“كيف كان؟ إنّه الأوبرا الأكثر شعبيّةً هذه الأيّام.”
لم يكن ممتعًا. حتّى لو أخذنا بعين الاعتبار أنّ هواية الأوبرا الرّاقية هي الأولى بالنّسبة لي، فإنّ هذا كان مملًّا بشكلٍ مفرطٍ حقًّا.
“… هل هذا حقًّا شعبيٌّ؟”
عند سؤالي، مال إيدموند برأسه متردّدًا غير متأكّدٍ.
“حسب دانتي؟ أمّا أنا، فبصراحةٍ لا أحبّذ مثل هذه الهوايات الرّاقية.”
هوايةٌ راقية. بالتّأكيد، في عالمي السّابق كانت كلّ ما أعرفه الأفلام المجانيّة التي أشاهدها أحيانًا على التّلفاز.
هل بسبب اعتيادي على القصص المثيرة والمؤثّرات البصريّة البرّاقة والإخراج؟ أم أنّني ببساطةٍ لا أستطيع مواكبة ترفيه هذا العصر؟
عرض الدّمى الذي رأيته في الشّارع المرّة الماضية كان ممتعًا باستثناء كونه طفوليًّا قليلًا. ويبدو أنّ ردود فعل النّاس كانت أفضل بكثيرٍ.
حتّى لو لم يكن هناك مرافق مسرحيّةٌ برّاقةٌ كعالمي الذي عشتُ فيه، فإنّ القصّة هي الأهمّ في المسرحيّة، أليس كذلك؟
“الأوبرا، المسرحيّة.”
عندما فكّرتُ في القصّة، خطرت لي فكرةٌ جيّدةٌ للتوّ.
“سموّك، لا، إيدموند. لقد خطرت لي فكرةٌ جيّدة.”
بالمقابل، كان ينظر إلى عينيّ بوجهٍ متجهّمٍ قليلًا وهو يضغط قبّعته جيّدًا.
“يبدو أنّ موعدنا اليوم قد فشل. مجيئكِ إلى هنا وتفكيركِ في العمل يعني أنّه كان مملًّا إلى هذا الحدّ.”
“لم يفشل.”
بالطّبع، من الصّحيح أنّ إيدموند كان مرتبكًا في البداية، لكنّ تلك الطّريقة كانت، بصراحةٍ، لطيفةً.
“هل أبحث عن أوبرا ممتعةٍ في المرّة القادمة؟”
“لا، الأوبرا بخيرٍ الآن.”
يبدو أنّ إجابتي جعلته أكثر انكسارًا.
“يبدو أنّه كان سيّئًا جدًّا.”
مسح إيدموند أنفه ثمّ سألني ، “ما هي الفكرة الجيّدة؟”
“هذا!”
أشرتُ إلى بروشور الأوبرا وابتسمتُ. نظر إليّ إيدموند مباشرةً كأنّه يقول استمرّي في الحديث.
“بصراحةٍ، مهما أجبرناهم على عدم التّمييز، إذا لم يتغيّر القلب من الدّاخل فلا فائدة، أليس كذلك؟”
“إذن؟”
“يجب تحريك القلوب!”
يجب أن يشعر مواطنو الإمبراطوريّة بالشّفقة الحقيقيّة على الأجانب. عندها فقط سيتوقّفون عن الرّفض ويحتضنونهم.
مهما حاولنا زرع الوعي المدنيّ فجأةً، فإنّ هؤلاء المغلوبين على أمرهم بالتّفوّق الإمبراطوريّ سيثورون بالتّأكيد.
“هل هذا بالأوبرا؟”
“بما أنّ الأوبرا صعبة الوصول حتّى للعامّة، فلنفعلها بمسرحيّة!”
“لكن هل ستغيّر مسرحيّةٌ واحدةٌ قلوب النّاس؟”
“بصراحةٍ، لا يمكن أن أجعل مشاهدة مسرحيّةٍ واحدةٍ تجعلهم يفكّرون ‘الآن يجب ألاّ نميّز ضدّ الفوغليشيين!'”
“إذن؟”
“مجرد ‘يا إلهي، يا للأسف’. إثارة الشّفقة وحدها كافية. وسيدركون قريبًا مدى سوء تصرّفاتهم.”
كان مفهومًا مجرّدًا، لكنّ الكلمة المفتاحيّة الأساسيّة كانت ‘الشّفقة’.
