3
كنتُ أتجوّل كثيرًا في الشوارع التي مزّقتها الحرب الأهليّة بحجّة القيام بخدمة تطوعيّة، لكنّني في النهاية لم أستطع العثور على سيدي.
حسنًا، لو كان العثور عليه بهذه السهولة، لما قدّم لي الشيطان ذلك العرض أصلًا.
كنتُ أعود كلّ يوم إلى المعبد حاملة سلّة خبزٍ فارغة، أجرّ خطواتي بتعب.
وبينما كنتُ أعود اليوم، صادف أن الكاهن الأكبر عاد أيضًا من القصر الإمبراطوري، فاجتمعنا معًا في قاعة الصلاة.
“اعتبارًا من اليوم، انتهت الحرب الأهليّة. سيُعلَن الخبر رسميًّا قريبًا.”
“هل سيصبح جلالته الإمبراطور؟!”
اتّسعت عيناي متظاهرةً بالدهشة، لكن في داخلي زفرتُ تنهيدة.
يبدو أنّ الفصل الأوّل من الرواية قد بدأ رسميًّا.
“نعم. سيصبح جلالته الإمبراطور.”
كاي رايهارت.
كان ذلك الرجل أصغر أمراء الإمبراطوريّة، وقد أحبّ راقصة من شعب فوغليش وتزوّجها، وهو والد بطل هذه الرواية.
كان من حيث الترتيب الأدنى في ورثة العرش، لكنّ النبلاء اختاروه إمبراطورًا ليهدّئوا غضب الأجانب مستغلّين زواجه من فوغليشية.
وفي الرواية الأصلية، كان هذا الإمبراطور يأسف بصدقٍ على التمييز ضدّ الأجانب والعامّة، ويُصلح العديد من القوانين.
“أوليفيا، جلالته الجديد معروف بتسامحه مع الأجانب، لذا سيظهر ذلك الصبي قريبًا.”
“نعم! آمل أن نجده سريعًا!”
ابتسمتُ بوجهٍ مشرق، فنظر إليّ الجميع برضا.
حين يصبح كاي إمبراطورًا، سيتمكّن العامّة أيضًا من العمل في القصر إن كانوا ذوي كفاءة.
وبطبيعة الحال، كلّما امتلك المرء سلطةً، أصبح العثور على الناس أسهل.
“يا كاهننا الأكبر، لديّ طلب.”
“طلب؟”
“أريد … أن أدرس!”
قلتُ ذلك بعينين تلمعان.
“وأريد أن أعمل في القصر الإمبراطوري!”
“في القصر؟”
“بما أنّ جلالته الجديد سيُطلق سياساتٍ لصالح الأجانب، فقد يظهر ذلك الصبي أيضًا! ربما سيعمل هناك كذلك!”
رفرفتُ بذراعيّ بحماسٍ طفولي، فابتسم الكاهن الأكبر وهزّ رأسه.
“يذكّرني هذا بأحد الكهنة الذين تخرّجوا الأوائل من المدرسة اللاهوتيّة …”
“… هل تقصد الكاهن روان؟”
روان؟ أليس أمين مكتبة المعبد؟
“هذه الفتاة تملك روحًا مولودة من أجل اللغة.”
وضعتُ يدي على فمي بدهشة.
كما هو متوقّع، الكاهن الأكبر لا يُخطئ في حدسه!
“إنّها روحٌ خُلقت لتقضي حياتها في طلب العلم. فلتدرس إذًا.”
يا إلهي، هذا الكاهن يعرف كيف يقرأ المصير حقًا.
أن أدرس مدى الحياة؟!
قطّبتُ حاجباي للحظة، لكنّي تداركت نفسي وأعدتُ تنظيم ملامحي أمام الكهنة.
وهكذا، بعد أيّامٍ قليلة، أصبحتُ أعمل في مكتبة المعبد.
وهناك التقيتُ روان لأوّل مرّة.
كان من النوع الذي يبدو أنّه قضى حياته بين الكتب.
نظّاراتٌ سميكة، جسدٌ نحيف، ظهرٌ محنيّ من كثرة القراءة، وبشرةٌ باهتة كمن لم يرَ الشمس طويلًا.
