– غروب الشمس في بحيرة إلجرين. 

الفصل 45، الإيقاع غير المتناغم (3)

وضعت أنيتا الصندوق جانباً وسألت: “سأعد العشاء قريباً، هل ترغب في تناوله معي؟ لدي لحم دجاج طازج، فكرت في شويه”.

حدّق إستيبان في أنيتا وسأل: “هل تمزحين؟”.

انثنت عينا أنيتا على شكل هلال عندما ابتسمت.

“نعم”.

“وما هو الحقيقي إذن؟”.

‘لحم خنزير مطهو على البخار، وفطر مشوي، وسلطة. ما رأيك؟”.

“رائع”.

“جايكوب، أنت أيضاً ستأكل قبل أن ترحل، أليس كذلك؟ وما عن كبير الخدم وداليا؟”.

“أوه، أنا… لدي عمل، يبدو أن عليّ الرحيل الآن، آنستي. سأعود في المرة القادمة!”.

كان جايكوب متصلباً منذ ظهور الدوق الصغير، لكنه قفز فور عرض العشاء وهرب كأنه يفر.

“أنا موافقة. وكبير الخدم؟ ستأكل، أليس كذلك؟ طعام الآنسة لذيذ حقاً”.

كان لوغان مدهوشًا منذ وصول إستيبان، فأومأ برأسه مذهولاً.  

“إذن، سأعد خمس حصص. سيستغرق الأمر ساعة تقريباً”.

لم يستطع لوغان نزع عينيه عن ظهر أنيتا وهي تدخل المنزل.  

‘ما الذي حدث للتو…’.

رؤية إستيبان الذي لا يخسر في الكلام يخسر أمام أنيتا في كل لحظة جعلته يظن أنه يحلم. كان إستيبان يتأثر بها طوال الوقت دون أن يبدو مستاءاً.

‘ماذا أفعل بهذا’. 

عاد لوغان إلى الطرق بالمطرقة، لكنه لم يعد يركز، يلقي نظرات خلسة على إستيبان.

كان إستيبان جالساً على السياج يتأمل البحيرة بهدوء. أن يركز على البحيرة بدلاً من منزل أنيتا أمر مطمئن نسبياً، لكن ذلك الاطمئنان تلاشى تماماً عند مائدة الطعام. كما أعلنت أنيتا، اكتمل العشاء بعد ساعة تقريباً. كان لوغان قد أنهى قن الدجاج وأدخل الكتاكيت إليه.

كان عشاء اليوم: لحم خنزير مطهو مع البصل، فطر مقلي مع الخضروات والتوابل المناسبة، سلطة متنوعة مقطعة ومتبلة بصلصة حامضة منعشة، وعصير توت العليق.

كما قال الجميع، كان طعام أنيتا شهياً جداً. لم يبدُ أنه يحتوي على مكونات فاخرة، لكنه أثار الإعجاب مثل طعام أندريه الذي كان طباخاً في القصر الملكي سابقاً.

لكن لوغان لم يتمكن من الاستمتاع بطعم الطعام حقاً.  

‘هذا كارثة…’.

صراحة، في البداية ظن أن أنيتا، الوحيدة بعد طلاقها، هي من أغوت إستيبان. بالطبع، سيدهم ليس من النوع الذي يُغوى بسهولة، لكن العيش في قرية ريفية قد يرخي قلبه قليلاً.  

لو كان الأمر كذلك، كان سينصح أنيتا بلطف وحذر. لكن ذلك لم يكن ضرورياً. الطرف الذي يحتاج النصيحة لم يكن أنيتا.

لم تبدُ أنيتا تعامل إستيبان بشكل خاص. كانت توزع نظراتها وكلماتها بالتساوي على داليا، لوغان، إنجي، وإستيبان.

لكن نظرات إستيبان لم تكن متساوية. كانت عيناه العميقتان موجهتين نحو أنيتا معظم الوقت، وإذا ضحكت أنيتا بصوت عالٍ، تنتنشر ابتسامة خفيف على شفتيه. مع أنها لم تكن تضحك له.

“بما أن كبير الخدم ساعد كثيراً، سأرسل له أول بيضة يبيضها الدجاج عندما يكبر”.

حتى بعد عودته إلى الفيلا مصحوباً بتوديع أنيتا الحار، لم يتلاشَ قلق لوغان.

أنيتا شخص طيب. لهذا السبب سمعة عائلة بيل جيدة في قرية إلجرين. البارون العجوز الذي رباها كان بالتأكيد شخصًا طيبًا. لو كان لها عيب واحد، لاستخدمه للعثور على حل، لكن غياب العيوب جعل الأمر أصعب.  

علاوة على ذلك، يبدو أن القلب يتدفق من إستيبان نحو أنيتا فقط، دون تدفق عكسي. في البداية كان قلقاً على إستيبان فقط، أما الآن فأنيتا هي من تقلقه.

حتى لو لم يكن لأنيتا مشاعر تجاه إستيبان، فإن انتشار شائعة اهتمام إستيبان بامرأة مطلقة عائدة سيضعها في موقف محرج للغاية.

‘آه، نعم’. 

أثناء العشاء، رأى تعبيرًا على وجه إستيبان يشبه شيئًا رآه سابقًا، والآن تذكره. ذلك التعبير الذي كان عليه عندما جاءت فرقة السيرك ورأى نمراً صغيراً محبوساً في قفص.  

