كان إستيبان يعرف والدته جيداً. لن تسأل والدته أنيتا بعمق عن مشاكلها معه. خاصة إذا كانت سيرافينا مرافقة لها.
“سأبقى في دور الشرير لبعض الوقت يا لوغان.”
سيرافينا ذكية، ولن ترغب في الزواج من رجل بائس مثله مهما ضغط عليها الماركيز. سيكون أفضل إذا عادت لاحقاً إلى العاصمة ونشرت شائعة بأن الدوق الصغير رينشتاين هو أسوأ رجل.
تنهّد لوغان بعمق بعد أن أدرك نية إستيبان.
“لقد كنت دائماً شريراً بالنسبة لي يا سيدي. دائماً.”
***
فاصل.
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
استغفر الله العظيم واتوب أليه (5)
اللهم صل وسلم على نبينا محمد (5)
كرروها خمس مرات عشاني 🙏❤
***
تأمّلت أنيتا الرسالة التي سلّمها ساعي البريد في الصباح طويلاً قبل أن تفتحها. كان اسم “أني” المكتوب بخط مألوف على الورقة البيضاء المكتوب بخطوط قوية، يحمل في طياته سوء نية.
قررت ألا تقرأ المزيد، لكن لأنها كانت رسالة قصيرة، وقعت عيناها على الجملة التي تلي الاسم: [بسببك، أجهضت. هل أنتِ سعيدة؟.]
ربما كانت ستلوم نفسها قبل بضعة أشهر. ربما كانت ستندم على عدم معاملتها بلطف.
لكن لم يعد الأمر كذلك.
لم تلوم نفسها ولم تندم، لأنها كانت تعرف ما الذي تريده روديلا بإرسال هذه الرسالة.
كانت تتساءل فقط.
لقد ملكتِ كل شيء، وحصلتِ على كل ما أردتِ، فلماذا تستمرين في استفزازي؟ لم يعد بإمكانكِ الحصول على أي شيء حتى لو وضعتني في موقف حرج الآن.
تنهدت أنيتا تنهيدة خفيفة ومزّقت الرسالة ورمتها في سلة المهملات.
“يا آنستي، هل حدث شيء؟” سألت إنجي، التي كانت تنظف.
هزت أنيتا رأسها بخفة: “لا، لا شيء مهم.”
حقاً. سواء أنجبتِ طفلاً أو أجهضتِ، لم يعد ذلك يعني لي شيئاً. لقد أصبحتِ أقل أهمية من أي غريب. ولأنني قررت ألا أتأثر بكِ بعد الآن.
الغيوم الداكنة التي رأتها مع إستيبان في السماء ستتراجع تدريجياً مع مرور الوقت، ليحل محلها سماء صافية وشمس مشرقة. لم تستسلم للاكتئاب، لأنها تعلم أن الغيوم الخفيفة التي تخيّم على قلبها الآن ستنجلي بنفس الطريقة.
نظرت أنيتا إلى النباتات المجففة المعلقة فوق النافذة. كانت حزماً من الزهور والأعشاب التي حصدتها قبل حوالي عشرة أيام. كانت قلقة من أن يصيبها العفن بسبب المطر، ولكن لحسن الحظ، يبدو أنها جفّت تماماً.
في موسم بركة الشمس، كانت النباتات المختلفة تستعرض حيويتها بألوان زاهية في الفناء والبرية خلف السياج. كانت هناك الكثير من الأعشاب الضارة، ولكن كانت هناك أيضاً نباتات زرعها جدها وما زالت تنمو.
اللافندر الذي جففته جيداً ومعلّق على النافذة الآن هو أيضاً من حصادها هناك.
حملت أنيتا سلة كبيرة وخرجت. كانت الشمس قوية، لذا ارتدت قبعة القش المعلقة على الباب وتجاوزت السياج. كان اللافندر يزهر في كل مكان، وكانت رائحة الأزهار قوية وممزوجة برائحة التراب.
