لَمْ يرَني أحد، ولمْ يصل صوتي إلى أيِّ شخص، وكم خاب أملي مراتٍ عديدة لا أعلم.
لكن، قبل أنْ أفقد كل بارقة أمل، كان هو الوحيد الذي تعرّف عليَّ وأنا محبوسة داخل المرآة.
‘ظننتُ أنني لن أسمع ذلك الاسم مرة أخرى.’
إيفون، اسمي.
لم أسمعه سوى لساعات معدودات، ومع ذلك كانت فرحتي لا توصف.
“هل أنتِ إيفون؟”
دخل ليون الغرفة وتوقف ساكنًا، مع تقبض حاجبيه قليلًا، كأنه يريد التأكّد من أنّه يرى ما يراه بالفعل.
‘إذا كنتُ أستطيع رؤيته، فهل يعني هذا أنّ صوتي قد يصل إليه أيضًا؟’
سمعتُ سؤاله، وأردتُ الإجابة. لكنّني حاولت سابقًا التحدث إلى الآخرين، ولم يخرج صوتي أبدًا.
خفت أن تتكرّر النتيجة نفسها هذه المرّة.
ومع ذلك، لأنّ ليون هو الوحيد الذي تعرّف عليّ، استجمعت شجاعتي مرّة أخرى آمِلةً أن يصل صوتي إليه.
“نعم، أنا إيفون.”
أجبتُ بهدوء. كان هذا أوّل صوت طبيعي لي منذ أنْ حبست داخل المرآة.
لم أشعر بعدم القدرة على إصدار الصوت، ولم يعد هناك ما يمنعه.
بدهشة من ذلك، مررتُ يدي على رقبتي، ثم رفعتُ رأسي لألتقي بعينيه. كانت عيونه الذهبية تتحرك بسرعة، مليئة بالدهشة.
“هل تراني، ليون؟”
سألتُه لأتأكّد. إن أجاب بـ”نعم”، فلن أتمكّن من كتمان فرحتي.
لم يكن ليون يعرف ما أشعر، لكنه اقترب بثبات نحو المرآة التي أحبسُ فيها.
“أراك.”
لم يكن ينظر إلى أي مكان في المرآة، بل كان مركزًا عليّ تحديدًا.
“أراك، إيفون.”
وضع يده على المرآة، وعاب وجهه الحيرة وهو يسأل:
“كيف حدث هذا… أنّكِ في هذا المكان، إيفون؟”
كان ليون واثقًا تمامًا أنّي أنا إيفون الحقيقية داخل المرآة.
“سمعتُ أنّ جميع الخدم بدأوا أعمالهم، فلماذا أنتِ بهذه الملابس؟”
سأل كأنّ فضوله لا يُحصى.
حينها نظرتُ إلى أسفل لأتأكّد أنّ ما أرتديه ليس زي خادمة، بل بيجامة.
يبدو أنّه حين حبستُ داخل المرآة، لم أبدّل ملابسي بعد الاستعداد للعمل، فبقيت على ما كنت عليه.
“أعلم أنّ لديك الكثير لتسأله، وأفهم شعورك بالارتباك.”
تابعتُ بهدوء لأطمئنّه:
“لكن لا يوجد الكثير مما أستطيع قوله، ليون.”
كل شيء حدث فجأة، وما زلت أحاول التأقلم. لا أعرف كيف أشرح هذه الفوضى.
“لكن هذا أستطيع قوله: لا تُفاجأ، ليون. ما رأيته أمامك لن يكون أغرب مما سأخبرك به.”
أسرع ليحثّني على الكلام.
“قبل الإفطار، أثناء غسل وجهي سريعًا، شعرت بنظرة من المرآة. في البداية ظننت أنّي مخطئة، لكن حين فرشيتُ أسناني، التقت أعيننا.”
“ماذا تقولين؟”
أغلق عينيه بشدة، محاولًا تهدئة نفسه، وسأل:
“نظرتُ إلى نفسي داخل المرآة، وكان يحدق بي.”
صعب تصديق ذلك، لكنّه الواقع.
ولم يتردّد ليون في التحقق من سمعه.
“النسخة داخل المرآة بدأت تتحرّك بشكل مختلف، وكأنّها تريد أن تقول شيئًا.”
“وماذا قالت؟”
“لا أعلم. تحرّكت شفاهها بسرعة كبيرة، ولم أسمع أي صوت.”
ما زلت لا أعرف ما قالته نسخة المرآة.
“ثم توقفت، ومدّت يدها نحوي. اقترب جسدها تدريجيًا، ثم لمسني.”
وهكذا حدث ما تَرونه.
“لابد أنّك خُضتِ صدمة كبيرة، إيفون.”
أعاد ليون تكرار كلامي ببطء، وكأنه يواسيني:
“ويبدو أنّ ما قلته سابقًا كان قليلًا مقارنةً بالعجب. لقد فاق كل توقعاتي.”
صحيح أنّ سماع حكاية أشبه بأشباح تظهر في النهار أمر يصعب تصديقه، لذلك لم يكن غريبًا رد فعله.
‘بل أشكرّه على ثقته بي.’
لو كنتُ مكانه، هل كنتُ سأستوعب كل شيء بهذه السهولة؟ أعتقد أنّي لا. كنتُ سأحلّل كل شيء وأقارن قبل أن أصدّق.
