– غروب الشمس في بحيرة إلجرين. 

الفصل 44، الإيقاع غير المتناغم (2)

كادت أن تنفجر بالبكاء. شعرت وكأنها غرقت فجأة في ذلك الماضي السعيد.

– “رويل، انظر إلى هذا!”.

كانت أنيتا الصغيرة ترفع طماطم غريبة الشكل وتبتسم بإشراق، وكأنها تقف أمامها الآن.

“يبدو أن أنيتا كانت تزرع هناك. كان هناك حقل خلف سياج الحديقة.”

عندما سمعت روديلا صوت فيرنر الممزوج بالحنين والحنان، شعرت وكأن دلواً من الماء البارد انسكب عليها. كانت عينا فيرنر الزرقاوان غارقتين في حب هادئ.

‘لا.’

 دفعت روديلا صورة أنيتا الصغيرة التي تمسك الطماطم بكلتا يديها بعيداً.

‘لا تدخلي قلب فيرنر، أنيتا. أنتِ تركتِه وذهبتِ بالفعل.’

أصبح حدسها الأنثوي حاداً.

قرأت روديلا الندم العميق المختبئ في صوت فيرنر. أدركت أن المرأة التي يشتاق إليها بشدة الآن ليست هي التي أمامه، بل تلك المرأة ذات الشعر بلون غروب الشمس البعيدة.

في لحظة، غمرها خوف ووحدة لا توصف.

بالنسبة لروديلا التي لم تستطع نسيان فيرنر فتزوجت رجلاً يشبهه ثم طلقت وعادت، أصبح فيرنر وجوداً هائلاً. هو الآن حاضرها ومستقبلها، سعادتها وعزاؤها.

لكنه يحاول العودة إلى أنيتا. يريد إحضار أنيتا إلى هذا القصر وإجلاسها فيه.

“فيرنر.”

كانت تلك الكلمات قد انزلقت منها تقريباً بدافع الاندفاع.

“أنا… حامل.”

لم تستطع أن تفقد خلاصها الوحيد.

***

اختار إستيبان كتاباً من المكتبة، ثم جلس على حافة النافذة التي يدخل منها الضوء جيداً.

كان كتاباً اشتراه لكنه لم يكن ينوي قراءته.

[نباتات لذيذة] لم يفكر بعمق في سبب اختياره لهذا الكتاب، بل ألقى نظرة مريحة على الحروف.

كان الكتاب يصف بالتفصيل نباتات صالحة للأكل متنوعة وطرق زراعتها. ومن بينها الطماطم والسبانخ والخس الذي زرعته أنيتا، وكان مكتوباً أنها نباتات ليست صعبة الزراعة، فاطمأن.

‘على الأقل لن تذبل بسهولة.’

كان إستيبان يغني هامساً أثناء القراءة، ثم أدرك أن الوقت قد مر كثيراً فقط عندما جاءت الخادمة لتسأل إن كان يريد شاي العصر.

لقد مرت خمس ساعات منذ أن خرج لوغان وداليا للتحقق من حالة أنيتا، ولم يعودا بعد. قلق إستيبان خوفاً من أن تكون حالة أنيتا قد ساءت إلى درجة لا يمكن حلها في خمس ساعات.

سار إستيبان مسرعاً على الطريق المؤدي إلى البحيرة، ثم توقف فجأة عندما رأى المشهد خلف سياج الحديقة.

“بيب بيب.”

“واو، سيد كبير الخدم. أنت بارع جداً في التسمير.”

“عندما كنت في الثامنة عشرة، صنعت درجًا بنفسي كهدية عيد ميلاد لأمي. لا يزال ذلك الدرج في غرفة نومها.”

“بيب بيب.”

“حقاً؟ هل كنت مهتماً بالنجارة من الأساس؟”.

 “عندما كنت صغيراً، كان هناك خادم ينحت بشكل مذهل. تعلمت منه النحت، ومن خلال التعامل مع الخشب هكذا، أصبحت مهتماً بالنجارة أيضاً.”

“بيب بيب.”

“أنت رائع حقاً. لا بد أن والدتك فرحت جداً عندما تلقت الدرج الذي صنعه ابنها بنفسه.”

“فرحت كثيراً. آه، إذا احتجتِ، هل أصنع واحدة لكِ أيضاً، آنسة؟”.

“سيكون ذلك رائعاً جداً.”

ما هذا بحق الجحيم.

حدق إستيبان في رئيس خدمه مذهولاً، عاجزاً عن الكلام.

كان لوغان، الذي خرج كأنه على وشك إحداث فوضى، يمسك المطرقة ويضرب المسامير بسرعة.

حسناً، إذا كان هذا يُعتبر إحداث فوضى، فهو كذلك.

بالطبع، كان لوغان بارعاً في النجارة، لكن إستيبان لم يره يصنع شيئاً من الخشب منذ أن أصبح بالغاً. حتى في الماضي عندما كان مهووساً بالنجارة، لم يكن يشمر عن ذراعيه ويعرق بهذا الشكل وهو يضرب المطرقة.

وضع لوغان المطرقة التي يحملها بلطف، ومد كميه المشمرين، وقام وعدل ملابسه، ثم قال بصوته الجاد المعتاد: “لقد وصلت، سيد إستيبان.”

 “……”

لم يرد إستيبان لأنه لا يزال مذهولاً من الوضع.

ابتسمت أنيتا بإشراق. 

