كنتُ أتأمّلها مليًّا، ثمّ التقطتُها بين يديّ عازمةً على مغادرة الغرفة.
‘إنْ كنتُ قد قصّرتُ في التخلّص منها كما ينبغي، فحريٌّ بي أن أفعل الآن، ولو متأخِّرًا.’
نعم، ربّما بعد الإفطار غلبني التعبُ فأخطأتُ في شيءٍ صغيرٍ كهذا، كأن ظننتُ أني ألقيتها بينما كنتُ في الواقع أحملها معي من حيث لا أشعر.
احتمالٌ ضئيل، ولكن لا بديلَ له في ظلّ غياب أيّ تفسيرٍ آخر.
‘حسنًا، من حسن الحظّ أنّ مواعيد التخلّص من القمامة هنا غير مقيّدةٍ بوقتٍ محدّد.’
كان ذلك ممّا يُخفّف عنّي بعض الحرج، إذ يستطيع المقيمون أن يرموا نفاياتهم في أيّ ساعةٍ من اليوم، صباحًا كانت أم مساءً، شرط أن تُفرغ كلّها قبل نهاية اليوم.
‘يبدو أنّ الطابور ازداد طولًا عمّا كان.’
وكما توقّعت، حين خرجتُ أحمل تلك الدُّمية البالية، رأيتُ صفًّا طويلًا من الناس ينتظرون دورهم ليُلقوا ما بأيديهم من مخلفات.
وقفتُ في نهاية الصفّ، ومن حولي تتردّد الأحاديث بين الواقفين لتمضية الوقت.
“ألم أقل لكِ منذ الأسبوع الماضي أن تتخلّصي منها مبكّرًا؟”
“كنتُ مرهقة حينها، وما الضرر إنْ فعلتُ الآن؟ يكفي أني لم أتجاوز الموعد المقرَّر.”
كان كلّ مَن في الطابور منشغلًا بترتيب أغراضه الشخصيّة، من صناديق الهدايا والأوراق الصغيرة إلى الأشياء الكبيرة التي لم يعد لها موضعٌ أو نفع.
وبعد قليل، أنهت التي كانت تُجادل حول جدوى التأجيل حديثها، وألقت ما بيدها، فصار الدور إليّ.
‘ها قد انتهى الأمر، لن أرى هذه الدُّمية بعد اليوم.’
قلتُ ذلك في نفسي وأنا أُلقيها فوق كومة القمامة.
لا أعلم بأيّ سبيلٍ عادت إليّ بعد أن رميتها في الصباح، لكنّني على يقينٍ أنّ هذه المرّة ستكون الأخيرة.
—
تناولتُ عشائي وحيدةً كعادتي.
لم يكن الحظّ في صفي، فلم ألتقِ لا بإينيس ولا بليون.
“يبدو أنّ الباب الذي رأيته مفتوحًا حينها كان مجرّد وهمٍ بصريّ.”
“أجل، ربّما التبستِ عليكِ الرؤية. هي تبدو بخيرٍ على أيّ حال.”
“لكنّها تتحدّث إلى نفسها أحيانًا…”
تناهت إليّ همساتٌ متقطّعة من طاولةٍ قريبة، لكنّي التزمتُ الصمت وتجاهلتُها؛ فليس من الحكمة الردّ على كلّ ما يُقال.
وبعد أن أنهيتُ طعامي وعدتُ إلى السكن، خامرني شعورٌ غريب.
‘لا، لا يمكن أن يتكرّر ذلك.’
تملّكني شعورٌ مريب، كما لو أنّني سأجد تلك الدُّمية أمامي مرّةً أخرى، تمامًا كما حدث في الصباح بعد نومٍ طويل.
‘لا، ليست تلك سوى وساوس ناجمةٍ عن كوابيس متكرّرة.’
لقد كنتُ أعيش في الآونة الأخيرة قلقًا لا يُحتمل، خشيةَ أن تتكرّر عليّ الأحداث نفسها، فظننتُ أنّ هذا الوهم وليدُ تعبٍ نفسيٍّ فحسب.
‘غدًا عطلة، لذا من الأفضل أن أستحمّ وأنام باكرًا. إنْ نلتُ قسطًا من الراحة، فسأبدأ الأسبوع بصفاءٍ وعزم.’
لكن، ما إنْ بلغتُ باب غرفتي في الطابق الثاني…
‘ما الذي… يفعله هذا هنا؟’
انخلع قلبي حين فتحتُ الباب.
كانت هناك، أمامي، تلك الدُّمية بعينها — عينٌ تم اقتلاعها وساقٌ متدلية، وجهٌ مهترئ كأنّه يُحدّق بي في صمتٍ مريع.
‘لكنّي ألقيتُها بنفسي… مرتين!’
مرّةً بعد الإفطار، وأخرى قبل العشاء.
خطأٌ واحد يمكن تفسيره، أمّا أن تعود مرّتين إلى المكان ذاته؟ فذلك ممّا يُخالف المنطق والعقل.
‘وهذا الباب… باب غرفتي بلا ريب.’
رفعتُ نظري إلى الرقم المثبّت على الباب: 202. نعم، لا شكّ أنّه بابي.
حين استوعبتُ ذلك، تجمّدتُ مكاني، ولم أجرؤ على أن أخطو خطوةً إلى الداخل.
“إيفون؟”
جاءني صوتٌ من خلفي، غريبٌ عنّي كلّ الغرابة. استدرتُ بحذر، كأنّ عنقي يصرّ على الرفض.
“ما بالكِ واقفةً هنا؟ ألا تدخلين غرفتكِ؟”
كانت “لورا” — إحدى العاملات المقيمات في الطابق نفسه، امرأةٌ لم يسبق أن تبادلتُ معها حديثًا. كانت تحمل ذراعيها بأشياء كثيرة، من مظاريف ورسائل إلى هدايا قديمة.
“كنتُ أفكّر في أمرٍ ما.”
“وأينبغي للتفكير أن يكون أمام الباب؟”
“ربّما.”
لم أجرؤ على أن أُخبرها بأنّ الدُّمية التي تخلّصتُ منها عادت من تلقاء نفسها.
التعليقات لهذا الفصل " 19"