بعد أن تبادلتا التحية قائلتين: “كيف عرفتِ الطريق إلى هنا؟”، و”كم أنا سعيدة برؤيتكِ”، و”تبدين بخير”، قادت أنيتا سيلفيا إلى الحقل وقالت: “جدي كان يزرع الحقل. حاولت إحياء تلك الذكرى. كان الأمر صعبًا حقًا عند تسوية الأرض، ولكني أشعر بالدهشة والفخر عندما أرى المحاصيل تنمو. هذا طماطم، وهذا الخس، وهناك السبانخ.”
لم تسأل أنيتا كيف حال مدينة ناز، ولا كيف حال روديلا وفيرنر. لم تكن تتعمد ذلك، بل بدت وكأنها حقًا غير مهتمة.
كان اهتمام أنيتا كله منصبًا على المحاصيل.
“أخبرني تشارلز، آه، تشارلز هو بستاني الفيلا في تلك الجهة.”
عندما اتبعت سيلفيا إصبع أنيتا، رأت قصرًا كبيرًا على التل خلف منزل البحيرة. بدا وكأنه فيلا فخمة حتى من بعيد. كان الرجل الذي كان في الحقل يصعد الآن الطريق المؤدي إلى التل.
“على أي حال، قال لي تشارلز بالأمس إن السبانخ والخس جاهزان للحصاد الآن.”
“آه، حقًا.”
شعرت سيلفيا بالذهول من مسار المحادثة المختلف تمامًا عما توقعته عند مجيئها إلى هنا. كانت تفكر فقط في مواساة أنيتا، ولم يخطر ببالها أنها ستتحدث عن المحاصيل التي توشك على الحصاد.
“لقد جئتما في الوقت المناسب، سيلفيا ونيلي. لقد قررت إقامة حفلة صغيرة اليوم بعد حصاد السبانخ والخس. آه، أشعر بالحرج من تسميتها حفلة. إنها مجرد وليمة لأطباقي.”
“طعام أنيتا شهي، وهذا وحده يكفي ليكون حفلة.”
“يا إلهي، سيلفيا ما زالتي تتحدثين بلطف شديد.”
أنيتا وحدها كانت تمدح سيلفيا بمثل هذا المديح. كانت سيلفيا معروفة بلسانها السليط.
“كنت أتمنى لو أن الطماطم نضجت أيضًا، لكن يبدو أننا سننتظر قليلاً حتى تثمر. آه، بالمناسبة يا سيلفيا. هناك شخصان آخران سيأتيان اليوم، هل لا بأس أن ينضما إلينا؟ لو كنت أعرف أنكِ ستأتين اليوم، لما كنت دعوتهما.”
“لا عليكِ. أنا التي جئت فجأة. ولكن من دعوتِ؟ هل هو شخص من ناز جاء قبلي؟”.
“لا، ليس شخصًا من ناز…”.
توجهت نظرة أنيتا نحو الفيلا.
“إنهما مالك تلك الفيلا ورئيس خدمه هناك، وربما شخص يدعى إيريك، وهو المحامي الذي ساعدني.”
نظرت سيلفيا نحو الفيلا باتباع أنيتا. في البداية، لم يكن لديها فكرة عن هوية مالك الفيلا، لكنها تذكرت فجأة شيئًا حدث من قبل.
إستيبان رينشتاين، الذي حضر حفل عيد ميلاد كونتيسة مودي. والحديث الذي سمعته سابقًا عن أن الدوق الصغير رينشتاين بنى فيلا في إلجرين.
اتسعت عينا سيلفيا عندما أدركت من هو مالك تلك الفيلا.
“لا يمكن… هل أنتِ صديقة لمالك تلك الفيلا؟”.
“ليست صداقة.”
ترددت أنيتا وكأنها لا تعرف كيف تعبر، ثم أضافت: “إنه جار. ورئيس خدمه ساعدني في بناء قن الدجاج.”
رئيس خدم الدوق الصغير رينشتاين ساعد في بناء قن الدجاج؟.
