“إيفون، هل جرى شيء للآنسة الصغيرة؟
لقد عادت قبل قليل ووجهها شاحبٌ كالموتى!”
حين عدتُ إلى القصر، وأنا أضع على رأسي إكليلًا من الزهور وأحمل ذراعًا مملوءة بالورود، بادرتني خادمة تعمل في الجوار بالسؤال.
“الآنسة جولييت اختارت الورود لتزيين الغرفة، وبينما كانت تقطفها، وخزتُ إصبعي قليلًا، وسال منه الدم. يبدو أنّ ذلك أعاد إليها ذكرى مؤلمة.”
وأريتها إصبعي الذي وخزته شوكة ورد.
“دم؟!”
بمجرد سماعها تلك الكلمة، شحب وجه الخادمة تمامًا، كما حدث للآنسة جولييت.
“أ… أنتِ نزفتِ في الحديقة؟!”
“قليلًا فحسب.”
لم أضف أكثر من ذلك، لكنها بدت وكأنها ستغيب عن الوعي.
ربّما كانت تحمل هي الأخرى ذكرى سيئة متعلقة بالدّم، مثل الآنسة جولييت، أو لعلّها تخافه.
بينما كنتُ أُفكر بذلك سرًّا، سألتني بنظرات مذهولة وكأنّها استنتجت شيئًا مختلفًا تمامًا عمّا أفكر به.
“إذن نزفتِ في الحديقة، وبعدها عدتِ إلى هنا؟ كيف عدتِ؟”
“سِرتُ عائدة.”
هل في ذلك أمرٌ غير طبيعي؟ هل كان ينبغي أن أركض؟
كانت ملامحها تزداد رعبًا كلّما أجبتها، وكأنّي ارتكبت خطأ دون أن أدري.
“سِرتِ عائدةً طبيعيّة؟! كيف يكون هذا ممكنًا؟!”
…ربّما لأنّ الجرح في إصبعي، لا في قدمي؟
همستُ بذلك لنفسي، وكدتُ أجيبها به، لكنّها صاحت فجأة:
“إيفون!”
“نعم؟”
“لا تقتربي منّي! لا تقتربي!”
……؟
يبدو أنّها تحمل ضغينة تجاهي، لكنّي لم أتوقّع أن تُظهرها بهذا الشكل المفاجئ.
صرخت تلك الكلمات وهربت كما فعلت الآنسة جولييت تمامًا.
ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى انتشر الخبر في أرجاء القصر:
“هل سمعتِ؟”
“عن إيفون التي نزفت في الحديقة ثم عادت سالمة؟ سمعتُ أيضًا!”
“كيف يمكن أن يحدث هذا؟!”
وكأنّه حدثٌ يفوق التصوّر، تناقلت الخادمات القصة بسرعة في كلّ أنحاء القصر الواسع.
‘هل يوجد قانون يمنع النزف في الحديقة؟’
أصبح الجميع يرمقني بنظراتٍ مرتابة، مما جعلني أشعر بانزعاجٍ لا يوصف.
“الآنسة إيفون؟”
ناداني صوتٌ مألوف، فالتفتُّ دون وعي. كان ليون، بصوته الهادئ المعتاد.
‘سيكون مثلهم.’
ظننتُ أنّه سيتصرّف كباقي الخدم، فقلّما يجرؤ أحد على مخالفة نظرة الجماعة.
لكن، بخلاف توقّعاتي، اقترب منّي مسرعًا.
“سمعتُ أنّكِ أُصبتِ في الحديقة.
هل أنتِ بخير، آنسة إيفون؟”
كان اهتمامه مختلفًا؛ لم يُبدِ أيَّ خوفٍ من أني نزفتُ في الحديقة، بل اهتمّ بإصابتي نفسها.
“… أ… أجل، أنا بخير.”
كان في كلامه ما يُريح القلب، فاهتمامه انصبّ على ما جرى لا على ما يُقال عنّي.
ثمّ مدّ يده ليتفقد إصبعي الجريح، وقال:
“الجرح ليس عميقًا، ولكن من الأفضل تعقيمه في الحال، فالحذر واجب.”
أمسك بإصبعي ونفخ عليه برفق، فشعرتُ بدغدغة خفيفة، وبدت المسافة بيننا قصيرة جدًا.
“لنُطهّره الآن، اسمحي لي بمرافقتكِ إلى غرفتكِ.”
رغم أن الأمر لا يستدعي كلّ هذا الاهتمام، إلا أنه أصرّ على مرافقتي بلُطفٍ جم.
“سمعتُ أيضًا أن الآنسة الصغيرة هربت عندما نزفتِ. أهذا صحيح؟”
كانت القصة مبسّطة، لكنها لم تخلُ من الحقيقة.
“حين وخزتُ إصبعي بشوكة ورد وسال دمي، اضطربت الآنسة جولييت كثيرًا، حتى قالت شيئًا عن أنّها لا تريد أن تلتهمها النباتات…
لكن لا بدّ أنّها كانت تهذي بلا قصد.”
قلتُها بهدوء، غير عابئةٍ بالأمر.
“قد لا تكون تهذي، يا آنسة إيفون.”
“ولمَ تقول ذلك؟”
“يُقال إنّ في الحديقة زهورًا مفترسة، لا تكتفي بالدم بل تلتهم البشر أحيانًا.
لذا يتجنّبها الجميع.”
لم أتوقّع أن يكون في الحديقة شيءٌ كهذا، وإن صحّ القول، فربّما كان خوف جولييت مبرّرًا.
“هل آلمكِ الجرح؟”
“كلا. أنه مجرّد جرح من شوكة ورد.”
