ما الذي سمعته للتو؟
هل كنتُ أتوهم بسبب قلة النوم؟
“ما الذي تفعلينه؟ ادخلي بسرعة واخلعيه.”
لم أكن أتوهّم إذًا!
تقاطعت ذراعاي ببطء أمام صدري لأتستر.
“لا يمكننا الذهاب في مهمةٍ سرّية بالزي الرسمي. اخلعيه وارتدي هذا.”
فتح إيدموند باب العربة فجأة وأشار إلى الداخل.
كان على المقعد ثوبٌ مطويٌّ بعناية.
“إذًا، لا تقُل لي أن أخلعه، بل قُل أن أبدله!”
“… بأي تفكيرٍ مشوشٍ تدورين الآن؟ هل أبدو لكِ رجلًا بلا حياء؟”
“ليس الأمر كذلك، لكنك فاجأتني عندما قلتَ ذلك فجأة!”
“يا صغيرة، ما كل هذه الأفكار المريبة في رأسك؟”
احمرّ وجه إيدموند وهو يدفعني إلى الداخل.
بصراحة، كان أي أحد يسمع كلامه سيفهمه خطأً.
تمتمتُ متذمّرة وأنا أتناول الثوب.
كان فستانًا عاديًّا للوهلة الأولى، لكن خامته فاخرة.
بل وحتى المقاس مناسب تمامًا.
ارتديتُه، ونظرتُ إلى انعكاسي في زجاج النافذة.
كما هو متوقّع من أوليفيا، وجهها الجميل يجعل حتى هذا الفستان البيج البسيط يبدو مذهلًا.
لكن، ما قصة هذه “المهمة السرّية” المفاجئة؟ ولماذا يخرج معي هو بالذات؟ أليس من المفترض أن يذهب مع حراسه؟
خرجتُ متذمّرة من العربة، فإذا بإيدموند يرتدي زيًّا بلونٍ مماثل.
ما هذا؟ وكأننا … نرتدي زيًّا مزدوجًا!
“تنحّي، عليّ أن أركب أيضًا.”
تجهم وجهه عندما وقفتُ في المدخل متسمّرة.
آه، إذًا سنركب العربة فعلًا، لم أكن أعلم، ظننتها فقط لتبديل الملابس.
أفسحتُ له الطريق بسرعة، فجلس بارتياح، وانطلقت العربة.
نظرتُ من النافذة، فكان فيليكس، الحارس، متنكّرًا بدور السائق يقود الحصان.
“بالمناسبة، إلى أين نحن ذاهبون؟”
“قررنا تفقد منطقة أومفا، أليس كذلك؟”
قالها وهو ينظر عبر النافذة.
“لكن ألم نقرر أن نذهب جميعًا نهاية الأسبوع؟”
“هل قلت ذلك؟”، أجاب بفتور.
ما هذا؟ لحظة، لا يمكن …
“هل لأنك أردت أن تكون وحدك مع إيكلا؟”
“ماذا؟”
“إن كان الأمر كذلك، فلمَ لا تقول لها مباشرة؟”
يا إلهي، أهو مفتونٌ بها إلى هذا الحد؟ تعبتُ من تبديل المواعيد لأجل هذا.
“ولم يخطر ببالكِ أنني أردتُ أن أكون معكِ أنتِ؟”
“… عذرًا؟”
هل سمعتُه جيدًا؟
“أعني، أنا أرتاح أكثر عندما أكون معكِ.”
“آه~ بالتأكيد.”
فمع إيكلا لا يمكنه أن يأمر وينهى كما يشاء.
أو ربما يشعر بالتوتر بقربها.
في النهاية، أنا الطرف الأسهل بالنسبة له.
أدرتُ وجهي غاضبة.
“ما الأمر الآن؟”
“لا شيء.”
“حقًّا؟ لما شفتيكِ متدلّيتان هكذا؟”
“ليستا كذلك.”
“أجل؟”
رفع إصبعه الطويل وطرق شفتيّ مرتين بخفة.
“إذن هذا ليس فمًا بل ذقن؟”
ابتسم ابتسامة خفيفة، كانت أطول من المعتاد، وربما لأنه نادرًا ما يبتسم، بدا وجهه على غير عادته …
جذّابًا بطريقةٍ غريبة جعلتني أنظر إليه مرارًا.
***
“واو، هذه هي منطقة أومفا؟”
كانت الطرق المرصوفة بالحجارة مستوية وسهلة لسير العربات.
الشارع الذي كان مليئًا بالنفايات صار مزيّنًا بالأشجار والأزهار.
المباني القديمة الكئيبة تحوّلت إلى مبانٍ نظيفة بألوانٍ هادئة.
“جميلة جدًا.”
حتى المساحات بين الأبنية امتلأت بالعشب الأخضر.
من يراها الآن لن يصدق أنها كانت يومًا بؤرةً للقذارة.
“حقًّا، منظرها جميل.”
“سنقيم حفل الافتتاح هنا، أليس كذلك؟”
كانت أومفا سابقًا متاهة من الأزقة الضيقة، لكن بعد إعادة التخطيط، أنشِئَت حديقة صغيرة للأطفال، تظللها شجرة كبيرة وتحيط بها أزهار ملوّنة.
وفي وسطها نافورة بسيطة مرصوفة بحصى بيضاء، ليست فخمة لكنها تبعث السلام في النفس.
“صحيح، سنقيم الافتتاح هنا، ثم يسير جنود الحرس نحو سكنهم الجديد.”
