“يبدو كذلك.” رد إستيبان ببساطة، وأمسك المنديل الذي كانت أنيتا تمسكه، ممسكًا به برفق بأطراف أصابعه، بين السبابة والإبهام، وأخذه منها.
هز المنديل في الهواء مرتين بحركة خفيفة، ثم استخدم الجزء الأنظف منه ليمسح الطين العالق بأصابعه، قبل أن يضعه في جيبه بعشوائية.
“إذن، سيتسخ بنطالك هكذا أيضًا.”
ضحك إستيبان ضحكة خفيفة عندما سمعه لهت تمتمت بهذه الكلمات.
“لماذا تضحك؟”.
“لأنني فوجئت.”
“انت لماذا؟”.
“عندما رأيتك تلمسين التراب وتزرعين البذور بيديك، بدا أنك لا تكترثين للاتساخ. لكن لم أتوقع أن تقلقي حتى على حال بنطالي.”
“ذلك لأن…”.
كادت أنيتا أن تقول: “لأنك تبدو شديد الأناقة والنظافة”، لكنها ابتلعت كلماتها. عندما فكرت في الأمر، أدركت أن إستيبان لم يُظهر يومًا أي اهتمام مفرط بالنظافة. كانت هي من استنتجت ذلك بنفسها بناءً على مظهره الخارجي الخالي من العيوب.
كان إستيبان يميل رأسه قليلاً، وينظر إلى شفتيها، كما لو كان ينتظر تتمة كلماتها بعد “ذلك لأن…”. شعرت أنيتا بأجواء تدفعها لقول شيء ما، فأدارت عينيها بعيدًا بحركة خفية وقالت: “الحلوى التي أرسلتها إلى منزلي سابقًا كانت لذيذة جدًا.”
بما أن الأمر قد مرت عليه أيام عديدة، بدا أن إستيبان لم يتذكر الأمر على الفور، فتأخرت استجابته قليلاً.
“آه، تلك.”
“لقد غسلت الأطباق، لكن لم يكن لدي وقت لإعادتها إلى منزلك. طالما أنك هنا، هل تريد أن تأخذها معك؟”.
“لا، سأرسل الخادمة لاحقًا.”
حقًا، بدا من الغريب أن يحمل دوق شاب مثل إستيبان سلة تحتوي على أطباق فارغة ويعود بها بنفسه.
“بالمناسبة، مر وقت طويل منذ آخر مرة التقينا فيها. كنت تأتي كل يوم تقريبًا، حتى ظننت أنك دفنت صندوق كنز في الجوار.”
“لستُ شخصًا متفرغًا لهذا الحد.”
“إذن، كيف يجد شخص غير متفرغ مثلك وقتًا لزيارة هذا المكان في مثل هذا الوقت، وفي اثناء نزول المطر؟”.
مد إستيبان يده خارج المظلة. سقطت قطرات المطر على راحة يده المرفوعة. كلما هبطت قطرة، تشكلت دوائر شفافة على راحته القوية. تجمعت مياه المطر في خطوط يده العريضة، ثم انسلت بسلاسة على طول حافة يده النقية.
“أحب الأيام الممطرة. أحب رؤية المطر يهطل على البحيرة. جئت إلى هنا لأستمع إلى صوت قطرات المطر على سطح البحيرة. لا توجد موسيقى أروع لتبدأ بها الصباح.”
نظرت أنيتا إلى وجهه بذهول، تتساءل إن كان يتحدث بجدية. عيناه السوداوان، التي كانت موجهة نحوها حتى تلك اللحظة، تحولت الآن نحو البحيرة. كان وجهه، الذي عادةً ما يكون خاليًا من التعابير، يحمل الآن ابتسامة خفيفة، مما جعلها تعتقد أن كلامه لم يكن كذبًا.
لكنها لم تستطع فهم تصرفه. أن يأتي إلى هنا في وقت مبكر كهذا، فقط ليستمع إلى صوت المطر وهو يتساقط على البحيرة، ويقف يراقبها بهدوء؟.
