المكان الذي اصطحبني إليه غالرهيد لم يكن سوى منطقة أومفا.
“ما الذي حدث هنا؟ لماذا تغيّر المكان إلى هذا الحد؟”
بالطبع، تغيّرت منطقة أومفا كثيرًا بعد إعادة تطويرها.
أصبحت الشوارع نظيفة، وسهلت حركة العربات، وبُنيت مبانٍ جديدة، ففرح السكان الذين عاشوا هناك من قبل.
صار للأطفال مكان يركضون فيه بحرية، وأصبحت النساء قادرات على السير وحدهن بأمان تام.
لكن، كان هذا فقط ما حدث. فلم يَعِشْ في المنطقة سوى سكان أومفا الأصليين وتجار أريان ونيكيتا.
“أولئك الناس، أليسوا نبلاء؟”
لكن لِمَ أرى الآن نبلاءً في هذا المكان؟
“ليسوا نبلاء فقط. انظري هناك.”
أشار غالرهيد إلى مجموعة من المواطنين الإمبراطوريين العاديين يسيرون في الشارع، رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا.
“كلّ هذا بفضلكِ يا أوليفيا.”
“أنا؟”
“كما تعلمين، كانت أومفا قرية مهجورة. وعندما أُعيد تطويرها كنا نتوقّع أن تنتعش قليلًا، لكن في الحقيقة، باستثناء أهل فوغليش، بقيت الشوارع هادئة كما كانت.”
كنت قد سمعتُ ذلك. عندما أعدنا تطوير أومفا، بنينا بعض المتاجر من أجل السلع الخاصة بالتجار.
وبما أنّها كانت ملكًا للدولة، كان من المفترض أن تصلنا تقارير بكلّ من يشغل تلك المتاجر، لكنّ التقارير لم تصل أبدًا بعد إعادة التطوير.
“ثمّ حدث أمر مدهش.”
قال غالرهيد ذلك بصوت مرح، مادًّا ذراعيه كالساحر وهو يقول “تادا!”
وكان بالفعل أمرًا مدهشًا. لم أكن لأتخيّل أنّ أعدادًا كهذه من المواطنين الإمبراطوريين، بل وحتى النبلاء الذين كانوا يتقزّزون من الاختلاط بالأجانب، سيزورون أومفا.
“لكن، كيف كان هذا بفضلي أنا؟”
فمجرد إعادة تطوير المنطقة وتحسين الأمن لا يبرّر هذا الإقبال المفاجئ.
“إنه بسبب المسرحية التي كتبْتِها.”
“تقصد ‘روميو وجولييت’؟”
هل يُعقل أنّ الناس بدأوا يزورون المكان بسببها فعلًا؟
“الإكسسوارات التي استُخدمت في المسرحية، التطريز الغريب على زيّ روميو، أثارت اهتمام النبلاء.”
نظرتُ حولي ببطء. كانت الأكشاك مليئة بأكياس صغيرة مطرّزة بخيوط لامعة، تمامًا كالهدايا التي تلقيتُها من قبل، ومليئة أيضًا بالأعمال الزجاجية والخشبية الصغيرة الجميلة.
“وهذا ما زال سرًّا.”
قالها غالرهيد هامسًا في أذني بنبرةٍ مازحة.
“صديقي في أومفا سيوقّع عقدًا لفتح متجر هناك.”
“حقًّا؟”
“نعم، هو من أريان، وكان متخصصًا في التطريز. قال إن الفرصة لا تأتي مرتين، وإن الوقت قد حان ليملك متجرًا حقيقيًا بدل كشك صغير. وبما أنّ تلك المحال مملوكة للإمبراطورية، فالإيجار أرخص بكثير من أي مكان آخر.”
“كنتِ حزينة لأنكِ لم تعودي تمرّين على تلك المتاجر، أليس كذلك؟ الآن، انظري كم تحسّن الوضع.”
