2
“ألا تُريدين أن تُبرمي عقدًا معي؟”
شعرٌ فضّيّ ناصع وعيونٌ حمراء.
كان يبدو كالملاك، غير أنّ الأجنحة على ظهره كانت شيطانيّة مهما نظرتُ إليها.
“أستطيع أن أجعلكِ إنسانة.”
لكن لم أستطع مقاومة إغراء كلماته.
أن أظلّ دميةً ملقاة في الشارع، تُركل وتُداس، كان أمرًا لا أريده.
‘ما الشروط؟’
حين سألتُه، ارتسمت على شفتيه ابتسامة جميلة.
“سأجعلكِ فتاة في الخامسة من عمركِ. لذا عليكِ أن تجدي سيّدكِ قبل أن تبلغي العشرين. وعليكِ أن تنالي حبّه.”
‘حبّه؟’
“ذلك هو الشرط.”
إذًا، عليّ أن أسرق قلب سيّدي؟
“إذا فعلتِ ذلك، فسأُعيدكِ إلى عالمكِ الأصلي. قبل يومٍ واحد من وقوع الحادث.”
العالم الأصلي … قبل الحادث بيوم؟
إذًا يمكنني أن أعيش من جديد. أن أرى أمّي مجددًا.
‘هل هذا صحيح؟’
“بالطبع.”
رغم أنّ في الأمر شيئًا مريبًا، فإنّني لم أكن أملك رفاهية التفكير كثيرًا.
العودة للحياة كانت تستحق عقدًا حتى مع الشيطان نفسه.
أما موضوع نيل الحبّ فذاك أمر مؤجّل.
‘حسنًا.’
ما إن أنهيتُ جوابي حتى قال الشيطان إنّه خيار رائع، وبدأ يتلو تعاويذه.
غمرتني فجأةً أنوارٌ بهيّة، وتبدّلت رؤيتي للعالم.
“هاه … الآن يمكنني التنفّس أخيرًا.”
يا لها من نعمة أن أستطيع التحدّث والتحرك بإرادتي!
حرّكتُ يدي الصغيرة وأنا أحدّق في الشيطان.
“عليَّ إذًا أن أجد ذلك الصبيّ خلال خمسة عشر عامًا، وأكسب قلبه، أليس كذلك؟”
“صحيح. وهذه هي وثيقة العقد.”
ابتسم الشيطان ابتسامةً خبيثة هذه المرّة، ثمّ نقر بأصابعه،
فانبعث ضوءٌ في الهواء لتظهر ورقة مكتوب عليها:
[وثيقة العقد
أوليفيا ستجد سيّدها وتنال قلبه خلال خمسة عشر عامًا من اليوم.
لكن يُمنع عليها أن تسأل مباشرةً من تظنّه سيّدها، ويُحظَر عليها أيضًا أن تُفصح أنّها كانت دمية.
※ إذا فشلت أوليفيا في نيل قلب سيّدها، تُصبح روحها ملكًا لميفيستوفيليس.]
* ميفيستوفيليس اسمٌ يُعطى غالبًا للشخصية التي تُمثل الشيطان، كما أنه اسم الشيطان في الأسطورة الفاوستية.
“… ما هذا؟”
تذكّرتُ فجأةً قصصًا كنت قد قرأتُها.
إنّه مزيج غريب من قصّتين مألوفتين.
“يبدو هذا مثيرًا! يقولون إنّ أرواح القادمين من عوالم أخرى لذيذة جدًّا … وأخيرًا سأتمكّن من تذوّق واحدة!”
حدّقتُ فيه بغضب، ثمّ رفعتُ يدي.
“انتظر، لحظة واحدة!”
“… لحظة؟”
“هذا عقد احتيالي! لم تُخبرني بالعقوبة قبل إبرام العقد!”
“احتيالي؟”
بدا الشيطان مصدومًا، وحدّق بي باستغراب.
“القاعدة الأولى في أيّ عقد هي توضيح العواقب عند الإخلال به! هل تفهم؟!”
ربّما دهشته جرأتي غير المعتادة لمن تلبّست للتوّ جسد إنسانة، فهزّ رأسه بتردّد.
“أه … نـ-نعم.”
“إذن، يجب أن تكون هناك عقوبة لكَ أيضًا.”
“عقوبة؟”
“لم أرَ وجه ذلك الصبيّ جيدًا. لذا عليك أن تُعطيني تلميحًا عن سيّدي.”
