في اللحظة التي استقرّ فيها في ذهني أنّ القصر يحمل شيئًا غامضًا، غصّت أفكاري في فوضى عارمة، إذ لم أتمكّن من استخلاص أي جواب قاطع.
وسط هذا الاضطراب، اقترب مني ليون بحذر، غير مدركٍ لتقلبات مشاعري، وسألني بصوت خافت:
“إيفون، بما أنّ الوقت محدود، هل قرأتِ القاعدة الأخيرة؟”
القاعدة الأخيرة؟
لقد تبقّى لي خمس قواعد لم أقرأها بعد.
كنت على وشك هزّ رأسي رفضًا لافتراضه بأنّه قرأ الأخيرة، لكنّي تردّدت ولم أفعل.
‘هل ثمة ما يختصّ به هذا البند الأخير؟’
ربما أرادوا التنويه إلى أنّ فيه ما يفوق باقي القواعد أهمية، فتجاوزت متابعة القواعد السابقة مباشرة نحو الأخيرة.
وعندما وقع بصري على آخر بند، شعرت بالدهشة.
‘…؟’
كان مختلفًا كل الاختلاف عن أي قاعدة سابقة، محمّلًا بما يستدعي الذكر دون منازع.
[ 📜 القاعدة الأخيرة:
إن أردتم العيش بسلام في أسرة روزيفينا، يُستحسن تقديم أحد الخدم قربانًا بشكل دوري.]
كانت هذه القاعدة مشحونة بالمعانٍ الكثيرة.
أولًا، ذكر “العيش بسلام” بشكل صريح يشير إلى اعتراف واضع القواعد بأنّ هذا القصر يحمل غرابةً غير طبيعية.
ثانيًا، حدد الوسيلة لتحقيق هذا “السلام” بوضوح: قربانٌ بشري، وليس أي شخص، بل أحد الخدم.
‘ليست مجرد إرشادات لحل الظواهر الغريبة، بل فرضٌ على التعايش بصمت.’
ويبدو أنّها تعلم أنّ راحة الغالبية ممكنة على حساب شخص واحد.
‘مهما كان تاريخ ذلك، من تسلّم القواعد سيلتزم بها بلا شك.’
حتى الآن، أنا وليون فقط كنا نجهل هذه القواعد، ومع ذلك كان جميع الآخرين يسعون جاهدين للالتزام بها.
‘ماذا ينوون فعله؟’
القواعد تقول بشكل غامض: “قدّم قربانًا دوريًا لتعيشوا بسلام.”
لكنها لم تحدّد معايير اختيار القربان، سوى أنّه أحد الخدم، ولم تحدّد من يُقدَّم له.
كلما تدبرتُ ذلك، بدا لي البند مثيرًا للريبة.
“إيفون.”
حين شعرت بالضغط والضيق، سمعت ليون يناديني بصوت منخفض.
“بما أنّكِ قرأتِ القاعدة الأخيرة، أودّ سماع رأيك، بغضّ النظر عن قاعدة عدم إفشاء القواعد.”
التفتّ، فبدت عليه الجدية التامة.
“أرى أنّه قد تكون هناك حالتان.”
حالتان؟ هذا أثار اهتمامي مباشرة.
“لا أعلم تحديدًا معنى ‘بشكل دوري’، لكن مع حرص معظم الخدم على الالتزام، قد يكونوا اتفقوا جميعًا على اختيار شخص قربان عند حلول الوقت.”
بدأ يوضّح تفكيره خطوة بخطوة.
“عادةً، لاختيار القربان، يُختار من فشل في التقييم أو جديد عهد بالعمل.”
وكان منطقيًا، فمن يُجبر على تقديم قربان، سيتجنب اختيار الطيبين.
“ربما حان الوقت لتقديم قربان جديد.”
وأضاف أنّ لحظة تعيين الخدم الجدد قد تتزامن مع حاجة تقديم القربان.
“لكن معظم الخدم طيبون، لذا سيكون من الصعب إيجاد من يُختار بناءً على سوء سمعته.”
