ناديني بحرارة قائلة: (يا سيد ميفيستوفيليس!) وسأظهر!”
قال ذلك ثمّ اختفى.
وقفتُ مذهولةً حتى أفقتُ على صوت الأجراس يدقّ في القرية.
كانت الشمس قد بدأت تغرب.
“البقاء هنا خطر.”
لا يمكنني النوم في الشارع بهذا الجسد الصغير.
“في زمن الحرب، أكثر مكانٍ آمن هو المعبد.”
***
ذهبتُ مباشرةً إلى المعبد وطرقتُ الباب بقوّة.
“من هناك …”
فتح أحد الكهنة الباب ونظر نحوي ببطء من أعلى إلى أسفل.
“يا إلهي، طفلة صغيرة ما زالت في العاصمة! هل أنتِ بخير؟”
تلعثمتُ قليلًا، ثمّ تظاهرتُ بالإغماء.
“يا للعجب! أيتها الصغيرة! يا سيدنا الكاهن! أسرع!”
كنتُ أعلم أنّهم سيسألونني لاحقًا: أين كنتِ تسكنين؟ أين والداك؟
ولكي أتجنّب تلك الأسئلة المعقّدة، فضّلتُ أن “يُغمى عليّ”.
وبصراحة، كنتُ منهكة قليلًا.
لحسن الحظ، بدا أنّ المعبد لم يتأثر بالحرب؛ كان هادئًا ومُسالِمًا.
لا أدري كم مرّ من الوقت حتى استيقظتُ، وجدتُ نفسي أتناول حساءً بسيطًا لا يحتوي على اللحم، لكنه غنيّ بالنكهة بفضل المرق.
“اسمي … أوليفيا.”
“اسمٌ جميل.”
حقًّا؟
تطلّعتُ إلى الكاهن العجوز الجالس بجوار السرير مبتسمًا بلُطف، وتابعتُ: “لا أتذكّر أيّ شيء آخر. فقط … هناك فتى غريب أجنبيّ، تلقّى رصاصة في يده بدلًا منّي، ثمّ حمله أحد الجنود وأخذه بعيدًا.”
آه، إنّ جسد الطفلة مريح من هذه الناحية.
فالكبار يُصدّقون أيّ كلامٍ غير مترابط منها.
تظاهري بالإغماء أيضًا جعل قصّتي أكثر تصديقًا.
ولحسن الحظ، صدّق الكهنة الطيّبون كلامي تمامًا.
“يبدو أنّ الصدمة كانت كبيرة عليها بعد سماع إطلاق النار أمامها.”
“هل يمكن أن يكون ذلك الفتى يعرف عنها شيئًا؟”
“إن كان أجنبيًّا، فربما التقت به أثناء الحرب فقط …”
استمرّوا في تبادل التخمينات بينما ابتسمتُ راضية.
إن بدأوا بالبحث عن الفتى بدلًا مني، فسيُسهِّلون مهمّتي كثيرًا.
“لقد نزف كثيرًا من يده.”
قلتُ ذلك بحزن، فهزّوا رؤوسهم بأسف.
“إن أصابته الرصاصة في يده، فلابد أنّه ذهب إلى الطبيب،
سأتحرّى في ذلك الاتجاه.”
“وأنا سأبحث في دور الأيتام والمعابد عمّا إذا كان هناك فتى مصاب بجرحٍ في اليد.”
كنتُ راضيةً تمامًا عن سير الأمور، وأنهيتُ طبقي حتى آخر قطرة.
وفيما كانوا يتحدثون عن إرسالي إلى دار الأيتام، كنتُ أتوسّل في داخلي: ليتهم يُبقونني في المعبد!
إذًا حان وقت الخطة (ب).
“أنا … أستطيع القيام بعمل شخصٍ بالغ! أجيد التنظيف، وغسل الثياب أيضًا! سأغسلها بالماء البارد فقط دون استخدام الماء الدافئ! أرجوكم، دعوني أعيش هنا، أرجوكم!”
بدت كلماتي البائسة تُحرّك مشاعر الجميع.
منهم من تألّم لحالي بسبب الحرب، ومنهم من رفع يده بالدعاء لي.
أما الكاهن العجوز، فربّت برفقٍ على رأسي دون أن يقول شيئًا.
***
“تفضّلوا! خذوا الخبز!”
ولحسن حظّي، بقيتُ في المعبد.
واتّضح لاحقًا أنّ ذلك العجوز الذي أصغى إليّ يومها كان الكاهن الأعظم نفسه.
ويبدو أنّه رآني بعين الرأفة، فسمح لي بالبقاء.
كنتُ الآن أوزّع الخبز في الطرقات، أبحث عن سيّدي بين الغرباء، قرب حيّ أومبا حيث يعيش معظم شعب “فوغليش”.
“…….”
راقبتُ أطفالًا في مثل عمري يحدّقون في الخبز بشوق، فمددتُ يدي نحوهم بابتسامة، لكنّهم لم يجرؤوا على الاقتراب.
“يمكنكم أكله، حقًا!”
أردتُ أن أتقرّب منهم قليلًا، فربّما أستطيع لاحقًا أن أسأل: هل رأيتم فتىً بجرحٍ في يده؟
لكن فجأة …
“ᚤᛔᛖᛈᛊᛙ᛬ᝃ?”
“…هاه؟”
سمعتُ لغةً غريبة، فتراجعتُ بخوفٍ خطوة إلى الوراء.
اقترب أحد الكهنة وقال شيئًا:
“ᛄᛕᛗᛘᛘᛤᛡᛢᛰ”
“ᛮ᛭ᛟᚯᛔᛓ!”
أجاب الطفل ثمّ أخذ الخبز وركض بعيدًا.
“ماذا … ما الذي قالوه لتوّهم؟”
“أوه، أول مرة تسمعينها؟ إنها لغة قديمة كان يتحدث بها شعب فوغليش قبل أن ينقسم إلى قبيلتين. أتعلمين أنّهم انقسموا منذ زمن بعيد؟”
كنتُ قد قرأتُ ذلك في إحدى الروايات.
شعب فوغليش يعيش في الدولة المقسّمة المجاورة للإمبراطورية.
وسبب نزوحهم إلى هنا هو الحرب الأهليّة بينهم أنفسهم.
منذ قرنٍ تقريبًا، بدأوا حربًا بسبب اختلاف دياناتهم.
بعضهم رفض القتال ضدّ أبناء جلدته، فهاجر إلى الإمبراطورية.
أما الباقون، فصاروا قبيلتين: “نيكيتا” و”آريان”، وتخلّوا عن إخوانهم الذين لجؤوا إلى الإمبراطورية.
ولأنّ الإمبراطورية لم تمنحهم حقّ الإقامة، ثار هؤلاء اللاجئون مطالبين بالسماح لهم بالعيش فيها.
“الفتى الذي أنقذني كان يتحدث لغة الإمبراطورية، فظننتُ أنّ جميع الأجانب يتحدثونها أيضًا.”
“نادِرٌ أن يتحدث الأجانب لغتنا. ربّما كان من عائلة ثريّة إذًا.”
الآن بعد أن فكّرتُ في الأمر، نعم، كانت ملابسه من قماشٍ فخم.
إذًا سيّدي هو فتىٌ أجنبيّ في مثل عمري، مصابٌ بجرحٍ في يده، وربما من عائلة غنيّة.
ها قد حصلتُ على خيطٍ جديد!
إن تابعتُ البحث بهذه الوتيرة، فلا بدّ أن ألتقيه يومًا ما.
التعليقات لهذا الفصل " 2"