونًا.
“يبدو لي أنّ الأَسلم هو مغادرة قاعة الحفلات ووقف أعمال التنظيف لوقتٍ لاحق.”
أحسستُ أنّ الامتثالَ لأمره هو الأجدر، فلم يكن البقاء هنا سوى مضرةٍ محتملةٍ من تلك الثريا السقيمة.
‘طالما انطفأت الأنوار جميعها، فاحتمال سقوطها كلّها ليس بعيدًا.’
ركضتُ نحو الباب البعيد بأقصى سرعة، متجاهلة صوتَ الثريا المتداعية، حتى تمكنتُ من الإمساك بمقبض الباب.
طرَقٌ!
انطلق صوت اصطدام الثريا بالأرض، تلاه دويّ متواصل.
لكني خرجتُ من المكان متجاوزةً الضجيج، أتنفّس بعنف، فرحًا بأنّ أحدًا لم يصب بأذى.
حين أغلق ليون الباب، تأكد من سلامتي، وقال:
“نعم، إنها لحقيقة تُدعَى للارتياح.”
ثم أخبرني أنّه سيبلغ عن الأمور العاجلة بنفسه، وأنّ عليّ البقاء هنا.
رفضت فكرة البقاء وحيدة، فتمسّكتُ بطرف ملابسه، وأسرعتُ معه، مدفوعة برغبةٍ في عدم الانعزال.
لم يطل الوقت حتّى تعطّلت مهامّ تنظيفنا، ولدى إبلاغ رئيسة الخادمات، أبدت ارتباكها عند سماع الواقعة، وأمرت بوقف التنظيف مؤقتًا كإجراء احترازي.
لكن الدهشة الكبرى كانت عندما وجدتُ نفسي في غرفة الآنسة جولييت.
قالت رئيسة الخادمات إنّها احتاجت لخدمتي شخصيًا بسبب إصرارها على تحديدي دون بقية الموظفين.
وقفتُ هناك، أراقب الغرفة بعناية، وأستشعر ازدياد التناقض في شخصية الآنسة جولييت، فيما تعود الغرفة لنضارتها الكاملة دون أثر لوَلَه أو خوف.
بدأت الآنسة جولييت تطرح عليّ أسئلةً متتابعة، بعضها لا علاقة له بالكتالوج الذي بين أيدينا، بل متعلّقٌ بحياتها الخاصة، فكان عليّ أن أجيب بصدق على كل سؤال، مستعصيةً عليّ بعض الإجابات بسبب عدم علمي بها، فيما كانت أخرى أتقنتها عن غير قصد.
وبينما كنتُ أستشعر غرابة الموقف، طرأ سؤالها الأخير، حيث تغيّرت تعابير وجهها للحظة، وبدأت تتفحّصني بنظرة يغلب عليها الدهشة:
التعليقات لهذا الفصل " 58"