عاد إيدموند إلى قصره حاملًا الشوكولاتة، وغرق في التفكير للحظات.
كانت صورة أوليفيا وهي تركض نحوه يوميًّا بسرعة تشبه السنّور. صغيرة وهشّة، لكنّها تجمع الجوز بحزم، تمامًا كأوليفيا التي تنجز مهامها بكفاءة.
“ربّما أناديها بالسنّور بدلًا من الصغيرة في المرّة القادمة.”
تخيّل إيدموند أوليفيا وهي تصرخ “لستُ سنّورًا!”، فضحك بهدوء.
“نعم، يجب أن أعطيها بعض الدواء.”
كان إيدموند يحبّ الأعشاب الطبيّة المفيدة للجسم ويتناولها بانتظام. رغم أنّ الآخرين يرون أنّ جسده قويّ بما يكفي، إلّا أنّه كان يفضّل الأعشاب المرّة على الأطعمة الحلوة الضارّة.
بما أنّه أصاب كتفها وكاحلها وجبينها مؤخرًا، فقد بدا له أنّ الأعشاب الطبيّة أفضل من الشوكولاتة كاعتذار.
“سأقول لها أن تأكل هذه الأعشاب لتتعافى”
أخرج إيدموند كميّة وفيرة من الأعشاب الثمينة التي كان يحتفظ بها لنفسه، وابتسم بفخر.
إذا رأت هذا، قد تعترف بحبّها على الفور.
تمتم قائلًا إنّ ذلك سيكون مزعجًا، لكنّ زاوية فمه المرتفعة لم تنخفض.
***
“…ما هذا؟”
كالعادة، جاء فيليكس قبل شروق الشمس لمرافقة سيّده، ونظر إلى إيدموند بذهول.
“ماذا؟”
“أمس، ألم تشترِ الشوكولاتة فقط؟”
“صحيح. هذا مجرّد … هديّة اعتذار.”
“أعشاب طبيّة؟”
“أليست أكثر قيمة من الشوكولاتة؟ إنّها أغلى بكثير، ومفيدة للجسم أيضًا.”
هزّ فيليكس رأسه بهدوء. كان يرى أنّ علاقة سيّده العاطفيّة في خطر إذا استمرّ على هذا النحو.
“همم، لا أعتقد أنّ الناس يقدّمون الأعشاب الطبيّة كهديّة اعتذار…”
“حقًا؟ لكنّني دائمًا أقدّم مثل هذه الأشياء لجلالة الإمبراطور عندما يكون مريضًا.”
“ذلك مختلف تمامًا.”
ابتسم فيليكس بتكلّف، ممتنعًا عن قول المزيد.
“في رأيي، بما أنّ أوليفيا فتاة، ربّما تفضّل الزهور.”
“…زهور؟”
رفع إيدموند حاجبًا.
زهور؟ هل يطلب منه الآن أن يحمل باقة زهور ويعطيها لها؟ بالتأكيد، ستفتح أوليفيا عينيها بدهشة وفرح.
مهما كانت الزهرة، ستبتسم بسعادة.
“…زهور.”
لا يحبّ الزهور، لكنّ تلك الابتسامة قد تكون جميلة جدًا.
تخيّل إيدموند تلك الابتسامة وشفتاه تنفرجان قليلًا.
“إذن، هل أقطف واحدة من الحديقة في طريقي؟”
“أوه، فكرة رائعة! حديقة القصر مليئة بالورود الجميلة هذه الأيام!”
“الورود كثيرة جدًا… لكن.”
“تبدو كأنّها اعتراف بالحبّ.”
تمتم إيدموند.
“ماذا؟ لماذا؟”
تجاهل إيدموند فيليكس المندهش، وخطا بخطوات واسعة.
كان البستانيّ النشيط في الحديقة منذ الصباح الباكر.
بينما كان يختار الزهور لتزيين غرفة الإمبراطور، فوجئ بظهور إيدموند المفاجئ، فأسقط كلّ الزهور التي كان يحملها.
“سـ، سموّك إيدموند؟”
لم يكن هذا الرجل، الذي لا يفرّق بين الأعشاب الضارّة والزهور، يأتي إلى هنا عادةً. توتّر البستانيّ خوفًا من أن يفقد وظيفته.
“هنا، شيء ما… أعني…”
حاول إيدموند شرح شيء، لكنّه نظر إلى الزهور التي أسقطها البستانيّ.
“تلك الزهرة.”
“هل تقصد هذه؟”
“نعم، تلك. الزهرة الزرقاء.”
مدّ البستانيّ يديه المرتجفتين، وسلّم إيدموند باقة من زهور الدلفينيوم التي قطفها في الصباح.
“هذه دلفينيوم.”
“هذه مناسبة.”
كانت صغيرة ورقيقة، تشبه أوليفيا تمامًا.
“هل تكفي؟”
تنهّد فيليكس أمام سؤال إيدموند المتفاخر.
أراد أن يقول إنّ تقديم زهرة سقطت على الأرض ليس مناسبًا، لكنّه اعتبر هذا تقدّمًا كبيرًا على أيّ حال.
***
“أين أضع هذا؟”
عندما حان وقت تقديمها، شعر إيدموند فجأة بالخجل. إذا وضعها على المكتب، ستسأله أوليفيا فور وصولها عما هذا.
وإذا حدث ذلك، لن يتمكّن من قول ما يريد.
فكّر إيدموند، ثمّ فتح درج مكتبه.
كان مليئًا بالوثائق المهمّة، لكنّ ذلك لم يكن يهمّه الآن.