أي أنّ الخيارات محدودة.
“هل يعني هذا أنّ جميع الخدم الجدد قد أصبحوا مرشحين لتقديم القربان؟”
“قد يكون نعم، وقد يكون لا.”
هزّ كتفه بلا اكتراث.
“كل ما نعرفه أنّ غالبية الخدم طيبون، لذا قد يُختار الجديد إذا لزم الأمر.”
أوضحت له أنّ القربان محصور بشخص واحد فقط.
“إذًا، سيوازن بيني وبينكِ، وربما مع الأربعة الآخرين.”
بالنسبة لنا، كان الأمر وكأننا على حافة التسمية في أي لحظة.
—
لم أتمكّن من قراءة كل القواعد، واضطررت لإعادتها لليون.
السبب بسيط: حان وقت العمل.
‘ماذا كانت بقية القواعد؟’
أثناء انتقالي لمكان عملي اليوم، غصت في التفكير.
‘ليكن، فقط إن لم أخالف أي قاعدة.’
حتى الآن، الحظّ وقف بجانبي عند انتهاك القواعد، فليحالفني مجددًا عند القاعدة غير المقروءة.
‘قربان…!’
صرخت داخليًا.
كنت أعلم أنّ عدد الخدم محدود، وأن العمل يتراكم على شخص واحد، وأن الأجور سخية طبيعيًا.
لكنّ هذا الموقف المخيف لم أتوقعه أبدًا.
‘هذا القصر مختلف، ليس مجرد شعور.’
أثناء تحركي، توصلت إلى أنّ القصر غريب بوضوح، وقررت أنّه يجب التخطيط للبقاء على قيد الحياة حتى الحصول على توصية والمغادرة.
‘يجب أن أهرب مباشرة بعد الاستقالة.’
الاعتراف بغرابة القصر جعل الهروب المبكر الخيار الأمثل.
‘لو لم أقرأ القواعد، لما انتبهت.’
ربما كانت قراءة القواعد سبب رؤيتي للغرابة، أو إدراكي للواقع، على أي حال، أصبح كل شيء واضحًا الآن.
مثلما تظهر الشمس من بين الغيوم، ويمرّ الخدم بلا ظلّ.
وبعد قليل، وصلت إلى المكان المحدد.
الطابق الثالث في القصر. عملي اليوم تنظيف نصف الممر.
لكن ما يقلقني هو…
‘هناك لوحة.’
المكان الذي كُلفت بتنظيفه يحتوي على لوحة ذُكرت ضمن القواعد، وكان من واجبي تنظيف الغبار عن الإطار.
‘كان يجب تجنب النظر إلى أعينهم.’
ليست أي عيون، بل “عيونهم”.
لا أعلم من هم “هم”، لكن يبدو أنّه عند النظر للوحة يجب تجاهل تلك النظرات.
وقفت أمام اللوحة، شعرت بقشعريرة.
ظننت أنّ العيون بنية، لكن لأول مرة بدا أنّها حمراء.
لكن الأهم…
‘لا أستطيع تفادي النظر.’
عند وقوفي أمام اللوحة، لم أستطع تجاهل العيون، وعندما التقيت النظرات، همست سريعًا:
“دائمًا ما تبدو هذه اللوحة رائعة.”
مثلما صاح جميع الخدم الجدد يوما، بدافع إرادة البقاء.
شعرت أنّ العيون الحمراء تحولت مرة أخرى للبنية المألوفة.
‘لقد التزمت بالقواعد.’
بينما كنت أستعد للمتابعة وتنظيف الحائط، سمعت صوتًا:
“أنت، أنت أيضًا تظنين ذلك؟”
أنت؟
لم يكن الصوت من اللوحة، بل من محيط المكان.
توجهت برأسي، وإذا بـ إينيس، ذات الشعر الطويل الأسود، تقف أمامي.
إينيس، التي لا ينبغي أن تكون موجودة في هذا القصر.
التعليقات لهذا الفصل " 36"