وفي اللحظة التي رفعتُ فيها رأسي على صوته المازح، رأيتُه.
“ا، انتظر لحظة!”
على ظهر يده اليسرى، كانت هناك ندبة واضحة لجرحٍ ناريّ.
نسيتُ أنّه أمير، وأمسكتُ يده مجدّدًا. كان على مفاصل أصابعه العريضة أثرُ جرحٍ قديم التئم منذ زمن.
“ه، هل هذه … إصابة بطلقٍ ناريّ؟”
كنتُ أعلم أنّ السؤال وقح، لكن لم أستطع تجاهله.
كان عليّ أن أجد صاحب الجرح … لأعيش.
“أوّل مرّة ترين إصابةً بطلق؟”
قالها إيدموند ببرودٍ واضح وهو يسحب يده منّي، ثم غسلها مجدّدًا بدقّةٍ مزعجة قبل أن يُخرج قفّازًا آخر ويرتديه ببطء.
الآن أتذكّر … إيدموند أيضًا نصف أجنبيّ، غريب عن هذه البلاد.
والصبيّ الذي رأيته حينها كان في الخامسة أو السادسة، وهذا الأمير يبلغ الحادية والعشرين الآن.
لكن هل كانت الندبة في اليد اليسرى أم اليمنى؟ لا أتذكّر بدقّة.
وفوق ذلك، كيف يمكن لأميرٍ أن يتجوّل في الشوارع وسط حربٍ أهليّة؟
“هل أسألك متى أصبتَ بها … أم أنّ هذا تطفّل؟”
رطبتُ شفتيّ وسألتُ. لكن ما إن سمع سؤالي حتى تجهّم وجهه تمامًا.
“أوّل مرّة أرى أحدًا يسأل وهو يعلم أنّه وقح. هل تملكين أكثر من حياة؟”
“بالطبع لا.”
‘هل يهدّدني بالقتل؟’ أحسستُ بقشعريرة في رقبتي، فوضعتُ يديّ عليها.
رمقني بنظرةٍ جانبيّة ونقر بلسانه قبل أن يقول: “أُصبتُ وأنا صغير. أثناء الحرب الأهليّة.”
حربٌ أهليّة؟ إذًا الزمن يطابق تمامًا.
“هل تحبّ الدمى؟ أو هل تشعر بشيءٍ حين تراني؟”
“… هل جننتِ أيتها الموظّفة جديدة؟”
“آسفة.”
نعم، كان سؤالي غبيًّا.
إيدموند و الدمى لا يبدوان مزيجًا محتملًا. وبينما كنتُ أتسلّل بنظري إلى يده المصابة، بدأ الموظّفون الآخرون يدخلون واحدًا تلو الآخر، فلم أستطع السؤال أكثر.
جلس أمام مكتبه بتلك الوضعية الدقيقة كخيوط شعره المرتّبة، يراجع الأوراق بعينٍ حادّة.
وعندما كان يرى شيئًا غير مرضٍ، كانت تجعداته بين الحاجبين تظهر، أمّا إن أعجبه شيء، فإنّ عينيه تنفتحان بسلاسةٍ لطيفة.
لكن … هل يمكن أن يكون هذا الرجل هو نفس الصبيّ الذي كان يحتضنني بحنانٍ منذ خمسة عشر عامًا؟ الفارق بينهما شاسع.
ومع ذلك، لو كان سيدي المفقود طوال تلك السنوات أميرًا، فليس غريبًا أني لم أجده.
ولأنّني لم أستطع تجاهل الاحتمال، قرّرتُ أن أتحقّق بنفسي.
بعد الدوام، استعنتُ بمعرفة الكهنة في تنظيف القفّاز الجلديّ بعناية، ثم اشتريتُ شوكولاتةً باهظة الثمن لم أجرؤ يومًا على شرائها.
وصلتُ إلى المكتب قبل الجميع بساعةٍ كاملة، لكنّه، كالعادة، كان قد سبقني.