أومأتُ برأسي. إن التغيّر بين أول مرة رأيتُ فيها أومفا وبين الآن كان مذهلًا فعلًا. كنت أحيانًا أشعر بالذنب، كأنّني في أثناء إعادة التطوير فوّتّ شيئًا مهمًا.
“كنت أتمنّى أن يزدهر التبادل التجاري مع التجّار الأجانب، ويبدو أن المسرحية جعلت بضائع فوغليش مشهورة. على كلٍّ، هذا أمرٌ رائع.”
“آه، ذاك الكشك هناك، صاحبه هو من سيوقّع عقد المتجر.”
كان الكشك مملوءًا بالأكياس الصغيرة التي أملك مثلها بالضبط.
“ها هو! هذا هو!”
قال شابٌّ بجانبي وهو يلتقط أحد الأكياس.
“يقولون إنه سرّ النجاح في الدراسة!”
‘ماذا؟’ التفتُّ إلى الجهة الأخرى. كان هناك شابّان في مثل عمري تقريبًا.
“يُقال إنّ كلّ من يعمل في مكتب الأمير إيدموند يحمل هذا!”
“سمعتُ ذلك أيضًا. من يحمل هذا الكيس ويتقدّم للامتحان، سيحصل على المركز الأول!”
كيف انتشرت هذه الإشاعة السخيفة؟ تذكّرت الكيس الصغير الذي ما زال في حقيبتي. هل انتشرت الشائعة بعد أن وزّعت زوجة أحد المبعوثين تلك الأكياس في مكتبنا؟
“لكن، أليست هذه الأكياس لطيفة أكثر من اللازم لنحملها نحن؟ ألوانها ناعمة جدًا.”
“صحيح. وما الذي سنضعه فيها أصلًا؟”
كان كلامهما منطقيًا. فبالنسبة إلى شابين، كانت الأكياس فعلًا ناعمة أكثر من اللازم. ربما لو كانت مناديل أو أربطة عنق لكان الأمر مختلفًا.
“ما بكِ؟”
سألني غالرهيد وقد كان يتأمل الأعمال الزجاجية في الكشك المجاور.
كانت كلّ من أريان ونيكيتا مشهورتين في مجالات مختلفة، لكنّ بينهما قاسمًا مشتركًا: حِرَفُهما تميل إلى الطابع العملي.
فالإمبراطورية بلغت حدّ الرفاه، لذا كان الناس يشترون ما هو فنّي أو ترفيهي، أكثر مما هو ضروريّ للحياة.
أمّا في فوغليش، حيث الناس فقراء، فكانوا يصنعون ما يحتاجون إليه يوميًّا.
حتى التطريز عند الأريانيين لم يكن للزينة بقدر ما كان للمنفعة ؛ ملابسهم بسيطة الألوان والتصميم، تركّز على الدفء في الشتاء والتهوية في الصيف.
أمّا نيكيتا، فكانت أعمالهم الزجاجية والخشبية متقدّمة، لكن ملابسهم بسيطة أيضًا.
‘لكن، ماذا لو تعاون هؤلاء مع الإمبراطورية؟’
لو نُقِشَت تلك التطريزات على أقمشة الإمبراطورية، وزُيّنت الأواني بتلك النقوش، أو لو صُنعت الأثاثات الخشبية وزُخرفت بالزجاج الملوّن؟
“أيها السيد، لديّ اقتراح!”
“نعم؟”
نظر إليّ صاحب الكشك بدهشة.
“الكثيرون يتفرّجون، لكن المشترين قلّة، أليس كذلك؟ أغلبهم نساء من الطبقة المتوسطة، وربما في منتصف العمر؟”
اتّسعت عينا الرجل بحدة.
“صحيح! كنت قَلِقًا بشأن ذلك. الناس يعجبهم ما يرونه، لكن قلّما يشترون.”
تنهد بعمق. بالفعل، لم يكن غريبًا. فهذه البضائع رغم جودتها، لم تكن جذّابة بما يكفي للنبلاء أو الشابات.
“تطريز أريان جميل، لكن ليصل إلى نبلاء الإمبراطورية، يجب تحسينه قليلًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 77"