نظرت سيلفيا إلى أنيتا وكأنها تتساءل عما إذا كانت قد سمعت بشكل صحيح، لكن أنيتا استمرت في الكلام دون أن تدرك أنها أدلت بتصريح مدهش: “في الأصل، دعوت تشارلز وداليا أيضًا. آه، داليا هي طبيبة تلك الفيلا. لكن يبدو أنهما غير مرتاحين للوضع.”
بالطبع سيكونان غير مرتاحين.
أي موظف سيشعر بالراحة عند تناول الطعام على نفس المائدة مع سيده، وريث عائلة دوق رينشتاين؟ حتى سيلفيا نفسها تشعر بصعوبة في ذلك.
تساءلت سيلفيا عما إذا كانت أنيتا تعرف حقًا أي نوع من العائلات هي عائلة دوق رينشتاين. بالإضافة إلى ذلك، إستيبان رينشتاين بالذات.
كانت سيلفيا تسافر كثيرًا إلى العاصمة بسبب عمل زوجها.
كانت لديها فيلا بالقرب من العاصمة، وكانت تقيم حفلات شاي أو تُدعى إلى حفلات كبيرة وصغيرة في كل مرة تذهب فيها.
كان اسم إستيبان رينشتاين يُتداول كثيرًا بين سيدات العاصمة، لكنه لم يظهر أبدًا في أي مناسبة اجتماعية. كان اسمه وحده يثير حماس السيدات، لكنه لم ينظر إلى أي امرأة قط.
– “أتمنى في حياتي أن أدعو الدوق الصغير رينشتاين وأقدم له الشاي.”
تذكرت سيلفيا كيف أومأت جميع السيدات النبيلات اللاتي كن حاضرات بالموافقة على قول إحدى السيدات.
بدت أنيتا، التي فعلت ما قالت عنه سيدات العاصمة من العائلات البارزة إنهن “يتمنونه”، مهتمة أكثر بعدم مجيء داليا وتشارلز من اهتمامها بموافقة إستيبان على الدعوة.
“آه، يجب أن أقطف الخس والسبانخ أولاً للتحضير للطهي…”
“حسنًا، سأساعدكِ.”
“لا يا عزيزتي، فستانكِ الجميل سيتسخ. هل تحبين أن تشاهدي فقط بينما أقطفها؟”.
شعرت سيلفيا بالحرج من الوقوف بهدوء بجوار أنيتا أثناء عملها، لكنها وافقت على ذلك لأنه لم يكن يبدو أنها ستكون مفيدة.
دخلت نيلي إلى المنزل مع إنجي التي كانت صديقتها المقربة، بينما حملت أنيتا السلة واتجهت إلى الحقل.
كان هذا الوضع الذي تعمل فيه الخادمة بينما ترتاح السيدة محرجًا، لكن سيلفيا هدأت من روعها عندما رأت أن مظهر أنيتا الجانبي، وهي تمشي نحو الحقل وهي ترتدي قبعة القش مرة أخرى، يبدو سعيدًا.
“يمكننا أن نأكلها باقتلاعها من جذورها، لكنني سمعت أن الأوراق ستنمو مرة أخرى إذا قطفتها بهذه الطريقة. كان تشارلز أسرع مني بكثير بالأمس، لكني ما زلت مبتدئة.”
بصراحة، سواء نمت السبانخ مرة أخرى أم لا، لم يكن ذلك يهم سيلفيا على الإطلاق. كان سلوك روديلا الأخير يبدو أكثر أهمية من ذلك، لكن بمراقبة يدي أنيتا وهي تحصد السبانخ، شعرت سيلفيا بالفضول حقًا عما إذا كانت أوراق السبانخ ستنمو هناك مرة أخرى.
أثناء مراقبتها بهدوء، هبت ريح ممزوجة برائحة الماء. كان صوت الريح وهي تداعب الشجيرات القريبة ممتعًا.
الصوت الغريب “قُر قُر” الممزوج بالصوت كان صوت الكتاكيت التي بدأت تتحول إلى دجاج. نظرت سيلفيا حول فناء المنزل وقالت لـ أنيتا: “لديكِ دجاج هنا.”