“هاه، تلميح؟ لا، لحظة! ولماذا أعطيكِ واحدًا؟!”
آه، كدتُ أوقعه. يا للأسف.
“لا أعرف اسمه ولا عمره! بل ولا يُسمَح لي حتى أن أسأله إن كان هو السيّد!”
صرختُ بثقة، فبدت عليه الحيرة فعلًا.
أخذ يُخربش شعره ويتمتم: “هل هذا صحيح؟” ثمّ نظر إليّ وكأنّه قرّر شيئًا.
“حسنًا، سأمنحكِ تلميحًا. مظهركِ سيكون كما كنتِ دمية، لذا قد يتعرّف عليكِ سيّدكِ من أول نظرة.”
“يا له من تلميح سخيف!”
صرختُ، ففرد الشيطان جناحيه وحلّق عاليًا ضاحكًا بسخرية.
“إن احتجتِ إليّ، سأمنحكِ فرصة استدعاء واحدة فقط.
ناديني بحرارة قائلة: (يا سيد ميفيستوفيليس!) وسأظهر!”
قال ذلك ثمّ اختفى.
وقفتُ مذهولةً حتى أفقتُ على صوت الأجراس يدقّ في القرية.
كانت الشمس قد بدأت تغرب.
“البقاء هنا خطر.”
لا يمكنني النوم في الشارع بهذا الجسد الصغير.
“في زمن الحرب، أكثر مكانٍ آمن هو المعبد.”
***
ذهبتُ مباشرةً إلى المعبد وطرقتُ الباب بقوّة.
“من هناك …”
فتح أحد الكهنة الباب ونظر نحوي ببطء من أعلى إلى أسفل.
“يا إلهي، طفلة صغيرة ما زالت في العاصمة! هل أنتِ بخير؟”
تلعثمتُ قليلًا، ثمّ تظاهرتُ بالإغماء.
“يا للعجب! أيتها الصغيرة! يا سيدنا الكاهن! أسرع!”
كنتُ أعلم أنّهم سيسألونني لاحقًا: أين كنتِ تسكنين؟ أين والداك؟
ولكي أتجنّب تلك الأسئلة المعقّدة، فضّلتُ أن “يُغمى عليّ”.
وبصراحة، كنتُ منهكة قليلًا.
لحسن الحظ، بدا أنّ المعبد لم يتأثر بالحرب؛ كان هادئًا ومُسالِمًا.
لا أدري كم مرّ من الوقت حتى استيقظتُ، وجدتُ نفسي أتناول حساءً بسيطًا لا يحتوي على اللحم، لكنه غنيّ بالنكهة بفضل المرق.
“اسمي … أوليفيا.”
“اسمٌ جميل.”
حقًّا؟
تطلّعتُ إلى الكاهن العجوز الجالس بجوار السرير مبتسمًا بلُطف، وتابعتُ: “لا أتذكّر أيّ شيء آخر. فقط … هناك فتى غريب أجنبيّ، تلقّى رصاصة في يده بدلًا منّي، ثمّ حمله أحد الجنود وأخذه بعيدًا.”
آه، إنّ جسد الطفلة مريح من هذه الناحية.
فالكبار يُصدّقون أيّ كلامٍ غير مترابط منها.
تظاهري بالإغماء أيضًا جعل قصّتي أكثر تصديقًا.
ولحسن الحظ، صدّق الكهنة الطيّبون كلامي تمامًا.
“يبدو أنّ الصدمة كانت كبيرة عليها بعد سماع إطلاق النار أمامها.”
“هل يمكن أن يكون ذلك الفتى يعرف عنها شيئًا؟”
“إن كان أجنبيًّا، فربما التقت به أثناء الحرب فقط …”
استمرّوا في تبادل التخمينات بينما ابتسمتُ راضية.
إن بدأوا بالبحث عن الفتى بدلًا مني، فسيُسهِّلون مهمّتي كثيرًا.
“لقد نزف كثيرًا من يده.”
قلتُ ذلك بحزن، فهزّوا رؤوسهم بأسف.
“إن أصابته الرصاصة في يده، فلابد أنّه ذهب إلى الطبيب،
سأتحرّى في ذلك الاتجاه.”
“وأنا سأبحث في دور الأيتام والمعابد عمّا إذا كان هناك فتى مصاب بجرحٍ في اليد.”
