“أوليفيا! سنتناول الغداء معًا اليوم أيضًا، صحيح؟ لقد أعدّت والدتي وجبةً من نفس الأطباق التي أعجبتكِ في المرة السابقة!”
فتح غالرهيد باب المكتب قبل بدء وقت العمل وهو يبتسم ويناديني بصوتٍ مرح.
“آه، حسنًا. إذًا نلتقي وقت الغداء.”
“واو، أنتما الاثنان ستتزوجان قريبًا على ما يبدو؟”
قال كامبيل مما جعل دانتي يُشير إليه بعجلة كي يصمت، لكن لو كان كامبيل من أولئك الذين يلتقطون الإشارات لكان شخصًا آخر أصلًا.
“في الواقع، ابنة عمّ جارة ابن عمّ ابنة عمّي الثامنة لديها قريب يعمل في مجال تنظيم حفلات الزواج. يقول إنه يمكنه أن يُقدّم لنا خصمًا جيدًا إن أخبرته!”
“تبًا، هذا يعني أنه شخص غريب تمامًا! كفّ عن التدخّل وركّز في عملك.”
تنهدت ناتاشا وهي تقلّب رزمة الأوراق، وعندها فقط أُغلق فم ذلك الثرثار.
لقد مرّ أكثر من شهر منذ بدأتُ أواعد غالرهيد، ومع ذلك كنتُ في مثل هذه المواقف دائمًا أشعر بتوتّرٍ غريب أمام إيدموند.
“آه، أوليفيا.”
“نعم؟”
ناداني دانتي بنبرةٍ اعتذار وهو يمدّ لي ورقة.
“هل يمكنكِ إيصال هذا إلى قسم المحاسبة؟ لدي اجتماعٌ مع سموّ الأمير بعد قليل.”
كانت تلك أوراق الحسابات المتعلقة بالمشروعات الطبية، وثائق مهمّة عادةً ما ينقلها المساعدون.
لكن بما أنّ دانتي مشغول، فمن الطبيعي أن أتولّى أنا، كموظفةٍ صغيرة، هذه المهمّة.
“بالطبع، سأفعل.”
“شكرًا لكِ، أُقدّر ذلك.”
وبينما كنتُ في طريقي إلى مبنى المحاسبة حاملةً الأوراق، لاحظتُ مجموعة من النساء يتحدثن تحت ظلّ شجرة.
تلك الدبابيس … إنهنّ وصيفات القصر بالتأكيد.
“هل زرتِ البوتيك في منطقة أومفا؟”
“طبعًا! هل هناك أحدٌ لا يملك منديلًا من هناك هذه الأيام؟ لقد طلبتُ أيضًا ذلك العقد الجديد.”
“الذي ظهر في مسرحيّة ‘روميو وجولييت’؟”
كانت وصيفات القصر معروفات بتكبّرهنّ، لذا إن كنّ يتحدثن بهذه الحماسة، فمشروع أومفا قد حقّق نجاحًا باهرًا حقًا.
“هل شاهدتِ المسرحية؟”
“بالطبع! بكيتُ بشدّة، لا أستطيع تذكّر عدد المرات التي شاهدتها فيها. حتى أنني حجزتُ تذكرةً لعرض اليوم!”
“هشش! ألا تعلمين أن سموّ الإمبراطورة ستغضب إن علمت؟”
أخفضت إحدى الوصيفات الأكبر سنًّا صوتها بعد أن نظرت حولها بحذر.
“الجميع يعلم أن سموّ الإمبراطورة في مزاجٍ سيء مؤخرًا بسبب الشائعات التي تقول إن المسرحية مستوحاة من الإمبراطور والإمبراطورة نفسهما، لذا احذرن.”
“أوه، أعلم. لديّ صديقة تعمل في قصر الإمبراطورة وتقول إن الجوّ هناك مشحون للغاية.”
“أصلاً، كانت سموّ الإمبراطورة من أكثر المعارضين لسياسة التخفيف عن شعب فوغليش.”
كانت الإمبراطورة إمباتس بنفاتول، والدة لوسيد، تنتمي إلى عائلةٍ أرستقراطية عريقة من أنصار النبلاء، لذلك كانت تحمل ضغينةً قديمة تجاه شعب فوغليش.
فقد خُطبت سابقًا للإمبراطور، ثمّ انتُزِع منها لصالح امرأةٍ من فوغليش، ولا شكّ أنّ استمرار اهتمامه بتلك المرأة يُثير غيظها.
“لكن سمعتُ أن أكاديمية سموّ الأمير لوسيد تُحقق نجاحًا كبيرًا أيضًا.”
“يُقال إن أحد الأجانب يساعده، ولهذا نال شعب فوغليش تعاطفًا واسعًا …”
تنهدت الوصيفة التي كانت تحذّر البقية.
“ومع ذلك، لا يُقارن الأمر بتأثير تلك المسرحية. هل يوجد بين نبلاء العاصمة من لم يشاهدها؟ أعتقد أنّ الدوق بنفاتول وحده لم يفعل.”
“يا إلهي، هل سموّ الإمبراطورة شاهدتها حقًا؟”
تسمرتُ في مكاني عند سماع تلك الجملة. الإمبراطورة؟ شاهدت المسرحية؟
“نعم، صدّقي أو لا، لقد دعاها جلالة الإمبراطور بنفسه. قال إنه بما أنّ ابنه هو من شارك في إعدادها، فمن الواجب أن تراها.”
“آه، يبدو أنّ جلالته يفتقر إلى الحسّ الدبلوماسي.”
“بل على العكس، لقد فعل ذلك عن قصد.”
“حقًا؟ تقصدين أنه أراد أن يُرسل لها رسالة؟”
أومأت الوصيفة بخفّة.
“هذا ما سمعته من أحد خَدَم الإمبراطور. بعد مشاهدة المسرحية، قال جلالته: أليس الأمير إيدموند ذكيًّا جدًا؟ حتى لو أصبح إمبراطورًا يحمل دم فوغليش، فلن يلقى معارضةً تُذكر.”
حبستُ أنفاسي كما فعلت الوصيفات الأخريات.
صحيح، اليوم تُعقد الجلسة التي ستُناقش نتائج نظام الرعاية الطبية، إضافةً إلى تقييم سياسة التخفيف الجديدة تجاه فوغليش.
هل اقتربت الرواية من نهايتها فعلًا؟
في النهاية التي قرأتُها، أصبح إيدموند وليًّا للعهد وتزوّج من إيكلا.
ويبدو أنّ يوم تتويجه بات قريبًا.
أي أنّ نهاية هذه القصة … هي اقتراب يوم ميلادي أيضًا.
“هاه …”
رفعتُ رأسي نحو السماء.
لم أرَ ميفيستو منذ مدّة.
ربّما يعني ذلك أن عقدنا يسير كما يجب.
ذلك وحده كان كافيًا ليُخفّف من وطأة هذا الواقع المُربك.
نظرتُ إلى الأوراق في يدي وتوجّهتُ نحو قسم المحاسبة.
لم يبقَ لي وقتٌ طويل لأعمل تحت إمرة إيدموند، لذا عليّ أن أبذل جهدي حتى النهاية.
سأرحل بعد أن أقدّم له ما أستطيع من العون.
“تسلّمنا الوثائق، سنراجعها ثم نُعيد توزيع الميزانية على المستشفيات.”
التعليقات لهذا الفصل " 79"