“الآن وقد اطلعتِ، إيفون، على هذه الحقيقة، فستحتفظين بها سرًّا عن الآخرين، أليس كذلك؟”
لم يكن السرّ أمرًا هائلًا، لكن يبدو أن الطرف الآخر حريص على إخفائه تمامًا، لذا كان الالتزام بالسكوت الخيار الأنسب.
ما إن أومأت برأسي سريعًا، حتى أطلّت سيسيل بابتسامة مشرقة كزهرة تتفتح في البستان، فتلألأ الفرح في عينيها.
“لن نواصل طويلاً… ليس لفترة طويلة، لكن دعونا نعمل بجد واجتهاد!”
وكان واضحًا أن الأربعة، بمن فيهم سيسيل، لن يلتزموا إلا بالفترة المحددة قبل تقديم استقالتهم.
“أنتِ، إيفون، أليس كذلك؟ كنت أرغب في التحدث قليلًا عن كيفية الصمود حتى لو خُرِقَت قواعد العمل، كما حدث في المطعم، لكن كما ترين، لم يتبقَ لدينا الوقت الكافي، لذا سنؤجل الحديث إلى لقاء آخر.”
حثّ دينيس الجميع على الإسراع، مذكّرًا إيّاهم بأهمية الوقت.
“إذن، لنلتقِ، إيفون، في المرة القادمة.”
عاد دينيس مع الشخصين الآخرين إلى مواقع عملهم، وبقينا أنا وسيسيل وحيدين في منتصف الممر الفسيح.
“هل نعاود تنظيف الأرض؟ لننجز العمل بسرعة، حتى نتمكن من الانتقال إلى المهمات التالية دون تأخير.”
انطلقت سيسيل بحماس فور انتهاء الاستراحة، وكان واضحًا أنها ستؤدي واجباتها بإخلاص، مهما اقترب موعد تقديم استقالتها.
—
وبعد أيام قليلة، في يوم عادي كأيّ يوم من أيام العمل.
“إيفون.”
بينما كنت أتهيأ للعودة إلى المقر بعد الإفطار، سمعت أحدهم يناديني.
عندما التفت، رأيت ليون يركض نحوّي وهو ممسك بشيء ما في يده.
“لقد بحثتُ طويلًا عنك، إيفون.”
“ما الأمر، ليون؟”
عندما سألت بقلق، لم يجب، بل مدّ إليّ شيئًا.
كانت الورقة ملفوفة بحبل أحمر، تبدو غاية في الأهمية والرسمية.
“ما هذا؟”
“هذه قواعد العمل التي لم يطلع عليها أيّ منا.”
بدت مختلفة عن تلك التي استلمتها سابقًا، بل أكثر رقيًا وفخامة.
لكن ما شد انتباهي أكثر كان مصدر الورقة، فقررت أن أسأل أولًا:
“من أين ظهرت فجأة هذه الورقة؟”
حسب قوله، لم يكن أيّ منا قد رآها من قبل، لكن منطقًا لا بد أن يكون لها مصدر واضح.
“ذهبتُ شخصيًا إلى الخادم وطلبت نسخة من قواعد العمل.”
تأثرت قليلًا من حسمه وإصراره، يبدو أنه لا يهاب أي عائق لتحقيق ما يريد.
“ألم يُذكر في إشعار القبول أنه لا حاجة لإظهارها للموظف الجديد، وأنه إذا تُركت في الغرفة سيتم استعادتها خلال النهار؟ لذلك لم يكلفوا أحدًا بالاستلام، بل تمّت العملية بواسطة المسؤولين.”
تساءلت عن أي كلمات أضافها الخادم عند تسليم الورقة:
“قال إن هذه الورقة كان من المفترض إرسالها مع إشعار القبول، لكنها أُهملت، وبما أن الحالة خاصة، سأعيدها حتى ظهر الغد.”
سلمني الورقة بعد ذلك.
“سأقرأها الآن، لا يزال الوقت كافيًا، فلماذا لا تطلعين عليها أنت أيضًا، إيفون؟”
رغبته في أن أشاركته الاطلاع على أمر يمكنه التعامل معه بمفرده أظهر لطفه واهتمامه.
“ولأننا قد نعرقل المارة، من الأفضل الانتقال إلى مكان مهجور.”
تذكّرنا قربنا من المطعم، فتفقنا على اختيار ممرّ أقل ازدحامًا.
جلستُ بقلب مرتجف، وفككت الحبل الأحمر بسلاسة.
ظهرت الورقة المفتوحة بخطّ أنيق، مكتوب عليها قواعد العمل بدقة متناهية.
[ 📜 <قواعد عمل عائلة روزيفينا>
المادة الأولى: هذا القصر لا يقوم بمراجعة وجود كل الموظفين مساءً، فقد أُلغي نظام التفتيش منذ زمن بعيد.