كنتُ راضيةً تمامًا عن سير الأمور، وأنهيتُ طبقي حتى آخر قطرة.
وفيما كانوا يتحدثون عن إرسالي إلى دار الأيتام، كنتُ أتوسّل في داخلي: ليتهم يُبقونني في المعبد!
إذًا حان وقت الخطة (ب).
“أنا … أستطيع القيام بعمل شخصٍ بالغ! أجيد التنظيف، وغسل الثياب أيضًا! سأغسلها بالماء البارد فقط دون استخدام الماء الدافئ! أرجوكم، دعوني أعيش هنا، أرجوكم!”
بدت كلماتي البائسة تُحرّك مشاعر الجميع.
منهم من تألّم لحالي بسبب الحرب، ومنهم من رفع يده بالدعاء لي.
أما الكاهن العجوز، فربّت برفقٍ على رأسي دون أن يقول شيئًا.
***
“تفضّلوا! خذوا الخبز!”
ولحسن حظّي، بقيتُ في المعبد.
واتّضح لاحقًا أنّ ذلك العجوز الذي أصغى إليّ يومها كان الكاهن الأعظم نفسه.
ويبدو أنّه رآني بعين الرأفة، فسمح لي بالبقاء.
كنتُ الآن أوزّع الخبز في الطرقات، أبحث عن سيّدي بين الغرباء، قرب حيّ أومبا حيث يعيش معظم شعب “فوغليش”.
“…….”
راقبتُ أطفالًا في مثل عمري يحدّقون في الخبز بشوق، فمددتُ يدي نحوهم بابتسامة، لكنّهم لم يجرؤوا على الاقتراب.
“يمكنكم أكله، حقًا!”
أردتُ أن أتقرّب منهم قليلًا، فربّما أستطيع لاحقًا أن أسأل: هل رأيتم فتىً بجرحٍ في يده؟
لكن فجأة …
“ᚤᛔᛖᛈᛊᛙ᛬ᝃ?”
“…هاه؟”
سمعتُ لغةً غريبة، فتراجعتُ بخوفٍ خطوة إلى الوراء.
اقترب أحد الكهنة وقال شيئًا:
“ᛄᛕᛗᛘᛘᛤᛡᛢᛰ”
“ᛮ᛭ᛟᚯᛔᛓ!”
أجاب الطفل ثمّ أخذ الخبز وركض بعيدًا.
“ماذا … ما الذي قالوه لتوّهم؟”
“أوه، أول مرة تسمعينها؟ إنها لغة قديمة كان يتحدث بها شعب فوغليش قبل أن ينقسم إلى قبيلتين. أتعلمين أنّهم انقسموا منذ زمن بعيد؟”
كنتُ قد قرأتُ ذلك في إحدى الروايات.
شعب فوغليش يعيش في الدولة المقسّمة المجاورة للإمبراطورية.
وسبب نزوحهم إلى هنا هو الحرب الأهليّة بينهم أنفسهم.
منذ قرنٍ تقريبًا، بدأوا حربًا بسبب اختلاف دياناتهم.
بعضهم رفض القتال ضدّ أبناء جلدته، فهاجر إلى الإمبراطورية.
أما الباقون، فصاروا قبيلتين: “نيكيتا” و”آريان”، وتخلّوا عن إخوانهم الذين لجؤوا إلى الإمبراطورية.
ولأنّ الإمبراطورية لم تمنحهم حقّ الإقامة، ثار هؤلاء اللاجئون مطالبين بالسماح لهم بالعيش فيها.
“الفتى الذي أنقذني كان يتحدث لغة الإمبراطورية، فظننتُ أنّ جميع الأجانب يتحدثونها أيضًا.”
“نادِرٌ أن يتحدث الأجانب لغتنا. ربّما كان من عائلة ثريّة إذًا.”
الآن بعد أن فكّرتُ في الأمر، نعم، كانت ملابسه من قماشٍ فخم.
إذًا سيّدي هو فتىٌ أجنبيّ في مثل عمري، مصابٌ بجرحٍ في يده، وربما من عائلة غنيّة.
ها قد حصلتُ على خيطٍ جديد!
إن تابعتُ البحث بهذه الوتيرة، فلا بدّ أن ألتقيه يومًا ما.
‘انتظرني، يا سيّدي … سأسرق قلبك، شئتَ أم أبيت!’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"