إذًا، لم يكن المنادي في الحقيقة الآنسةَ جولييت، بل “جولييت الأُخرى”.
انبثق هذا الخاطر في أعماقي فجأة، فبادرتُ إلى إحكام المسافة بيني وبينها على الفور.
فرغم تشكّلها في صورة الآنسة جولييت، فقد استشعرتُ أن الكيان كلَّه غريبٌ عن صاحبة الملامح الأصلية.
‘أهذا الكائن المقيم في أرجاء المكان متقمِّصٌ هيئةَ الآنسة جولييت؟’
أتُراها الآنسةُ جولييت قد أصابها سوءٌ ما، فاتّخذ كيانٌ آخرُ صورتها ليحاكي حضورها؟
أم أن هذا الوجود كان غريبًا منذ اللحظة التي تكشفت لي فيها غرابة هذا القصر؟
لا أعلم أيّ الاحتمالين أصوب، غير أن الظن الأقوى أن هذا الكائن قد ألحق أذى بالآنسة جولييت.
فالتي أذنت لي بدخول الحجرة لم تكن جولييت قط، بل هو هذا الوجود الغامض بلا شكّ.
“ألا يشغلكِ أن تعرفي سرَّ استعادتِي لهذه الهيئة؟”
سألتني ” جولييت الأُخرى”.
وحين ابتعدتُ عنها مرة أخرى، قطّبت جبينها بتجهّمٍ ينبئ بالضيق.
“لعلّكِ ظننتِ أنّني استدعيتُكِ لأنني وجولييت شخصٌ واحد. ومن المؤسف أن أخبركِ بأنني لستُ جولييت.”
لقد أوضحت لي “جولييت الأُخرى” منذ البدء أنها لا تمتّ بصلة إلى جولييت الحقيقية.
“جولييت لم تدعُكِ يومًا. أنا وحدي من استقدمكِ.”
عندئذ أدركتُ أن الوجود الملقى تحت الغطاء ساعةَ ولوجي الحجرة لم يكن سوى الآنسة جولييت نفسها.
أفهذا الكيان هو ذاته الذي ظلّ يساورها همسًا لملازمتها، والذي سمعتُ منه قولها إنها لم تدعُني؟
إن دخوله حجرة جولييت يعني أن أمره على الأرجح وثيق الصلة بقواعد هذا القصر العجيب.
‘فهل كانت جولييتُ على علمٍ بشأن هذا الكائن؟’
إن كانت تعلم، فالأغلب أن سبب تحذيرها لي من التصرّف بلا حذر لم يكن إلا خوفها منه تحديدًا.
“لقد سألتكِ: ألا يثيركِ الفضول لتعرفي سرَّ استعادتي لهذه الهيئة؟”
أعادت “جولييت الأُخرى” سؤالها.
ولما بقيتُ غارقة في الصمت، أردفت تقول:
“لقد استعدتُ هيئة جولييت بفضلكِ أنتِ.”
‘…بسببي أنا؟’
لقد قضيتُ أيامي هنا أتحرّى السكون حدّه الأقصى خشية أن يُصيبني مكروه،
ومع ذلك، تزعم أن استعادتها لملامح جولييت كانت بسببي!
“جولييت كانت تجتهد بكل وسيلة لتفلت من هذه الهيئة، لكن دخولكِ الغرفة جعلني أستعيدها.”
هنالك فهمتُ سرَّ إحكامها للنوافذ والستائر، وسبب صمتها المطبق تُجاهي.
‘لعلني لو كنتُ أنا الكيان الذي يحاكي جولييت، لأبعدتني على الفور.’
ولكنها لما كانت تستبعد أن تأتي جولييت الحقيقية بمثل هذا الفعل، أدركتُ حينها معنى نصيحتي السابقة لها.
“لقد كانت جولييت تُكِنّ لكِ مودةً جمّة… ربما أكثر ممّا أُكِنّ.”
قول “جولييت الأُخرى” هذا لم يزد الموقف إلا غموضًا، ولم يعنِني على الفهم قط.
‘أتُراها حاولت استغلالي لأنها أحبّتني؟’
كان وضعًا يستعصي على التأويل، غير أنّ الظن ما يزال راجحًا بأن هذا الكيان قد يوقع بي ضررًا،
فاعترضتُ بحدّةٍ هادئة:
“أنتِ لا تمتّين إليّ بصلة.”
“أجل. ليست لي بك أيّة صلة.”
لم تُنكِر ذلك.
“لكنني أستطيع أن أُخرجكِ من هذا القصر.”
وعند سماعي كلماتها هذه، لم ينكسر حذري بعد.
ثم مدت يدها نحوي قائلة:
“ألا ترغبين في الخروج من هذا البيت؟”
التعليقات لهذا الفصل " 52"