“نعم، ما زالت تنمو. قيل لي إننا لن نحصل على البيض إلا في خريف هذا العام.”
“ألا تجدين الأمر صعبًا؟ يجب أن تقومي به أنتِ وإنجي فقط.”
“كان الأمر صعبًا في البداية، لكن بعد الانتهاء من كل شيء، لا يوجد الكثير لنفعله. بمجرد أن أعتاد الأمر، سأكون أكثر مهارة في العام المقبل.”
العيش على هذا النحو في العام القادم أيضًا؟.
“ألن تتزوجي مرة أخرى؟ يمكن لـ أنيتا أن تجد شخصًا جيدًا. إذا كنتِ تفكرين في ذلك، يمكنني أن أبحث لكِ.”
ابتسمت أنيتا بخفة.
“هل سيتزوج شخص جيد بامرأة مطلقة؟ هناك الكثير من الشابات الأصغر سنًا والأكثر كمالًا ومن عائلات أفضل.”
“لكن…”.
توقفت سيلفيا عند هذا الحد. كان كلام أنيتا صحيحًا، لن تكون هناك عائلة تقبل بامرأة مطلقة.
على الرغم من أنهم يقولون “يا للأسف على الآنسة أنيتا. أتمنى أن تصبح زوجة ابني”، إلا أنهم لن يسمحوا لابنهم بالزواج من أنيتا عندما يصبح الأمر حقيقة. هذا هو الواقع. في المقام الأول، كانت عائلة بيل عائلة على وشك الانهيار بعد وفاة فيكونت وفيكونتيسة بيل في سن مبكرة.
ولهذا، تساءل بعض نبلاء ناز عن سبب زواج فيرنر، الذي أحب روديلا، من امرأة مثل أنيتا عندما كانوا لا يعرفون عنها الكثير. كان بإمكان فيرنر، بجماله، الزواج من امرأة من عائلة أفضل.
لكن السنوات الخمس التي عاشتها أنيتا كـ فيكونتيسة شرايبر غيرت سمعتها كثيرًا.
“كنت أعرف أن فيرنر لا يحبني. حتى بعد زواجنا، كنت دائمًا أشعر أن روديلا موجودة بيني وبينه.”
تفاجأت سيلفيا لأنها لم تتوقع أن تتحدث أنيتا بصراحة هكذا.
“لكن لا بأس. كنا متزوجين، وكان بيننا ثقة وصداقة. لذلك اعتقدت أن زواجنا سيكون صلبًا وثابتًا دون أن يتزعزع.”
“…”
“في اللحظة التي سمعت فيها أن روديلا تطلقت وعادت، شعرت بعدم الأمان. شككت في فيرنر رغم أنني كنت أتحدث عن الثقة. في الحقيقة، لم أكن أثق به، وربما هذا هو السبب الذي جعله يرد لي على ثقتي الهشة بالخيانة.”
توقفت ابتسامة مريرة على شفتي أنيتا ثم اختفت.
“الزواج بالنسبة لي هو كذلك. يمكن التخلص منه في أي وقت، لذلك أتساءل عما إذا كنت بحاجة إليه. لكن هنا الأمر مختلف. كل صباح أستيقظ، أجد البحيرة في مكانها، وعندما أزرع البذور في الحقل، تعطيني محاصيل دون أن تخلف وعدها.”
نهضت أنيتا وهي تحمل السلة المليئة بالفعل. نظرت إلى البحيرة وكأنها مبهورة.
“لقد سئمت من العيش في قلق مستمر للسيطرة على قلب زوجي، ومن الخوف من إزعاج حماتي. هذا المكان يمنحني الكثير بغض النظر عن الشكل الذي أكون عليه. أريد أن أعيش هنا بهدوء، وعندما أستيقظ ذات يوم وأجد شعري قد شاب تمامًا، أريد أن أجلس على كرسي مريح في المنزل وأنظر إلى البحيرة بحرية وسعادة.”
التعليقات لهذا الفصل " 50"