“هل نذهب إلى هناك إذًا؟”
كان السكن في أبعد نقطة من المنطقة، لذا يجب أن نتفقد الطريق إليه.
سرنا معًا في الشارع الهادئ، فما عدا زقزقة العصافير لم يُسمع سوى وقع أقدامنا.
“هل وصلتِ إلى المنزل بسلام ذلك اليوم؟ أعني، بعد موعدكِ معه.”
“آه، نعم، غالرهيد أوصلني.”
ساد الصمت من جديد.
“… إذن أنتما تتواعدان الآن؟”
“لا؟”
“حقًّا؟”، بدا مندهشًا.
“يعني، ليس كل موعدٍ يعني أننا أصبحنا حبيبين.”
في عالمي السابق، هناك شيء اسمه “فترة التعارف”.
“صحيح … في هذه الأيام من الأفضل أن يلتقي المرء مراتٍ عدة قبل أن يقرر.”
“بالضبط!”
بهذه اللقاءات سأعرف إن كان غالرهيد هو السيد الحقيقي أم لا.
“… إذن، لن تقولين لي بعد الآن تلك الكلمات؟”
“أي كلمات؟”
“كأن تطلبي أن نخرج في موعد أو ما شابه.”
توقفتُ في مكاني، كنا على بعد خطوات من سكن الحرس.
هل يمزح الآن؟
حتى من دون أن يقول شيئًا، سمعتُ ما قاله لوسيد، ولذا لم أعد أنوي التمسك به كما من قبل.
“ألستَ من طلب مني التوقف عن الاعتراف لك؟”
مهما كان اعترافي حينها مزاحًا أو مجاملة، يبقى مؤلمًا أن يُرفض الإنسان مرارًا.
“… إذن، هل تخلّيتِ عن مشاعركِ فعلًا؟”
ماذا الآن؟ هل يبدو عليه الأسف؟ هل اشتاق إلى مطاردتي له؟ هل هي تلك النزعة التي تقول: المرأة التي تتوقف عن ملاحقتي تثير فضولي؟
“ليس تمامًا، فالمشاعر ليست ورقة تُطوى وتنتهي.”
“حقًّا؟”
ابتسم بخفة وهو يتابع السير، وكأن جوابي راقه.
ما به اليوم؟
لم أستطع فهم تقلب مزاجه، لكن ما كان عليّ سوى أن أتبعه.
“إذن هذا هو سكن الحرس.”
“بُني بإتقان، يبدو رائعًا.”
“هل نُلقي نظرةً بالداخل؟”
“هل يُسمح بذلك؟”
“من سيمنعني؟”
آه، هذه هي قوة الأمير حقًّا.
فقد أُغلِق مدخل المنطقة فقط، لا الأبنية نفسها.
“لنلقِ نظرةً إذًا!”
شعرتُ بحماسةٍ كأنني أزور منزلًا نموذجيًّا.
دخلتُ، وكان التصميم الداخلي بسيطًا لكنه دافئ.
“أوصيتهم بالاهتمام بالديكور.”
قال إيدموند وهو يشرح بينما أنظر حولي بإعجاب.
النوافذ كثيرة لتسمح بدخول الضوء، والغرف مجهّزة بستائر داكنة لمن يعمل بنظام المناوبات.
كل شيء جديد، من الأسرة إلى المفارش، والحمامات نظيفة ومرتبة.
“آمل أن يعجبهم المكان.”
“سيسرّهم بالتأكيد، فهو أفضل من السابق بكثير.”
“وقد أضفتم مداخل متعددة للمنطقة، صحيح؟”
سابقًا كان هناك مدخل واحد فقط، لكن في إعادة التطوير أُنشئت أربعة مداخل.
“نعم، كي يتمكن الحرس من التجوّل في كل شارع بسهولة.”
حقًّا، إيدموند حادّ الذكاء كالعادة.
بعد أن فتحتُ بضع غرف أخرى ووجدتها متشابهة، خرجتُ.
“هكذا نكون قد أنهينا الجولة!”
تفقد منطقة أومفا، تمّ بنجاح!
نظرتُ إليه مبتسمة وسألت: “يا صاحب السمو، بما أن هذه مهمة ميدانية سرّية … فهي عملٌ خارجي، أليس كذلك؟”
“… إن أردتِ الدقّة، نعم. وقد انتهى الآن.”
“إذن، هل يمكنني المغادرة مبكرًا؟”
فالمغزى من العمل الميداني الحقيقي هو الانصراف باكرًا!
“ظننتُ أن لديكِ الكثير من العمل.”
“آه، لقد انتهيت منه.”
فغالرهيد يمكنني لقاؤه نهاية الأسبوع، ولم يعد هناك داعٍ للاستعجال.
“حقًّا؟ هذا جيد.”
ثم أشار لي برأسه قائلًا: “تعالي.”
“هاه؟”
ألم يقل إننا انتهينا؟ أليس المفترض أن نعود؟
“إلى أين؟ هل هناك مكان آخر؟ ألم تنتهِ المهمة؟”
قال قبل قليل إنها انتهت!
كنتُ أظن أننا سنعود، لكنه يبدو مصرًّا على إبقائي معه.
“انتهى العمل.”
قالها وهو يمدّ يده نحوي.
ما الأمر؟ لماذا يمدّ يده …؟
“أي إن ما سنفعله الآن ليس عملًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 45"