كان يومُ الاثنين، أوّلُ يومٍ لبدءِ الضوضاء، مجرّدَ حدثٍ عابرٍ في نظري، فتجاهلته واعتبرته ظاهرةً مؤقتة. ولكن مساءَ الثلاثاء، تكرّر الأمرُ ذاته، ولم يُبدِ الصوتُ أيّ رغبةٍ في التوقف.
“دُقّ– طَقطَق، دُقّ– طَقطَق، دُقّ، دُقّ، دُقّ!”
تنوّعت الأصواتُ واختلطت، وكلّما خيّل إليّ أنّ السكونَ عاد، عادَت الضوضاءُ أكثر قوةً وأشدَّ إزعاجًا.
قضيتُ الليلةَ مستيقظًا، أرقبُ الظلام بعينين مثقلتين، أسمعُ تلك الفوضى القادمة من الغرفةِ المجاورة، حتى أشرقت شمسُ صباح الأربعاء وأنا ما زلتُ بلا نوم.
‘حتى الصخبُ له حدود!’
قد يُحتملُ حدوثُه مرةً واحدة، لكنّ تكراره ضربٌ من القسوة والإزعاج.
نهضتُ من سريري، جسدي مثقلٌ بالكسل، وتوجّهتُ إلى المغسلة. في المرآة، انعكس وجهي كما هو، لكن الهالات السوداء تحت عينيّ كانت كأنها لوحةٌ قاتمةٌ رسمها الأرق.
كان من العجب أن تبقى عروقي سالمةً دون أن تنفجر.
‘ما الذي يفعلونه عند الفجر ليصدروا هذه الأصوات المزعجة؟’
في البداية، تملّكني الفضول لمعرفة سببِ الضوضاء، ثمّ بدأ الشكّ يراودني: كيف لم يتقدّم أحدٌ من سكان الطابق إلى الغرفة 201 ليشتكي من هذا الصوت؟
‘لا يمكنني أن أترك هذا الأمر على هذا الحال.’
الخطوة الأولى دائمًا أصعب، وما يليها أيسر. فإذا تجاوزتُ الليلةَ بهدوء، ثم عادت الضوضاء مساءً، فذلك سيكون مشكلةً حقيقية.
‘إن لم يتحدث أحدٌ، فسأتولّى الأمرُ بنفسي.’
قبل أن أتناول إفطاري، التقطتُ ورقةً وبدأتُ أكتب:
“إلى المقيم في الغرفة 201 الذي لم أتشرف بلقائه بعد:”
“لقد أزعجتني الأصوات خلال الأيام الماضية حتى أثّرت في حياتي اليومية، لذا أكتب إليكم راجيًا معرفة إن كان هناك سببٌ ملحٌّ لإحداث هذه الضوضاء ليلًا. هل من الضروري أن تتم هذه الأفعال خلال الليل فقط؟ أليس بالإمكان إنجازها نهارًا أو في عطلة نهاية الأسبوع؟”
كان أسلوبي مهذبًا يلمّح إلى أنّ الليل وقتُ راحةٍ للجميع، وأنّ الأصوات المزعجة لا يليق بها هذا التوقيت.
“كمقيمٍ معنا في المكان ذاته، لا أودّ أن تتأزّم العلاقات بسبب أمرٍ بسيط. لذا، إن لم يكن هناك أمرٌ عاجل، أرجو تأجيل ما يسبب الضوضاء إلى عطلة نهاية الأسبوع.”
بعد أن تركتُ الورقة، شعرتُ بالاطمئنان، متوقعًا أن تصل رسالتي إلى عقلٍ راشد.
دخلتُ الغرفة 201 وأدخلتُ الورقة بين شقّ الباب، وقلتُ في نفسي: سيرى هذا بعد الإفطار أو على الأقل خلال اليوم.
—
‘لم يقرأها بعد.’
انتهى الإفطار، وجاء المساء، ثم حلّ الليل، والورقة ما زالت في مكانها.
ظننتُ أنّه مشغولٌ وسيقرؤها لاحقًا، لكن الأيام مضت، والورقة لم تتحرّك من مكانها.
‘الغريب أنّ الصوت ما زال يسمع، فكيف تبقى الورقة كما هي؟’
هل يتعمّد تركها في مكانها؟ أم يرفض ببساطة أن يقلّل الضوضاء؟
‘لا أظنّه شخصًا بلا ضمير.’
بعد أسبوعٍ على وضع الورقة، حدث ما لم أتوقعه.
قالت لي زميلتي أثناء العمل: “إيفون، يبدو أنّ الآنسة جولييت تُفضّلك على غيرك، فقد سألت عنك مرةً أخرى.”
دفعتني بخفّة لأتقدّم.
‘لماذا تُريدني هذه المرّة؟’
كنت قد سمعتُ منها سابقًا أننا قد نلتقي كثيرًا، لكن طوال الأسبوع لم تستدعني، فظننتها مجرّد مجاملة.
لم أملك خيارًا سوى الذهاب.
طرقتُ بابها، فأذنّت لي بالدخول.
كانت جالسةً في مكانها المعتاد، أمام فنجان الشاي، وأمامه كتالوجٌ جديد.
التعليقات لهذا الفصل " 22"