إذا حاول أحدهم استغلال هذا للضغط وطلب فتح الباب، تجاهل الأمر، وخصص عشر دقائق لهَمس كلمات أغنية تحبها في نفسك.
إذا تجاهلت ‘وجودهم’ لعشر دقائق، سيخسرون اهتمامهم ويمرّون بغرفتك دون أي إزعاج.]
أتذكر عهدًا قديمًا بيني وبين إينيس:
“بعد ثلاثين دقيقة سأطرق الباب لأتأكد من وجودك، لا تخرجي مهما حدث.”
الآن فهمت سبب استعجال جميع الموظفين الجدد للعودة بسرعة إلى الغرفة.
“لنلتقِ على قيد الحياة.”
كلماتها التي بدت غامضة أصبحت مفهومة الآن.
أدركت أن الجميع كانوا يحاولون مساعدتي على الالتزام بالقواعد بطريقة خاصة بهم.
شعرت بالامتنان تلقائيًا.
لكن ما أثار دهشتي أن هذه القواعد لم تكن عادية، فواصلت القراءة بفضول.
[ 📜 المادة الثانية: القصر يحتوي على العديد من اللوحات الفنية.
إذا مررت بلوحة، لا تلتفت إلى أعين الشخصيات فيها، بل تجاوزها.
إذا التقت أعينك بأحدهم، قل ببساطة ‘لوحة جميلة’ وابتعد.
بهذه الطريقة، سيتراجع ‘الشخص’ عن الاقتراب منك.”]
كانت تلك الإشارات للوح، وللنظرات التي شعرت بها مع ليون أثناء توصيل طلبات السيدة جولييت.
“آه، لوحة رائعة!”
“لم أرَ لوحة بهذا الجمال من قبل.”
“القصر مليء بلوحات تنسجم مع المكان.”
“مشاهد اللوحات وحدها تمنح راحة للنفس.”
فهمت الآن سبب إعجاب الجميع باللوحات.
[ 📜 المادة الثالثة: إذا سمعت عزف البيانو منتصف الليل، لا تقترب.
إذا اقتربت بلا وعي، افعل التالي:
أولًا: أغلق عينيك وقل ‘مياو’ ثلاث مرات.
ثانيًا: استدر سريعًا واهرب إلى الغرفة قبل أن يراك ‘أحدهم’.
ثالثًا: أقفل الباب وأعد قول ‘مياو’ ثلاث مرات وأنت عينيك مغلقتان.
بهذه الطريقة، سيقرّ ‘أحدهم’ بهزيمته في لعبة الاختباء ويعود.]
تذكرت عزف البيانو الذي دفعني للركض نحوه يومًا، رغم عدم وجود أحد.
“إيفون، لم تعلمي بعد، البيانو هنا لا يصدر صوتًا.”
“ماذا يعني هذا؟”
“البيانو قديم جدًا ولم يعد قادرًا على إصدار الصوت، وهو موجود للعرض فقط.”
منذ ذلك اليوم، لم أهتم بالبيانو مطلقًا.
لكن شعرت بالارتباك، فقد لم ألتزم بالقواعد، ومع ذلك لم يحدث لي أي ضرر.
“هل هناك مشكلة، إيفون؟”
بدأ القلق يسيطر عليّ، وتسارعت دقات قلبي بينما تابعت القراءة.
[ 📜 المادة الرابعة: احذر من العاملين بلا ظل.
هؤلاء ينتمون إلى ‘الشخصيات’، لكنهم يميلون للمرح.
عاملهم بودّ كأي موظف آخر، فهم متحمسون لأداء مهامهم ولن يؤذوك إن لم تعطل عملهم.
إذا أزعجتهم بالخطأ، قم بما يلي:
أولًا: ادّعي أنه خطأ غير مقصود.
ثانيًا: اعتذر عن الخطأ.
ثالثًا: اقترح مساعدتهم.
رابعًا: اثنِ على أعمالهم أثناء المساعدة، فهم حساسون للمديح، وسيحسن مزاجهم.]
كانت قراءة هذه القواعد مدهشة، لكنها أوضحت الكثير.
كنت قد التقيت بالفعل بعاملين بلا ظل، وتذكرت جميع الحاضرين في الحادثة في الحديقة.
جميعهم، بمن فيهم الحراس والبستاني، كانوا ملتزمين بمهامهم بلا أي ظل مظلم.
‘هل هؤلاء الأشخاص فعلاً بشر؟’
واصلت القراءة، والفضول يزداد مع كل قاعدة، وأصبح واضحًا أن هذه القواعد غير عادية، وكلها مرتبطة بـ’أشخاص’ غامضين.
حدس داخلي قال لي: لا، ليسوا بشرًا عاديين.
‘دم؟’
وكانت المادة التالية تكشف سبب ردة فعل السيدة جولييت عند رؤية الدم في الحديقة.
التعليقات لهذا الفصل " 34"