بدت على ملامحه إشارة استنكار لمدى استهانتي بالأمر، إذ ظلّ ينظر إلى إصبعي حتى وصلنا إلى غرفتي.
—
「📜 <قوانين العمل في منزل روزيبينا>
المادة الخامسة: يُمنَع سَفك الدم في الحديقة. فـ’هُم’، الذين يتّخذون هيئة ‘زهورٍ فاتنة’، قد يلتهمونك.
أولئك القاطنون في الحديقة طالما استلذّوا بأكل البشر. وإن لم ترغب أن تكون فريستهم، فلا تترك دمك هناك.
وإن سال دم صديقك، فاهرب فورًا، واصرخ مرارًا أنّه هو من نزف، لا أنت، ليعلموا الحقيقة.
عندها، ستنجو.
(لكن حياة صديقك لا يمكن ضمانها.)
أمّا إن كنت أنت من نزف، فلا نصيحة أقدّمها سوى أن أدعو لك بالنجاة من أيديهم.)」
—
بعد أن انتهيتُ من تعقيم الجرح، حملتُ الورود إلى الآنسة جولييت، فإذا بها ترتجف كمن رأى شبحًا.
وسألتني بذات السؤال الذي يتكرّر من الجميع: كيف عدتِ حيّة؟
لكن سرعان ما تغيّر تعبيرها إلى الذعر.
“اختفي! ابتعدي عنّي! أأنتِ هنا لتأكلي جولييت؟!”
من الواضح أنّ لديها ذكرى سيّئة متعلّقة بتلك الزهور المفترسة.
وفي النهاية، طُردت من الغرفة بعد أن أنهيتُ ما أُوكل إليّ من مهام.
ولمّا ذهبتُ إلى قاعة الطعام لتناول العشاء، وجدت المكان مكتظًّا.
‘كم من الناس هنا!’
بعضهم اختار أماكن تطلّ على الخارج، وآخرون تجمعوا يتحدثون، والبعض أكل بصمتٍ في الزوايا.
‘يبدو أنّني سأتناول الطعام وحدي مجددًا.’
لقد اعتدتُ الوحدة، ولا أظنّ أن ذلك سيتغيّر، فالجميع يتجنّبونني منذ أن نزفتُ في الحديقة.
ما لم يُوظَّف خدمٌ جدد، فلن أجد من يشاركني مائدة الطعام.
وبينما كنتُ أفكر في ذلك، ربت أحدهم على كتفي بخفّة.
التفتُّ، لأجد فتاة تقف خلفي.
“من…؟”
تمتمتُ وأنا أحدّق بها بدهشة.
كان شعرها أسود كالليل، ينساب إلى خصرها بلمعانٍ أخّاذ، وبشرتها بيضاء نقية تُبرز ملامحها.
وعيناها السوداوان تحدّقان بي بهدوءٍ وثبات، كدميةٍ نحتها فنّان بإتقان.
‘منذ متى تعمل خادمة كهذه هنا؟ لم أرَها من قبل.’
حتى مع انشغالي بخدمة الآنسة جولييت، لا يمكن أن أنسى وجهًا كهذا لو رأيته.
فتحت شفتيها وقالت:
“إنّه أنا… إ… إيفون.”
كان الصوت مألوفًا جدًا.
“أنتِ لا تتعرّفين عليّ لأنّي لا أرتدي نظّاراتي الآن… ل… لحظة واحدة!”
أخرجت نظّارتها من جيبها وارتدتها بسرعة، وحين فعلت، تعرّفتُ عليها فورًا.
كانت هي الخادمة التي حذّرتني من فتح الباب ليلًا.
“هل تعرفينني الآن؟”
أومأتُ بسرعة.
“نعم، قرأتُ اسمكِ في المرة السابقة، إيفون، أليس كذلك؟ إنه اسم جميل.”
فابتسمت بخجل وقالت:
“اسمي إ… إينِس.”
وأشارت إلى بطاقة الاسم المعلّقة على ثوبها.
اسمها بدا أرستقراطيًّا، لا يليق إلا بنبيلة. لا شكّ أنّ والديها اختاراه لها بحبّ.
“اسمكِ جميلٌ أيضًا يا إينِس.”
“ش… شكرًا لكِ. ل… لكن، هل تذكّرين ما قلتُه لكِ سابقًا؟”
“بالطبع، كيف أنسى؟ لقد نصحتِني لمصلحتي، والتزمتُ بما قلتِه.”
وضعت يدها على صدرها بارتياح.
لم أظنّ أنّ ذلك الفعل البسيط يعني لها الكثير، لكنه بدا مهمًّا في نظرها.
“إذن أنا مطمئنّة… أنا سعيدة لأنك بخير.”
ربّما تبالغ في الأمر قليلًا، لكنّي ابتسمتُ رغم ذلك.
“ب… بالمناسبة، يا إيفون، إن ل… لم تتناولي العشاء بعد، فهل ت… تودّين أن نتناوله معًا؟”
الأكل مع زميلة؟ لم يبدُ أمرًا مريحًا. فأنا أفضّل الطعام بصمتٍ ووحدة.
لكنّ نظرتها الخجولة الصادقة جعلت من الصعب أن أرفض.
“… حسنًا.”
بعد لحظة تردّد، وافقتُ.
تقدّمت هي بثقة ودخلت القاعة أولًا.
“هل رأيتَ ذلك؟”
“رأيته، نعم!”
“باب القاعة فُتح وحده…”
وفجأة، بدأ الجميع في القاعة ينظرون نحونا بخوفٍ خفيّ.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"