“العالم مليء بالأشياء العجيبة. ومن الغريب أنْ تقع إيفون في مثل هذه الحوادث.”
أتمنى أنْ أعود إلى جسدي الطبيعي قريبًا لأستطيع الحديث عن هذا كأمر عابر.
“ألا تستطيعين الخروج من المرآة؟”
بدأ يطرح الأسئلة واحدًا تلو الآخر، كأنّه عازم على حلّ المشكلة.
“لا، مهما حاولت، لا أستطيع الخروج. هناك شيء يحجب يدي، ولا أستطيع الوصول.”
مددتُ يدي نحو ليون، وكأنّي أرغب في إظهار الأمر، لكنها اصطدمت بحاجز وهمي.
“هذه أقصى قدرتي. لكن لحسن الحظ، يمكنني الانتقال بين المرايا.”
“إذًا هذا سبب وجودك هنا بدل غرفتك.”
أدرك فهمه أخيرًا وتنهد.
“إذا أحببت، أستطيع أن أريك الانتقال إلى مرايا أخرى.”
“لا حاجة لذلك. مجرد سماعك كافٍ.”
بدا أنّه قلق من أن يختلط على الآخرين أمرُ وجودي داخل المرآة.
“لا تقلق، ليون.”
“ماذا؟”
شرحتُ له بهدوء، مطمئنةً:
“أنا أظهر لك فقط. للأسف، حين ذهبتُ إلى المطعم، لم يلاحظ أحد، وأينما ذهبتُ عبر المرايا، لم يدرِ أحد بأمري.”
رغم معرفتي أنّ يدي لن تصل، رفعتها متظاهرًة بالوصول إليه، ثم ابتسمت.
“أنت أول من لاحظني، ليون. الوحيد الذي أدرك أنني محبوسة داخل المرآة.”
هو من منحني الأمل حين كنتُ على وشك الاستسلام.
كان ليون بالنسبة لي شخصًا ممتنًا له.
“سعيدٌ بسماع ذلك. لا أعلم كيف وقعتِ في هذا المأزق، لكن سأبذل قصارى جهدي لمساعدتك، إيفون.”
بدت عزيمته صادقة، وكأنّه اتخذ قرارًا.
“شكرًا حتى لو كان قولًا فقط.”
حتى لو لم يساعدني، كان هذا كافيًا لإعادة تحفيزي.
“لن يكون قولًا فارغًا. سأساعدك في إيجاد جسدك بأفضل ما أستطيع، رغم أنّ وقتي محدود.”
حين سمعت كلامه، أدركت شيئًا:
ليون لم يأتِ لمجرد رؤيتي، بل ربما جاء بمهمة أو تكليف للوصول إليّ.
ولو رآه الآخرون، لظنّوا أنّه يتحدث إلى نفسه أو يفعل شيئًا آخر بدل المهمة.
“ليون، بعد سماعك، لا يمكنني البقاء هكذا!”
“ماذا تقصدين؟”
“دع ليون يقوم بما عليه، وسأبحث أنا عما أستطيع فعله. وعد بالمساعدة، وسنرى متى سنحتاجه.”
لا يمكن ترك شخص لطيف وودود يضر سمعته بهذه الطريقة.
“سأحاول حل مشكلتي بنفسي، ثم أعود إليك مهما كانت النتيجة.”
هو الوحيد القادر على رؤيتي وسماع صوتي.
قد أفشل مرات عديدة، لكن العودة لمقابلته ستعيد إليّ شعور الحياة وتركيزي.
“أفهم قصدك، إيفون. ومع ذلك، في مثل هذه الظروف، يمكنك الاعتماد عليّ أكثر.”
أومأت برفق:
“أثق بك. وأعتمد عليك.”
ربما أكثر من أي خادم آخر هنا.
“فلنلتقِ هنا مجددًا، ليون.”
مع هذه الكلمات، بدأت التحرك لإيجاد جسدي بسرعة، نحو الظلام الكثيف.
‘أولًا، سأتحقق إن كان هناك من يلاحظ وجودي أيضًا.’
تحرّكت نحو أقرب مرآة محتملة.
“هل يمكنني التخلص من هذا؟”
“من الأفضل استبدال المرآة المكسورة دفعة واحدة لتوفير الوقت.”
رأيت خادمين آخرين، ليسوا من الذين شاهدتهم صباحًا، يحملان مرآة مكسورة.
“إيفون، ليس هكذا، انظري… هكذا يُفعل.”
سمعت صوتًا يناديني، فالتفتت.
الشخص الذي يقلّدني كان يتلقى تعليمات في منطقة التنظيف التي لم أرها من قبل.
ثم رأى النسخة المحبوسة في المرآة، وابتسم.
“على ماذا تضحكين، إيفون! استمعي جيدًا، أستعمي للشرح مرة واحدة فقط!”
“آسفة، كنتُ أنظر إلى المرآة. لم أرَها تتحطم هكذا من قبل.”
حينها، التفت كلّ من كان يشرح ويحمل المرآة، نحو المرآة التي كنتُ فيها.
“لا تقلقي من المرآة المكسورة، ركزي على الشرح.”
أصبحتُ واثقة الآن: صدفة أم لا، لم يلاحظ أحد وجودي سوى ليون.
حين كان اليأس يحيطني، سُمِع صوت:
[من الأفضل تجنّب المرآة المكسورة.]
التعليقات لهذا الفصل " 26"