‘لقد حصّلت الكثير من اللافندر في المرة الماضية، هل يجب أن أجمع بعض البنفسج وأجففه هذه المرة؟’.
بما أن الزيت العطري الذي صنعته لأول مرة كان ناجحاً جداً، فقد اشترت الكثير من زيت الزيتون لاستخدامه كزيت حامل. كان لديها ما يكفي من الزهور والأعشاب، لذا فكرت في صنع الكثير من الزيوت العطرية لاستخدامها في المنزل، وتقديمها كهدايا، وبيع الفائض في السوق.
بينما كانت تقطف الزهور والأعشاب الطازجة على صوت الدجاج، بدأت النية الخبيثة الحادة التي أرسلتها روديلا تتلاشى حتى اختفت تماماً.
عندما ملأت السلة بالزهور والأعشاب وهي تدندن، شعرت بنظرة أحدهم فرفعت رأسها.
ضغطت أنيتا بكف يدها على قبعة القش التي كادت أن تطير بفعل الريح ونظرت إلى الأمام، فرأت سيدة نبيلة في منتصف العمر ذات هالة راقية وفتاة تبدو أصغر منها بكثير تحملان مظلات شمسية. كان لوغان يقف بجانبهما متوتراً.
تذكرت أن لوغان أخبرها قبل بضعة أيام أن الدوقة والشابة المخطوبة لإستيبان ستزورانها.
‘تلك الشابة هي…’ كانت امرأة ذات جمال يبعث على البرودة. ربما كان عمرها حوالي العشرين عاماً. على الرغم من ارتدائها ملابس نهارية أنيقة، إلا أنها كانت تتمتع بحيوية مميزة لذلك العمر.
في اللحظة التي رأتها، شعرت بوخز خفيف في أعماق صدرها، لكنها تجاهلته لأنه كان ألماً بسيطاً جداً.
خلعت أنيتا قبعة القش. انسكب شعرها البرتقالي، الذي كان مثبتاً بشكل عشوائي بدبابيس، بلطف مثل غروب الشمس في يوم صافٍ. قالت أنيتا “آه!” وتوقفت عن محاولة ترتيب شعرها، ثم اقتربت منهم.
“مرحباً.”
عندما بادرت أنيتا بالتحية، رد لوغان وعرفها على الدوقة وسيرافينا. أمسكت أنيتا بتنورتها وانحنت قليلاً في ركبتيها، مؤديةً تحية لائقة.
“إنه لشرف لي مقابلتكِ يا أيتها الدوقة.”
“لا داعي لكل هذا التكلف يا آنسة بيل. سعيد بلقائك.”
عندما كانت على وشك تحية سيرافينا، بادرت سيرافينا بالتحية أولاً.
“أنا أيضاً سعيدة بلقائك يا آنسة بيل. اسمي سيرافينا.”
بعد انتهاء التحية الرسمية، تدخّل لوغان بسرعة قبل أن يخيّم الصمت المحرج.
“تبدين مشغولة اليوم أيضاً.”
“نعم، أنا أخطط لصنع زيت عطري.”
“زيت عطري…” كانت سيرافينا هي التي تفاعلت. ظهر الفضول في عينيها اللتين كانتا تبدوان باردتين قليلاً.
“هل يمكن صنع الزيت العطري بنفسك في مكان كهذا؟”.
“طبعاً. آه، أنا لن أصنعه من الذي حصدته الآن مباشرة، بل سأستخدم ما تم حصاده وتجفيفه قبل أيام قليلة. أما الذي حصدته الآن فسيتم تجفيفه واستخدامه في المرة القادمة.”
“هكذا إذن. يمكن صنعه باليد.”