‘هل هذا الرجل لديه وقت فراغ زائد؟’.
حولت أنيتا نظرها نحو الاتجاه الذي ينظر إليه، ظنًا منها أن هناك شيئًا قد لا تكون قد لاحظته. لكن صوت المطر المتساقط على البحيرة لم يكن سوى ضجيج مزعج بالنسبة لها. صوت يستحضر ذكريات سيئة، يجعلها ترغب في سد أذنيها.
“أنا لا أحب ذلك.”
تمتمت بصوت خافت، غارق في صوت المطر، لكنه بطريقة ما استطاع سماعها، فأنزل عينيه نحوها.
“لماذا؟”.
“لا أحبه، فقط. يذكرني بذكريات سيئة.”
“ذكريات سيئة؟”.
“في اليوم الذي تلقيت فيه خبر حادث والديّ، كان المطر يهطل هكذا. كنت في منزل جدي، هنا.”
“… “
“كنت بخير عندما كنت أعيش في مدينة ناز، لكن عندما عدت إلى هنا، عادت تلك الذكريات بوضوح. ذلك اليوم، تلك الرائحة، وذلك الصوت.”
لم تكن تنوي مشاركة هذه القصة مع أحد. لم تخبر بها حتى صديقتها المقربة روديلا، ولا زوجها السابق فيرنر. لم ترغب أبدًا في إظهار ضعفها للآخرين، ولا أرادت إفساد مزاج أحدهم بقصص كئيبة. لكن أن تخرج هذه الكلمات أمام إستيبان، الذي لا تربطها به علاقة وثيقة، ربما كان بسبب هذا المشهد غير الواقعي.
صباح مظلم تخفيه الغيوم، مغطاة بالطين، تشارك الدوق الصغير مظلة، كل ذلك بدا كحلم. ربما لهذا السبب تسرب من شفتيها قصة كانت محبوسة عميقًا في صدرها هناك.
نظر إستيبان إليها بهدوء، وبدأت تشعر بعدم الراحة من نظراته. ندمت على قولها لتلك القصة، وحاولت رفع زاوية فمها بابتسامة متكلفة.
“لكن، كالمعتاد، إذا بذلت جهدًا، سأعتاد عليه قريبًا. هذا الصوت، وهذه الرائحة.”
“هل هذا شيء يمكن تحقيقه بالجهد؟”.
“بالطبع. ما الذي لا يمكن تحقيقه بالجهد؟ لقد أبقيتك هنا طويلاً، وأنت شخص مشغول. اذهب وغير ثيابك المبللة بسرعة. الجو لا يزال باردًا، قد تصاب بالبرد. وشخص غير متفرغ مثلك لا ينبغي أن يمرض، أليس كذلك؟”.
قال إستيبان باستغراب: “لماذا السخرية مجددًا؟”.
“سخرية؟ قلتَ إنك مشغول، أليس كذلك؟ أنا فقط أحاول مراعاتك.”
ضيّق إستيبان عينيه، ونظر إلى وجهها كما لو كان يتفحصها، ثم رفع زاوية فمه بابتسامة خفيفة.
“يبدو أن الآنسة أنيتا تلجأ إلى السخرية عندما تريد إخفاء شيء أو التهرب منه.”
اتسعت عينا أنيتا بدهشة.
“ماذا؟ أنا؟ لا، ليس صحيحًا. أخفي شيء أو أتهرب منه؟ لماذا سأفكر هكذا مع السيد رينشتاين؟ أنت الذي ساعدني على الوقوف وساندني بمظلتك.”
“بالفعل. فلماذا تسخرين من شخص ساعدك، وتقولين “شخص مشغول” و” غير متفرغ”؟”.
أرادت أنيتا أن تعرف السبب بنفسها. قبل أيام، كانت تسخر من إستيبان لأنه كان يتردد حول منزلها عند البحيرة، لكن إستيبان اليوم كان لا تشوبه شائبة في تصرفاته. لم يمانع اتساخ يديه لمساعدتها، وكان لا يزال يميل المظلة نحوها أكثر من نفسه.