“سيد إستيبان، انظر كم مهارة رئيس الخدم عظيمة. انظر. ما كان يستغرق جايكوب ساعات ولم يتمكن من إنجازه، أنجزه في أقل من ساعة بهذا القدر.”

 من هو جايكوب؟ وما هذا العمل الذي يقوم به رئيس خدمي بدلاً من جايكوب؟.

“آه، هل تحب الكتاكيت؟ تعال هنا، انظر كم هي لطيفة.” 

حدق إستيبان بذهول في أنيتا وهي تقترب حاملة صندوقاً كبيراً. بدت الريح التي تعبث بشعرها غير واقعية.

ثم مدت أنيتا فجأة الصندوق أمام إستيبان.

“بيب بيب.”

كان بداخله كرات صفراء صغيرة ثمينة.

“هذا…”

“كتاكيت.”

رآها في الصور فقط، لكن هذه أول مرة يراها حقاً. حدق إستيبان في الكائنات الحية الصغيرة الثمينة التي تتحرك بطريقة طريفة، ثم سأل: “هل ستربين هذه؟”.

“نعم، يمكن الحصول على البيض، وبعد ذلك يمكن الحصول على اللحم أيضاً.”

رفع إستيبان رأسه فجأة، الذي كان يرسل نظرات حنونة إلى الكتاكيت.

“ستأكلين هذه؟”.

“ليس الآن. بعد أن تكبر.”

“ها!”.

غطى إستيبان فمه بيد واحدة، وألقى نظرة لا تصدق.

“مستحيل. كيف يمكن أكل شيء صغير ولطيف كهذا…”.

“أكرر، ليس الآن. بعد أن تكبر تماماً.”

“هل تصبح غير لطيفة عندما تكبر؟ هل يتغير قلبكِ بهذه السهولة، آنسة أنيتا؟”.

ضيقت أنيتا حاجبيها.

“يبدو أن سيد إستيبان لا يأكل اللحم ويأكل الخضروات فقط؟”.

“بالطبع آكل اللحم. لكنني لا أربيه بنفسي.”

“لكن شخصاً ما كان يربيه، أليس كذلك؟ ما الفرق؟”.

“الفرق كبير. هذه ستعتبركِ أماً لها!”.

حدقت أنيتا في وجه إستيبان بفضول، ثم سألت: “هل تقصد ذلك بجدية؟”.

“هل أبدو كأنني أكذب؟”.

“سيد إستيبان حقاً…”.

ابتسمت أنيتا قليلاً ثم أضافت: “قلبك أكثر ليونة مما يبدو.” 

“أما أنتِ فأنتِ باردة جداً وقاسية. في المرة السابقة اقتلعتِ كل الزهور هنا، والآن تريدين نتف ريش الدجاج… كيف تفكرين بهذا؟”.

“لا، لم أفكر بهذا التفصيل بعد. إنه أمر بعيد في المستقبل.”

“أعطني هذا الصندوق.”

تجنبت أنيتا إستيبان الذي بدا وكأنه سيخطفه فوراً، وأزاحت الصندوق جانباً.

“لماذا؟”.

‘لأنني لا أستطيع السماح لهؤلاء الأطفال المساكين بالاختفاء في بطنكِ. سأربيهم أنا.”

“هؤلاء ملكي.”

في تلك اللحظة، بدت أنيتا في عيني إستيبان كساحرة تستدرج الأطفال بالحلوى لتأكلهم.

“إذا كنت تريد تربية كتاكيت أيضاً، اذهب إلى محل الجزار في القرية. يقولون إن الكثير من الكتاكيت ولدت هناك.”

“أنا لا أريد تربية كتاكيت، أريد فتح طريق حياة لهؤلاء المساكين.”

ضحكت أنيتا بخفة واستدارت.

“أنت مسلى حقاً.”

 قفز إستيبان فوق السياج وتبع أنيتا.

“هل أبدو كأنني أمزح الآن؟”

“نعم، قليلاً.”

“أنا لا أمزح أبداً.”

“حقاً؟ إذن يجب أن أصدق كل كلمة يقولها سيد إستيبان من الآن فصاعداً بجدية؟ كل كلمة تخرج من فمك؟”.

“…… لا، ليس إلى هذا الحد. لماذا أنتِ متطرفة هكذا، آنسة أنيتا؟”.

“أنا أصدقك لأنك قلت إنك لا تمزح، فما المشكلة؟”

وقف إستيبان أمام أنيتا، ورأى شفتيها ترتجفان، فأدرك أنها تمزح معه الآن.

“…… من أين بدأ المزاح؟”.

“من الجزء الذي قلت فيه: إنه يمكنني الحصول على اللحم.”

“……”

“كيف يمكن أكل هؤلاء اللطفاء؟”.

“……”

“هل اطمأننت الآن؟”.

تنفس إستيبان بعمق ببطء، ثم قال كأنه يمضغ كلماته: “أنتِ حقاً مزعجة.”

“لا عليك.”

“والآن تعتبرين هذا مديحاً.”

 ابتسمت أنيتا بإشراق. لم يستطع إستيبان أن يرفع عينيه عن مشهد شفتيها الحمراوين ترسمان خطاً جميلاً. حقاً مزعجة، امرأة شريرة جداً، فكيف تعرف كيف ترسم ابتسامة رائعة إلى هذا الحد السخيف؟.

~~~

لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!

حسابي انستا: roxana_roxcell

حسابي واتباد: black_dwarf_37_