يا لها من لحظة سيّئة لتحدث في وقتٍ قريبٍ من انتهاء الدوام.
“سأغادر أولًا.”
“هاهاها. وأنا أيضًا.”
“شكرًا على جهودكم جميعًا.”
بدأ الجميع ينسحب واحدًا تلو الآخر بخطواتٍ حذرة، إلى أن لم يبقَ سوى من لم يُنهوا عملهم: كامبيل، وإيكلا، ودانتي الذي أنهى عمله بالفعل لكنه بدا مترددًا في المغادرة.
آه، ومن يدري، لعل فيليكس مختبئٌ في مكانٍ ما أيضًا.
“آه… هل الملفّ سيّء إلى هذا الحد؟ ظننت أنّي أعددتُ له بحثًا دقيقًا، وكنتُ واثقةً من أنّه جيّد.”
“هاه…”
مع تنهيدة إيدموند، أصبح الجو أكثر برودةً وتوترًا.
“لو تخبرني فقط بما لم يُعجبك فيه …”
“اخرجوا جميعًا.”
بصوتٍ باردٍ قاطع، نهض كامبيل على الفور، بينما لم تستطع إيكلا رفع عينيها عن الأوراق أمامها، كأنّها ما زالت متعلقةً بها.
حقًا، من الواضح أنّها أكثر من يهتمّ بصدقٍ بمشروع فوغليش هذا.
“اهممم. إيكلا، سأساعدكِ في ذلك، لمَ لا تحملينه معكِ للخارج؟”
قال دانتي بعد أن سعل عدّة مرات، وجذب طرف سترتها بحذر.
“لكن غدًا هو يوم الافتتاح …”
قالت إيكلا بنبرةٍ يملؤها التردّد والحنين، قبل أن يجرّها دانتي للخارج.
وبقيت أنا و إيدموند وحدنا في المكتب.
يا تُرى، ما الذي أغضبه إلى هذا الحد؟
“هاه …”
تنهد إيدموند ثانيةً، ثم فتح درج مكتبه وأخرج منه ظرفًا، وقدّمه لي.
هل يمكن أن يكون هذا … خطاب استقالةٍ قسري؟!
“ما هذا؟”
“شايٌ جيّدٌ لتخفيف الانتفاخ.”
“… ماذا؟”
شاي؟!
فتحت الظرف بحذر، ففاحت منه رائحة أعشابٍ عطريةٍ لطيفة.
“ولمَ تُعطيني هذا؟”
بينما كنتُ حائرةً، رفع يده ومسح بخفّةٍ على جفنيّ.
كانت الحرارة الخفيفة ما تزال تُؤلم، فارتسمت على وجهي ملامح انزعاجٍ طفيف، فسحب يده بسرعة.
“ما هذا المظهر؟! كنتِ بخيرٍ البارحة.”
“آه، كنتَ تتحدث عن هذا …”
كنتُ أظنّه يتحدث عن الأوراق.
ليته فقط يُحدّد مقصده بوضوح من البداية!
“أحقًا بكيتِ لهذا الحد بسبب كتاب؟ كم كان حزينًا لدرجة أن تتورّم عيناكِ هكذا؟ ولمَ تشاهدين أشياء كهذه؟”
كِدتُ أن أضحك.
لقد أقلقني عبثًا. على كلّ حال، ما دام يُعطيني الشاي فشكرًا له، لكن تصرّفاته هذه تُربكني في كلّ مرة.
“إذًا أنتِ لم تكوني تتسوّقين وحدكِ أمس، أليس كذلك؟”
آه، اللعنة على السيد كريستوف!
“… حسنًا، لا بأس. من حقّكِ أن تري من تشائين. لستُ في موضعٍ لأتدخّل.”
كان صوته يحمل شيئًا من اللوم الذاتي.
ولكي أُغيّر الجو، سارعتُ بتبديل الموضوع.
“إذًا، هذا التعديل القانوني لا مشكلة فيه، صحيح؟”
“نعم. كالعادة، عملكِ متقن.”
يا إلهي، هل أثنى إيدموند عليّ لتوّه؟
ربما أُصِبتُ بالوهم، فمررتُ يدي على أذني أتحقّق.
“لكن، لمَ طردتَ الجميع إذًا؟ ظننتُ أنّك ستوبّخني.”
“لأنّي أردتُ أن نبقى وحدنا.”
… ماذا؟
حين يقول شيئًا كهذا فجأة، لا أدري بمَ أُجيب.
“همم، هيا بنا.”
“هاه؟”
“وقت الانصراف، أليس كذلك؟”
وقف إيدموند من مكانه، وشعرتُ بالارتياح لكسر الصمت، فخرجتُ من القصر، لكنّه سار معي حتّى الحديقة.
“أم، ألستَ ذاهبًا؟”
“سأوصلكِ.”
“ماذا؟ توصلني؟”
أصبح غريبًا في الآونة الأخيرة.
منذ متى يهتمّ بمسألة عودتي إلى المنزل؟
نظر إليّ بعينيه وكأنّه يقول: “ما المشكلة؟”، فلم أجد ما أقول، واكتفيتُ برفع كتفيّ.
“هاه، اليوم معكَ أخي الكبير”
“الأمير لوسيد؟”
كنتُ أراه كثيرًا في هذه المنطقة، لكنّي لم أتوقّع أن نلتقي اليوم أيضًا.
الجميع يعلم أنّ العلاقة بينه وبين إيدموند سيّئة للغاية.
“أوليفيا، وعدتِني أن نلتقي، فهل من العدل أن تأتي ومعكِ أخي الكبير؟”
“هاه؟! متى وعدتُ سموّك بذلك؟!”
يا إلهي، سيُسيء إيدموند فهم الأمر!
حين صُحتُ بدهشة، ضحك لوسيد بخبث.
“ألم يكن الأمر أشبهَ بوعدٍ؟ فأنا أوصلكِ كلّ يومٍ تقريبًا، أليس كذلك؟”
“كفّ عن هذه العبارات المريبة. أعلم أنّك لا توصلها سوى إلى البوابة.”
“انتظر، وكيف عرفتَ هذا يا سموّ الأمير؟”
“…”
لم يُجب إيدموند، واكتفى بالاحمرار وتنحنح قليلًا.
نظرتُ إلى لوسيد، فرفع كتفيه بابتسامةٍ جانبية.
وفجأة تذكّرتُ ما قاله سابقًا: “في الطريق إلى هنا، قتلتُ ثلاثة من الحرّاس”
هل يُعقل أنّ أولئك “الحرّاس” لم يكونوا حرّاسه هو، بل فيليكس؟
“لم أقل قط إنّهم كانوا حرّاسي”
قالها لوسيد بابتسامةٍ ماكرة.
يا رجل، في الموقف ذاك، من الطبيعي أن يظنّ أحدهم أنّك تعني حرّاسك!
“على كلّ حال، اليوم لا يمكننا الحديث عن أسرارنا الخاصة، ما دمتَ هنا يا أخي.”
أي أسرار؟! متى تحدّثنا نحن أصلًا عن أسرار؟
“أيّ أسرارٍ تتحدث عنها؟”
قال إيدموند ساخرًا.
“كلّ ما تفعله هو دعوتها إلى مكتبك، وقد رفضت.”
“لكن أوليفيا تواعد الآن غالرهيد، أليس كذلك؟ ربما ستقبل دعوتي لاحقًا، بعد أن تزول عنها الغشاوة.”
التعليقات لهذا الفصل " 55"