كان ينبغي عليها شكره، لكنها وجدت نفسها تسخر منه دون قصد. ولم تدرك ذلك إلا بعد أن أشار إستيبان إليه.
شعرت بالحرج، فأغلقت شفتيها بحذر وقالت: “أنا نكدية قليلاً. لم أقصد ذلك. أعتذر.”
“لا، لم تكوني نكدية اليوم إلى هذا الحد.”
مد إستيبان يده نحو خصلة شعر مبللة تساقطت على جبينها، لكنه توقف قبل لمسها. خصلة شعرها القرمزية التي تدلت على جبينها النقي كانت تلفت انتباهه، رغم أنه لا يوجد سبب يدعوه للاهتمام بها. لكنه وجد نفسه يحدق في تلك الخصلة بدلاً من عينيها.
“لا، حتى أنا أعترف أنني كنت نكدية. المطر، والسقوط، ليسا خطأك يا سيد رينشتاين. لقد أظهرت لطفًا، ولم أرد عليك بالمثل. أنا آسفة.”
كررت أنيتا اعتذارها، وكأنها مصدومة من تصرفاتها، لكن إستيبان لم يكن منزعجًا إلى درجة تستدعي هذا الاعتذار.
في الحقيقة، صوت المطر المتساقط على المظلة التي يتشاركانها كان ممتعًا جدًا، جعل مزاجه جيدًا بما يكفي ليتغاضى عن بعض كلماتها الساخرة كأنها جزء من أغنية.
لكنه لم يكن مسرورًا تمامًا بأنها لا تزال تناديه “السيد رينشتاين” بينما هو يناديها “الآنسة أنيتا” باستمرار.
“إذا أردتِ رد الجميل…”.
لهذا السبب، اغتنم الفرصة وقال بنبرة شبه طفولية: “ناديني إستيبان.”
شاهد البارون لوغان بويت، رئيس الخدم، إستيبان وهو يعود مبللاً بالكامل، فنقر بلسانه متذمرًا.
“يا إلهي، خرجت منذ الفجر، ستصاب بالبرد هكذا.”
أشار لوغان بيده، فأسرعت الخادمة بإحضار منشفة. خلع إستيبان معطفه المبلل وسلمه إلى لوغان، ثم جفف رأسه ووجهه بالمنشفة وهو يسير. تبعه لوغان على عجل.
“هل أعد كوبًا من الشاي الساخن؟”.
“نعم، لكنني سأستحم أولاً.”
“لقد أعددت ماء الاستحمام مسبقًا.”
كان لوغان قد أمر بتحضير ماء دافئ في الحمام تحسبًا لعودة إستيبان مبللاً، لكنه لم يتوقع أن يعود بهذا القدر من البلل.
“ربما يجب أن نستدعي الطبيب ونحضر بعض الأدوية تحسبًا.”
“لوغان، لن أموت من القليل من البلل.”
“قبل بضع سنوات، في مثل هذا الوقت، قفزت في النهر وأصبت بنزلة برد شديدة.”
“كنت صغيرًا وغير عاقل حينها.”
“في ذلك العمر، معظم الناس يكونون عقلاء بما يكفي ليعرفوا أن القفز في النهر في طقس كهذا قد يسبب البرد.”
هرب إستيبان من النصائح، ودخل الحمام بسرعة وأغلق الباب. بينما كان لوغان واقفًا، سمع صوت إستيبان وهو يغني بصوت خافت.
‘لماذا هو سعيد هكذا؟’
كان إستيبان يستمتع بحياته عادةً، لكن أيامًا يغني فيها كانت نادرة. كان يغني فقط عندما يحدث شيء جيد حقًا. آخر مرة سمع فيها لوغان غناءه كانت قبل عامين، عندما حصل إستيبان على لوحة نادرة كان يبحث عنها.
~~~
البطل طلع ديفا
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"