هناك من ينزعج من الشّفقة والرّحمة. لكنّني أعتقد أنّه يجب البدء بها. ألم يقل شوينهاور الشّهير إنّ الشّفقة هي أساس كلّ أخلاق؟
لا يشعر مواطنو الإمبراطوريّة بالشّفقة على من يُميَّز ضدهم لكونهم فوغليشيّين فقط. يعتبرون ذلك طبيعيًّا.
في مثل هذه البيئة، يصبح الفوغليشيّون ضعفاء اجتماعيًّا بالضّرورة. لذا أرى أنّ البداية الصّحيحة هي الشّفقة.
“إذن يجب أن نبحث عن كاتب مسرحيّ أوّلًا؟”
“آه، لا داعي لذلك! أنوي الكتابة بنفسي!”
“هل كتبتِ نصًّا مسرحيًّا من قبل؟”
بالطّبع لا. لكنّ لديّ خبرةً من مسابقات الخطابة والمقالات التي شاركتُ فيها، لذا أنا واثقةٌ أنّني سأنجح بطريقةٍ ما؟
في عالمي الذي عشتُ فيه، هناك أعمالٌ أدبيّةٌ متنوّعة.
لم أجرب الكتابة الإبداعيّة أبدًا، لكنّ كم عدد الأعمال الأدبيّة التي قرأتها أثناء حلّ قسم اللّغة في اختبار القدرات، والمقالات التي قرأتها وكتبتها للمناقشات!
إذا أضفتُ الحكايات الشّعبيّة والخرافات الإيسوبيّة منذ الطّفولة، فسيصل العدد إلى مئات الأعمال.
هل من المقبول تعديل أعمال مسرحيّةٍ موجودةٍ أثّرت بي واستخدامها قليلًا؟ أوّلًا، لن يثور جدلٌ حول السّرقة الأدبيّة في هذا العالم، والأهمّ أنّ الجودة مضمونة؟
سواء أكانوا نبلاء الإمبراطوريّة الرّاقين أم عامّةً مشغولين بالعيش. هناك موضوعٌ واحدٌ يحرّك قلوب الجميع بغضّ النّظر عن الجنس أو العمر.
إنّه الحبّ!
“قلتُ لك، لديّ فكرةٌ جيّدة.”
“نعم.”
“ما هذا، ألن تسأل عن الموضوع الذي سأكتب عنه، أو القصّة التقريبيّة، أو شيءٍ من هذا القبيل؟”
اعتقدتُ أنّ إيدموند، بما أنّه عمله، سيسأل بالتّفصيل عمّا هو.
“أنتِ من تفعلينه.”
مسح إيدموند خدّي بلطفٍ بقفّازه.
“إذن أنا أثق.”
“ماذا لو فشل؟”
هذا الإيمان الأعمى. كان محرجًا ومربكًا، فخرجتُ بكلامٍ قاسٍ دون قصد.
“ماذا لو فشل هذا المشروع ثمّ ألقيتَ اللّوم عليّ؟”
“لماذا يكون ذنبكِ؟”
سأل إيدموند كأنّه لا يفهم حقًّا.
“لأنّني من خطّطتُ له؟”
فسألتُ أنا أيضًا. أليس من الطّبيعيّ أن يتحمّل مسؤوليّة العمل من يقوم به؟
في عالمي الذي عشتُ فيه، كان الأمر دائمًا كذلك.
“أنا من اخترتُكِ.”
كان نبرته طبيعيّةً.
“إذا فشلتِ، فهذه مشكلةٌ في بصيرتي، لا مشكلتكِ. وكما قلتُ سابقًا، أنا أثق بكِ.”
“لماذا، لأنّنا نتواعد؟”
“مستحيل.”
ابتعدت يده التي كانت تمسح خدّي عنّي ببطء. كانت مجرّد دفءٍ لحظيّ، لكنّني شعرتُ بالأسف كأنّها كانت ملتصقةً لوقتٍ طويل.
“أثق بقدراتكِ. لقد أثبتِّ قدراتكِ بما فيه الكفاية حتّى الآن. أثق بما أظهرتِه من قدراتٍ حتّى الآن.”
ثمّ أمسك يدي بحذر.
اعتقدتُ أنّه يمكننا مسك الأيدي بما أنّنا نتواعد، لكنّني تفاجأتُ بالدّفء عندما أمسكها فعلًا.
التعليقات لهذا الفصل " 61"