“جلالتك.”
كان يرتدي اليوم سترةً زرقاء داكنة مطرّزة بخيوطٍ ذهبية، على عكس بزّته البسيطة المعتادة.
يا إلهي … لا عجب أنّه بطل الرواية.
دمه المختلط جعله طويل القامة متناسق العضلات، مما جعله يبدو مذهلًا في تلك السترة الفخمة.
“ما الأمر؟ لستِ مضطرّة للمجيء باكرًا إلى هذا الحدّ.”
‘لكنك تعلم أنّها الطريقة الوحيدة لأراك وحدك.’
“هذا لك!”
مددتُ له يدي بتردّد، أحمل فيها القفّاز المغسول والشوكولاتة المغلّفة بعناية.
ساد الصمت في المكتب، وبدأتُ أرتجف قليلاً من البرودة أو من التوتّر. ألا يجب أن يقول شيئًا على الأقل؟
“حقًّا غسلتهِ بنفسك؟”
“نعم؟ ألم تطلب منّي غسله؟”
رفع حاجبه باستغرابٍ متكبّر، ثم التقط القفّاز بأطراف أصابعه كأنه يحمل شيئًا قذرًا، ورماه في سلّة المهملات.
“ماذا … ماذا تفعل؟!”
“أتدرين من أنا؟”
“عفوًا؟”
“أنا وليّ عهد الإمبراطورية، إيدموند رايهارت.”
‘ومن لا يعرف هذا؟’ نظرتُ إليه بدهشة، فقال بجدّيةٍ صارمة:
“أتظنّين أنّ من كان في مقامي سيرتدي قفّازًا اتّسخ مرّة؟ كم أنتِ بليدة الإدراك.”
“آه … فهمت الآن.”
أطبقتُ فمي بقوّةٍ وكبحتُ ابتسامتي الزائفة، لأنّي كنتُ على وشك أن أشتمه.
“إذًا جرّب هذه الشوكولاتة على الأقل! اشتريتها من أكثر المحلّات شهرة، ووقفت في الطابور ساعةً كاملة بعد الدوام لأجلها!”
نظر إلى العلبة ثم نقر بلسانه وقال: “ولِمَ يأكل المرء كومة السكر هذه؟ لا تزيد سوى الدهون وتؤذي الجسد. لا أرى أيّ منطقٍ في ذلك.”
‘وأنا لا أرى منطقًا فيك أنت.’
“إذًا، ما الذي يعجبك؟”
سألته بابتسامةٍ متصنّعة، فأجاب بينما يرمي الشوكولاتة الثمينة في القمامة، تلك الشوكولاتة النادرة التي أردتُها أنا!
“أُعجب بالأشخاص الأكفاء. من لهم فائدة.”
واتّجه بنظره إلى الأوراق التي رفعتها له اليوم.
“قيمتكِ تُحدَّد بما تقدّمينه من عمل. وأنتِ الآن، مجرّد موظّفة مبتدئة.”
وأشار إلى مكتبي في الزاوية، قرب الباب.
“ذلك هو مكان المبتدئين. أمّا هنا …”
وأشار إلى المقعد المقابل له، مكان مساعده الشخصيّ دانتي.
“فهذا مكان الأكثر فائدة.”
‘إذن، في نظره، أنا الأقلّ فائدة من بين الجميع.’
نظرتُ بعزمٍ إلى مقعد دانتي وقلتُ: “سنرى ذلك!”
“نرى ماذا؟”
“سأجلس على ذاك المقعد قريبًا!”
“أنتِ؟”
ابتسم ساخرًا واتّكأ على كرسيّه بارتياحٍ متعجرفٍ بدا عليه وكأنّه خُلِق لتلك الوضعية.
التعليقات لهذا الفصل " 5"
السلام عليكم كان عندك مجموعة روايات ثانية حذفتيها؟