“…أأنتِ الفتاة التي طلب الكاهن الأكبر منّي أن أعلّمها؟”
“نعم!”
“لكن … كيف أُعلّم من لا يعرف الحروف؟”
آه، يا للعار! أنا، الطالبة المتفوّقة في كوريا، لا أعرف القراءة هنا!
كنتُ واثقة من لغتي، لكنّني صرتُ أمّيّة في هذا العالم!
أسمع الكلمات جيّدًا، لكن ما أراه ليس سوى خطوطٍ ملتوية! يا لغبني!
“أ-أنا أجيد التنظيف! ولديّ قوّةٌ أيضًا!”
لم أُرِد أن أطرد في أوّل يومٍ لي، فرفعتُ الكتب الثقيلة التي كان يرتّبها روان، متباهيةً بقوّتي.
“إذًا، أوليفيا.”
عهد إليّ روان بمهمّة تنظيف المكتبة.
لكن بصراحة، لم يكن هناك الكثير لأنظّفه، فالكهنة جميعًا كانوا مرتّبين جدًا، مما منحني وقتًا كافيًا للدراسة.
***
“أنتِ تتعلّمين بسرعة مذهلة.”
طبعًا! لديّ سنوات من الخبرة في الدراسة!
أمسكتُ القلم بخفّة وأنا أشعر بالفخر.
كان روان كاهنًا طيّبًا واسع المعرفة.
“كنتُ أظنّ أنكِ ستتقنين اللغة الإمبراطوريّة بسرعة، لكن…”
تأمّل الكتب التي درستها خلال شهرٍ واحد وتمتم بإعجاب.
من اللغة القديمة إلى لغة نيكيتا، ثم لغة آريان …
آه، ما أمتع تعلّم اللغات!
حين علم الكاهن الأكبر بذلك، ربّت على رأسي ثم جثا قليلًا ليقابل نظري.
لقد عاد للتوّ من جولةٍ في أنحاء الإمبراطوريّة لإصلاح ما دمّرته الحرب.
كنتُ أودّ الذهاب معه للبحث عن سيدي، لكنّه قال إنّ جسدي الصغير لن يحتمل السفر، ورفض أخذي.
“هل كنتِ بخير في غيابي؟”
“نعم!”
أزحتُ بحذر خصلات شعري الزرقاء خلف أذني وسألتُه بتردّد: “هل سمعتَ شيئًا عن ذلك الصبي؟”
“للأسف لا. بحثنا كثيرًا، لكن لم نجد أثرًا له. ربما ليس في الإمبراطوريّة أصلًا.”
قال ذلك بأسف، فأخفضتُ نظري.
يبدو أنّ العثور عليه لن يكون بهذه السهولة بعد كلّ شيء.
***
حين بلغتُ العاشرة، بدأتُ أتنقّل في أنحاء الإمبراطوريّة حقًّا.
كنتُ أزور المعابد وأشارك الكهنة في خدمة الأجانب، أبحث في كلّ مكانٍ عن سيدي.
لكن لم أجد أيّ غريبٍ يحمل أثر طلقةٍ على يده.
ومع مرور الوقت، تغيّر كلّ شيء.
امتدّت أطرافي الصغيرة، واختفت خدودي الممتلئة.
فقد بلغتُ العشرين من عمري.
“يا إلهي، أوليفيا. أنا فخورٌ بك.”
“أوه، روان، لا تبكِ هكذا.”
ربّتُّ على كتفه بينما كان ينشج وهو يحدّق في شهادة قبولي.
“من كان يصدّق؟ تلك الطفلة الصغيرة أصبحت الآن أوّل المتخرّجين، وستعمل إداريّة في مكتب وليّ العهد الأوّل!”
كانت هذه الرواية تدور حول وليّ العهد الأوّل إيدموند المولود من الإمبراطورة الغريبة، ووليّ العهد الثاني لوسيد ابن الإمبراطورة المحليّة التي تكره الأجانب.
وكلاهما يقع في حبّ الغريبة إيكليا، البطلة.
كان إيدموند، بطل الرواية، نصف دمٍ، لذا كان متسامحًا مع الأجانب، وعلى عكس لوسيد، سنّ العديد من السياسات لصالحهم.
لذلك، ربما يعرف أحد في مكتبه شيئًا عن سيدي.