تعبير يقول: “لطيف جداً وممتع، يجب أن أمتلكه مهما كلف الأمر”.

كان إستيبان ينظر إلى أنيتا بهذا التعبير طوال الوقت، دون أن يدرك هو بنفسه.  

***  

كان فيرنر يتجول في الغرفة ذهابًا وإيابًا، ثم فجأة حدّق في انعكاسه في المرآة. في المرآة، رجل بعينين محمرّتين، لحية نامية، يبدو مروعًا ومنهكاً.  

عندها فقط أدرك فيرنر أنه لم يأكل أو ينم بشكل صحيح منذ ثلاثة أيام.

– “أنا حامل”. 

صدى صوت روديلا يتردد. لا يتذكر كيف رد، أو كيف عادت. ما الذي تحدثا عنه؟ يبدو أنه ذكر الزواج.  

جلس فيرنر على الأريكة، يمسك رأسه بكلتا يديه.  

‘حامل…’.

لم يمضِ وقت طويل منذ أدرك حبه لأنيتا. الآن، كل ما تبقى هو تهدئة غضبها، إعادتها إلى المنزل، وجعلها تحمل اسم شرايبر مجدداً.

لكن روديلا حامل.

هذا يختلف عن إحبال امرأة عادية. مهما كانت مطلقة، فإن روديلا ابنة عائلة كاربونيتي الشهيرة في مدينة ناز. لا يمكنه التظاهر بعدم المعرفة، أو إعطاؤها بعض المال وقول “تدبري أمرك”.

لو فعل، لن يسكت الكونت كاربونيتي أبداً.

‘ماذا أفعل’. 

– “يجب أن نتزوج، لا خيار آخر”.

تذكر الحوار المنسي بوضوح.  

– “زواج… لم يمضِ على طلاقي وقت طويل”.

– “نعم، لكن لا خيار. لا أستطيع أن ألد الطفل وحدي. والداي لن يسكتا”.

أغلق فيرنر عينيه بقوة.  

الزواج من روديلا يعني فقدان أنيتا إلى الأبد. لن يتمكن من التمسك بها بعد الآن.  

فكرة فقدان أنيتا إلى الأبد جعلته أكثر يقيناً بحبه لها. مشاعره تجاه روديلا كانت انحرافاً لحظياً، لا يريد الزواج منها تاركاً أنيتا.

‘نعم، لا أريد الزواج من رويل’.  

لكنها حامل، لا يكفي قول “لا أريد”.

– “أريد الزواج قبل أن يبرز البطن. ليس كبيراً، لكن أريد حفل زفاف. فيرنر، لن تتخلى عني، أليس كذلك؟”.

ماذا أجاب آنذاك؟.

– “بالطبع، لماذا أتخلى عنك؟ لكنني بحاجة للتحضير. لا يمكن تجاهل سمعتي بين الناس، ويجب أخذ إذن والديكِ. أعطني وقتاً للتفكير”.

نعم، هكذا أرسلها.  

هل أخبرت روديلا الكونت كاربونيتي بحملها؟. بما أنه لم يأتِ فوراً، فهي لم تخبر بعد. لكن تركها هكذا سيجعل الكونت الغاضب يأتي قريباً.

يجب مقابلة روديلا والتحدث. يعرف أنه يجب فعل شيء قبل فوات الأوان. لكن في هذا الظلام أمام عينيه، يشتاق فيرنر إلى أنيتا أكثر من أي وقت.

كلما واجه مشكلة، كانت تبتسم بلطف وتعطيه الحل.

***  

استيقظت أنيتا على صوت ‘بيب بيب” المبهج، فابتسمت.  

كان قرار تربية الكتاكيت صائباً.  

حتى عند الاستيقاظ، لا تتسلل أفكار أخرى في رأسها، وإن تسللت، فذلك الصوت اللطيف الصاخب يعيدها إلى الواقع.  

خرجت أنيتا، فتحت باب القن. راقبت الكتاكيت تخرج “بيب بيب” بخطى صغيرة، سعيدة.

“ذاك الرجل، كبير الخدم، يبدو ماهراً جداً. باب القن متين للغاية”.

قالت إنجي متثائبة وهي تخرج متأخرة قليلاً. أحضرت أنيتا كيس الحبوب المخصص للكتاكيت ورشته في الفناء.  

“نعم، شخص طيب”.

“متى سيكبرون ويبيضون؟ كم ذكراً سيكون؟ إذا كانوا جميعاً ذكوراً، ماذا نفعل؟ لن نحصل على بيض، فقط ضجيج”.

“إذن، نطلب من روبن استبدال بعضهم”.  

جلستا قليلاً، تراقبان الكتاكيت تنقر الأرض.  

كان يوماً دافئاً بنسيم خفيف.

“ماذا ستفعلين اليوم؟”.

“سأذهب إلى القرية لاحقاً لأتعلم من روبن صنع اللحم المقدد”.

“ستصنعين اللحم المقدد بنفسك؟”. 

“نعم، أردت تجربته منذ زمن. سأتأخر قليلاً، لكنني سأعود للعشاء”.

لم تعد إنجي تعترض على ما تفعله أنيتا. يبدو أن آنستها تجد المتعة والراحة في القيام بشيء ما.

~~~

لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!

حسابي انستا: roxana_roxcell

حسابي واتباد: black_dwarf_37_