كانت الأوساط الاجتماعية في مدينة ناز تعجّ بالضجيج بسبب شجار عنيف بين ابنتي أحد الكونتات حول رجل واحد. ولو كان الرجل من النبلاء، لكان الأمر أقل إثارة، لكنه كان ممثلاً يتولى أدوار البطولة في فرقة مسرحية متجولة، مما جعل القصة أكثر ضجة.
يقال إنهما تبادلتا الشتائم في الشارع، ثم تشابكتا وتدحرجتا وهما تمسكان بشعر بعضهما.
اكتشف الناس لاحقًا أن كلا الآنستين قد قضتا ليلة مع ذلك الممثل، فكان النبلاء يتهامسون بهذه القصة كلما اجتمعوا.
قبل أن يثير طلاق البارون شرايبر ضجة في الأوساط الاجتماعية، كانت قصة فيرنر وروديلا وأنيتا قد غرقت تحت السطح. لأن قصة الآنستين من عائلة الكونت اللتين مزقتل شعر بعضهما في الشارع كانت أكثر إثارة وتشويقًا.
بدأت روديلا تشعر أن الوقت قد حان لتحرك خطوة.
حتى الآن، كانت حذرة حتى من مغادرة القصر. كان عليها مراقبة نظرات والديها، والانتباه إلى تصرفاتها وكلامها في الخارج، لكنها لم تستطع البقاء محبوسة في غرفتها إلى الأبد.
‘يجب أن أغير سمعتي.’
كان والداها لا يزالان يبحثان عن زوج جديد لها. ربما كانا قد اختارا بالفعل بعض العائلات المرشحة. وبعد مرور وقت مناسب، سيتم بيعها كما لو كانت سلعة للزواج.
لم ترغب في مغادرة مدينة ناز. لم ترغب في أن تُباع كزوجة لنبيل ثري في منطقة أخرى. لم ترغب في أن تكافح للتكيف في مكان لا يعترف بها أحد، ولا أن تشارك غرفة نوم مع رجل لا تحبه.
‘لكن قبل ذلك، يجب أن أتأكد من مشاعر فيرنر.’
أدركت بعد فشل زواجها الأول أن العيش مع رجل تحبه، حتى لو كان قليل المال والنفوذ، هو أسعد شيء في العالم. فيرنر شرايبر، الوسيم الخالي من العيوب، حبيبها الأول الذي يحبها ويعتني بها وحدها.
لم يعد لدى روديلا أي شعور بالذنب تجاه أنيتا.
كل شيء عاد إلى نصابه.
كان من المؤسف أن تفقد صديقة كانت تهتم بها كثيرًا، لكن الصداقة الأبدية بين النبلاء ليست موجودة على أي حال. يمكن تكوين أصدقاء جدد، لكن الزوج ليس كذلك.
‘شريك الحياة.’
بعد أن اختبرت مدى تفاهة حياة نبلاء العاصمة التي كانت تحلم بها في طفولتها، أدركت أنها تحتاج الآن إلى زوج يمكنها الاعتماد عليه والثقة به.
المشكلة كانت في موقف فيرنر.
عندما التقيا مجددًا، كان فيرنر شغوفًا. كان يتوق إليها وكأن العالم من حولهما لا يهم. لقد انغمسا في بعضهما كما لو كانا الوحيدين في هذا العالم.
لكن بعد بضعة أشهر فقط، توقف فيرنر عن البحث عن روديلا.
لماذا؟.
أرادت أن تصدق أنه لم يمل منها. أرادت أن تؤمن أن علاقتهما ليست من النوع الذي يتلاشى بسهولة، ويجب ألا تكون كذلك. لأنه إذا كانت كذلك، فإن تخليها عن كل شيء، حتى صديقتها الجيدة، من أجله سيكون بلا معنى.(شفتوا هذي نهاية الشهوانين وتحديدا الزاني والزانية تفو عليهم، ياريت لو جلدوهم)
حاولت ألا تبدو كامرأة يائسة، فكبحت نفسها عن التواصل معه أولاً، لكنها لم تعد قادرة على الانتظار. ولحسن الحظ، كان والداها خارج القصر اليوم.