لهذا درستُ بجدٍّ لأعمل هناك، ونجحتُ أخيرًا.
***
لكن … أين أنا الآن بحقّ السماء؟
“أضعتُ الطريق …”
يا للمصيبة! أول يوم لي وسأتأخّر! سيكوّن عنّي انطباعًا سيّئًا بالتأكيد!
كان القصر الإمبراطوري واسعًا بلا داعٍ.
تذمّرتُ وأنا أبحث عن الطريق، ثم رأيتُ رجلًا.
شعره كستنائي داكن، بشرته ناصعة البياض، ورموشه الطويلة تُلقي ظلًّا ناعمًا على عينيه الخضراوين كربيعٍ دافئ.
كان يرتدي قميصًا بيجًا يناسب لون عينيه وسروالًا بنيًّا أنيقًا.
لا يبدو موظّفًا، ولا جنديًّا أيضًا رغم بنيته القويّة.
لكن لا بأس، المهم أنّه يمكن أن يدلّني على الطريق.
“عذرًا!”
“مَن هناك؟!”
فجأةً، قفز رجلٌ من فوق الشجرة ووقف أمامي!
“أ-أنا بشرية!”
“هاه!”
ضحك الرجل الكستنائي، وربّت على كتف الحارس الذي أوقفني.
“انظر إلى لباسها، يبدو أنّها الموظّفة الجديدة.”
ثمّ نظر إليّ من رأسٍ إلى قدم، وابتسم بعينين نصف مغمضتين.
“إذن، ما الأمر؟”
لماذا يتحدّث إليّ هكذا؟ هل هو من النبلاء؟
في المعبد لا معنى للطبقيّة، لذا ما زلتُ غير معتادة على هذا النظام.
لكن وجود حارسٍ بجانبه يدلّ على أنّ مكانته عالية.
“أنا … أوليفيا، وسأعمل من اليوم في مكتب وليّ العهد الأوّل.”
انحنيتُ بأدب كما تعلّمت.
“أوه، موظّفةٌ جديدة بمعدّلٍ ممتاز إذن.”
تلك النظرة المائلة في عينيه لم تعجبني أبدًا.
ظننتُ أنّه سيعرّف بنفسه بدوره، لكن لا نية له بذلك.
الوسامة لا تُصلح قلّة التهذيب!
“أعتذر، لكن أين أجد مكتب وليّ العهد الأوّل؟”
“أضعتِ الطريق إذًا؟”
ابتسم بهدوء وأشار بيده.
“هناك.”
“شكرًا جزيلًا!”
ركضتُ دون تردّد إلى الاتجاه الذي أشار إليه، لكن ما إن وصلتُ، اكتشفتُ أنّه الاتجاه المعاكس تمامًا!
لعنتُ الرجل الوسيم المجهول في سرّي، ووصلتُ متأخّرة ساعةً كاملة عن الموعد.
“أ-أنا آسفة جدًّا لتأخّري!”
كان شعري المرتّب فوضويًّا من الجري، وبشرتي التي كانت ناعمة بالمكياج تلمع بالعرق الآن.
“لقد جئتُ في الوقت المحدّد، لكن … أضعتُ الطريق، ثمّ دلّني أحدهم بطريقةٍ خاطئة!”
لهثتُ وأنا أشرح، لكن لم أتلقَّ أيّ ردّ.
آه … يبدو أنّني فعلاً بدأتُ عملي بانطباعٍ سيّء.
“اسمكِ.”
كلمتان فقط، لكنّ صوته حمل رهبةً ثقيلة.
بشرةٌ سمراء لامعة، عينان حمراوان قانيتان — كلّما كان دمُ فوغليش أنقى، كانت العين أكثر احمرارًا.
شعرٌ أسود مصفّف بعناية للخلف، يُظهر فكّه الحادّ وملامحه القاسية.
تحت القميص الأبيض المتين، كان جسده العضليّ يتحرّك بوضوح مع كلّ حركة.
من المؤكّد أنّه نصف دم، فالإمبراطوريّون الخالصون لا يمكنهم بناء جسدٍ كهذا مهما تمرّنوا.
“اسمكِ. هل يجب أن أكرّر سؤالي؟”
أسرعتُ بانحناءةٍ عميقة مجدّدًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"