أخرج الوثائق المرتبة بعشوائيّة، ووضع بداخل الدرج الشوكولاتة التي اشتراها أمس، والأعشاب التي اختارها بنفسه، والزهرة التي أحضرها هذا الصباح.
الآن، عندما تأتي أوليفيا إلى العمل، سيعطيها هذه الأشياء ويعتذر.
“أين الملاحظة التي كتبتها أمس؟”
بينما كان إيدموند يستند إلى ذقنه، يتدرّب على الموقف عندما تأتي أوليفيا، فُتِح الباب فجأة، فتجمّد في مكانه.
“….”
ابتلع إيدموند أنفاسه.
كانت أوليفيا جميلة دائمًا، لكنّها بدت اليوم وكأنّها بذلت جهدًا إضافيًّا. جلست في مكانها وهي ترمش بعينيها.
‘ما هذا؟ لماذا هي جميلة جدًا؟’
عضّ إيدموند شفته السفلى بقوّة. أراد أن يقول شيئًا لأوليفيا التي كانت تلقي نظرات متكرّرة نحوه.
‘تبدين جميلة اليوم.’
ثلاثة كلمات فقط.
لكنّه لم يستطع قولها، وبدلًا من ذلك قال: “جئتِ مبكرة.”
كلام فارغ.
رأى إيدموند أوليفيا، التي كانت عادةً تثرثر فور رؤيته، تردّ باختصار وتنظر إلى الوثائق. مسح عرق يديه على بنطاله مرّات عديدة.
“…هل جبينكِ بخير؟”
نعم، يجب أن يعتذر أولًا.
فكّر إيدموند وهو ينطق بكلمات الاعتذار.
“لم أكن أعلم أنّني سأدفعكِ بتلك القوّة …”
نظر إلى الملاحظة التي كتبها أمس بعد تفكير طويل: [هذه أعشابي الثمينة، جيّدة لاستعادة الطاقة، فتناوليها بانتظام. يجب أن تكوني بصحّة جيّدة.]
كلّ ما عليه هو قراءتها. ابتلع إيدموند ريقه.
“همم، هذا، أقصد …”
بينما كان يفتح الدرج ليخرج الهديّة، سمع صوتًا: “أوليفيا! لماذا أنتِ جميلة جدًا اليوم؟”
بدأ الآخرون بالدخول.
ندم إيدموند على عدم التحدّث مبكرًا، لكنّه فكّر أنّ هناك فرصة أخرى. أغلق الدرج.
شعر بالندم عندما رأى أوليفيا تبتسم بسعادة للمديح.
كان يجب أن يكون هو من يقول ذلك أولًا.
“أنتِ جميلة جدًا!”
بينما كان الجميع يمدحون مظهر أوليفيا، تحرّكت شفتا إيدموند. ربّما يمكنه قول ما لم يقله الآن، بطريقة طبيعيّة مثل بقيّة مرؤوسيه.
أنتِ جميلة اليوم.
كلمة واحدة بسيطة، بشكل طبيعي.
“لديّ موعد غراميّ!”
في تلك اللحظة، عندما سمع الاسم الذي نطقت به، عضّ إيدموند شفته حتّى كاد يدميها دون أن يشعر.
‘كاحلها يؤلمها، وكتفها لا يزال يؤلمها.’
ومع ذلك، أيّ موعد هذا؟
شعر إيدموند بالضيق. كان ينظر إلى الوثائق، لكنّ عينيه كانتا تتبعان أوليفيا.
كان يزعجه أن ترتب الوثائق وهي تلامس كتفها الأيمن بيدها اليسرى بسبب الألم.
‘هل أعطيها إجازة مرضيّة بالقوّة؟’
لكنّه إذا فعل، لن يراها.
وماذا لو زارها غالرهيد في منزلها بحجّة العلاج؟
لم يكن يريد رؤية ذلك المشهد أبدًا.
‘موعد؟ في مثل هذا الوقت؟’
حاول التفكير في طريقة لتأجيل موعدها، لكنّ أوليفيا أنهت ترتيب الوثائق بكفاءة وغادرت.
“هل تجاهلتني الآن؟!”
بعد أن ركضت أوليفيا للخارج، صرخ إيدموند في المكتب ورمى كومة من الأوراق.
تقلّص الجميع في أماكنهم وغادروا المكتب بهدوء.
“هل هذا معقول؟ ألم تعترف لي بحبّها أمس؟”
“لكنّك دائمًا تتجاهلها. وبما أنّك قلق من الشائعات، أردت التخلّص منها بسرعة، أليس كذلك؟”
هزّ فيليكس كتفيه. شعر أنّ سيّده يستحقّ ذلك.
“لذلك يقولون كن لطيفًا عندما تكون الفرصة متاحة.”
“هذا مذهل. هل كانت كلماتها لي مجرّد كلام؟”
ضرب إيدموند المكتب بخفّة. انهارت الوثائق التي أخرجها صباحًا على الأرض.
“اللعنة!”
فتح الدرج بعنف. كانت الهديّة التي لم يتمكّن من تقديمها تزيّن جانبًا من الدرج.
رمى الزهرة التي اختارها بعناية في سلّة المهملات، وكذلك الشوكولاتة التي انتظر في الطابور لشرائها.
‘نعم، كنت أعلم ذلك.’
لم يكن من المعقول أن تكون كلمات الفتاة التي أعلنت حبّها فجأة صادقة. كان ذلك متوقّعًا. كلّ ما تعرفه عنه هو اسمه ومنصبه، فكيف يمكن أن تكون مشاعرها عميقة؟
التعليقات لهذا الفصل " 35"