استدعت روديلا الخادمة، وارتدت فستانًا جديدًا اشترته، ثم غادرت القصر.
كان الفستان الوردي الفاتح، الخالي تقريبًا من الزخارف، يجعل روديلا تبدو نقية وهشة للغاية. وضعت مكياجًا خفيفًا وربطت شعرها للخلف برفق، فكانت روديلا غير المتأتقة كافية لإثارة جو الرقة.
كانت تعرف جيدًا مدى ضعف الرجال أمام امرأة تبدو رقيقة ومثيرة للشفقة وجميلة في الوقت ذاته.
عندما وصلت إلى قصر شرايبر، كانت كريستين، والدة فيرنر، أول من رحب بها. اقتربت كريستين بذراعين مفتوحتين وابتسامة مشرقة، مما جعل روديلا تشعر بالارتياح لأنها لم تتغير.
“رويل، كم كان الأمر صعبًا عليكِ، أليس كذلك؟ مرحبًا بكِ. كنتُ أفكر في زيارتكِ.”
كانت لمسة يدها وهي تربت على ظهرها دافئة لدرجة أن الدموع تدفقت من عينيها.
منذ عودتها بعد الطلاق، استمر والداها في معاملتها ببرود. كانت كريستين أكثر دفئًا من نظراتهما الباردة.
“أمي، أنا آسفة. أنا آسفة جدًا.”
“لماذا تعتذرين؟ لا يوجد شيء يستدعي اعتذارك.”
“أنا… لقد تخليت عن فيرنر…”.
“لا تقولي مثل هذا الكلام. كان لديكِ ظروفكِ بالتأكيد. أليس هذا هو حال حياة النساء؟ أنا أتفهم، لا تبكي، حسنًا؟”.
لقد اختارت روديلا بنفسها الزواج من الكونت لويسون في العاصمة. صحيح أن والديها هما من قدما هذا الزواج، لكنهما قالا إنه إذا أرادت حقًا البقاء مع فيرنر، فسيوافقان على ذلك.
لكن روديلا، التي كانت تحلم بحياة العاصمة البراقة، اختارت بنفسها الزواج من الكونت لويسون.
ومع ذلك، وهي تتلقى عزاء كريستين، شعرت وكأن الحياة القاسية في العاصمة كانت خطأ والديها بالكامل.
“شكرًا لتفهمكِ. كم كان الأمر… حقًا كم كان صعبًا…”.
لم تكن تكذب. في العاصمة، شعرت وكأن التنفس في البيت أو خارجه كان ثقيلاً للغاية.
كان زوجها كبيرًا في السن وقبيحًا، وكانت حماتها قاسية وباردة. كلما أخطأت روديلا قليلاً، كانت تنظر إليها بنظرات ساخرة، وكانت تلك النظرة الصامتة أكثر إيلامًا من التوبيخ الحاد، فكانت تضيق أنفاسها.
بالمقارنة، كم كانت كريستين دافئة.
لو كانت كريستين حماتها، ولو كان فيرنر الوسيم زوجها، لكانت روديلا قد حصلت على السعادة التي طالما أرادتها.
“رويل.”
بينما كانت في أحضان كريستين، التفتت لترى فيرنر ينزل من الدرج المؤدي إلى الطابق الثاني. بدا أكثر نحافة وإرهاقًا مما كان عليه آخر مرة رأته.
“فيرنر، لقد جاءت رويل. عاملها بلطف. سأطلب إحضار الشاي إلى غرفة الاستقبال.”
توجهت مع فيرنر إلى غرفة الاستقبال. بمجرد إغلاق الباب، استدارت روديلا نحو فيرنر، وتعلقت به كما لو كانت تتشبث به، مدفونة وجهها في صدره.
“أنا أتألم كثيرًا، فيرنر.”
توقفت يده التي كانت على وشك دفعها، ثم هبطت ببطء.