لأن سيرافينا بدت لطيفة وهي متعجبة، ابتسمت أنيتا بخفة وقالت: “آه، إذا لم يكن لديكن خطط أخرى، هل تودّان الانضمام إلي؟”
اتسعت عينا سيرافينا التي لم تكن تتوقع مثل هذا العرض، ثم نظرت إلى الدوقة. قالت الدوقة التي كانت تراقب أنيتا بهدوء: “هل هذا ممكن؟ ألن نكون مصدر إزعاج؟”.
“إزعاج؟ لا على الإطلاق. من الجيد أن يكون هناك المزيد من الأشخاص للمشاركة. وبما أن هناك الكثير من ثمار التوت الأسود الناضجة هناك، سأصنع لكُنّ عصير لذيذ.”
بالنسبة لسيرافينا التي عاشت في المدينة فقط، كان صنع العصير مباشرة من الفاكهة المقطوفة من الشجرة أمراً جديداً ومدهشاً.
بعد أن ارشدتهم أنيتا إلى الداخل وطلبت من إنجي قطف ما يكفي من التوت الأسود لصنع العصير، ذهبت سيرافينا إلى النافذة وتظاهرت بمشاهدة المنظر بينما كانت تراقب إنجي وهي تقطف الثمار.
“لا، لدي إنجي، وفي فترة النهار، يأتي شاب قوي يُدعى هانز للمساعدة. كان الأمر صعباً قليلاً في البداية حتى استقريت، لكنه أصبح سهلاً الآن.”
“وهل هناك من يضايقكِ؟”.
تغيّر تعبير أنيتا بعد أن تذكرت الرسالة التي وصلتها صباح اليوم. لم تفوّت الدوقة هذا التغيير للحظة، وأساءت فهمه معتقدة أنه بسبب إستيبان.
حقاً. حقاً ابني يلحّ على هذه الشابة، التي تعيش بشجاعة بمفردها، أن تبيع المنزل.
“لا، ليس هناك أحد. أنا ممتنة فقط لمساعدة الجميع.”
كادت عينا الدوقة أن تدمعا من طريقة أنيتا في استعادة تعبيرها بسرعة والتحدث بابتهاج.
منذ أن رأتها في الخارج وهي تمسك بقبعتها التي كادت أن تطير وتبتسم ببهجة، عرفت للوهلة الأولى أنها شابة طيبة. لقد عاشت كأميرة لمملكة بيلدرين قبل زواجها، و كدوقة لمملكة دومانش بعد زواجها، لذلك كانت تفتخر بأن لديها بصيرة في الحكم على الناس أكثر من غيرها.
هذه الشابة طيبة و بريئة كما قال لوغان. إذا كانت هناك أي مشكلة مع إستيبان، فستكون كلها خطأ إستيبان.
“سمعت أن هذا كان منزل جدكِ الأصلي.”
“نعم. عشت في مدينة ناز مع والديّ عندما كنت صغيرة جداً، ولكن بعد وفاة والديّ، عشت هنا حتى تزوجت. ولأنني نشأت هنا طوال حياتي تقريباً، تمكنت من التعود على الحياة هنا بسرعة بعد عودتي.”
بما أنها لم تخفِ تاريخ زواجها، بدا من المؤكد أنها لا تحمل أي مشاعر أخرى تجاه إستيبان.
“وهل يسبب وجود الفيلا هناك أي إزعاج؟”.
“لا، لا يسبب أي إزعاج على الإطلاق. بل على العكس، بسبب أعمدة الإنارة التي وُضعت على طول هذا الطريق، أصبح الليل ليس مظلماً، وهذا أمر جيد. أنا أعيش براحة بفضل لطف الدوق الصغير.”
لم يكن هذا هو الحال.
إستيبان قام بتركيب أعمدة الإنارة فقط لكي يروق له المنظر. من الواضح أن صوت الموظفين وهم يتجولون لإضاءة المصابيح عند غروب الشمس يجب أن يكون مزعجاً.
ومع ذلك، بما أنها تصف هذا بـ “اللطف”، فإنه من المثير للفضول مدى اتساع قلبها.
التعليقات لهذا الفصل " 71"