“رويل…”.
“فيرنر، هل تعرف شعور أن يكون بيتك وعائلتك كأنهم حبلًا حول عنقك؟”.
نظرت إليه بعيون دامعة. اهتزت عيناه الزرقاوان.
“كل يوم، كل يوم، أشعر وكأنني أُسحب ببطء إلى المسلخ.”
عندما تدفقت الدموع على خديها النقيين، لف فيرنر ذراعيه حول خصرها بهدوء. دفن وجهه في شعرها الناعم وتنفس ببطء.
كان فيرنر يحب أنيتا. اشتاق إليها وتمنى بشدة عودتها إلى هذا البيت.
كلما طال غياب أنيتا، أدرك كم كان يحبها، وكم بذلت من جهود للحفاظ على هذا القصر، وكم تحملت.
كلما عرف أكثر، تضخم حبه لأنيتا.
لكنه لم يستطع أن يترك روديلا التي تبكي بصمت.
بدت روديلا وكأنها قد تنهار في أي لحظة، وبعد أن فقدت صديقتها الجيدة أنيتا، لم يكن لديها سوى فيرنر لتعتمد عليه.
تجاهل روديلا لم يكن شيئًا تريده أنيتا.
لأن أنيتا طيبة ولطيفة.
فجأة، طرقت الخادمة الباب، فابتعدا عن بعضهما.
بعد أن وضعت الخادمة الشاي على الطاولة وغادرت، جلست روديلا بجانب فيرنر بشكل طبيعي، ووضعت يدها على فخذه. ثم نظرت إليه بعيون رطبة وهمست بنبرة يائسة: “فيرنر، أنقذني.”
أمسك فيرنر، دون أن يدرك، بيدها التي كانت تتسلل ببطء بين فخذيه. أمسك ظهر يدها بلطف، ونظر إلى عينيها.
كان واضحًا ما تريده روديلا.
ربما كان الاقتراب الجسدي قد يوفر بعض الراحة لكليهما، لكنه لم يعد يريد خيانة أنيتا. وفي الوقت ذاته، لم يرد إيذاء روديلا، فقال بلطف: “كل شيء سيكون على ما يرام، رويل. الطلاق ليس أمرًا شائعًا، لذا الجميع حذرون فقط. لا أحد يكرهكِ. كنتِ زهرة مدينة ناز، أليس كذلك؟ قريبًا، سيعاملك الجميع كما كانوا من قبل.”
لم يكن هذا هو العزاء الذي أرادته روديلا. كانت تريد اليقين.
يقين فيرنر بأنه سيختارها مهما حدث، مهما كان الأمر صعبًا. سحبت روديلا يدها بإحراج ووضعتها على فخذها، ونظرت إلى فبرنر بهدوء.
“فيرنر.”
شعرت بإحساس سيء.
“هل حدث شيء مؤخرًا؟ تبدو متعبًا جدًا.”
“آه، حسنًا…”.
“لا بأس، أخبرني. أنا أيضًا أقرب أصدقائك، أليس كذلك؟”
تردد فيرنر قليلاً ثم قال: “في الحقيقة، زرت قرية إلجرين.”
“قرية إلجرين؟”.
كانت قد نسيت اسم تلك القرية التي كانت تزورها أحيانًا للقاء أنيتا في طفولتها.
“نعم، تلك، أتعلمين… حيث كان يعيش السيد بيل نوزاجاك…”.
“آه، بحيرة إلجرين…”.
عندما نطقت باسم بحيرة إلطرين، عادت إليها الذكريات بوضوح.
البحيرة الواسعة النقية، الأشجار والنباتات المجهولة التي تحيط بها، البيت الذي يطل على البحيرة، والحديقة المزينة بعناية، والمحاصيل التي تنمو خارج السياج.
كنا نأكل الطماطم الطازجة مباشرة من الحديقة ونضحك بصوت عالٍ، أنتِ وأنا وأنيتا… .
التعليقات لهذا الفصل " 43"