كانت قطرات الماء تتساقط من خصلات شعره الأسود الّتي لم تجفّ بعد. وبينما كنتُ أحدّق في قطرات الماء الّتي تنحدر على عضلات صدره المتينة وبطنه المحزّز، ابتلعتُ ريقي من غير قصد.
‘ما الّذي تفعلينه يا أوليفيا! حرّكي نظركِ بعيدًا فورًا!’
كان الاستحمام بالماء الدافئ أمرًا حسنًا بحدّ ذاته. لكن من الطبيعيّ أنّ ملابسي لن تلائم إيدموند.
بحثتُ في غرفة الغسيل، لكنّ الوضع لم يكن مختلفًا هناك أيضًا. فمن بين كلّ الإخوة الكهنة، لا يوجد مَن يمتلك بُنية جسديّة مثل إيدموند.
لحسن الحظّ، لم يكن السّروال مبتلًّا كثيرًا، فحرص على تجفيفه جيّدًا قبل ارتدائه، أمّا القميص فكان مبلّلًا تمامًا ولا أمل في إنقاذه. وهكذا صار مظهره على ما هو عليه الآن.
في الواقع، لو سألتُ فرسان المعبد، ربّما وجدتُ مقاسًا مناسبًا. لكن … بما أنّ وليّ العهد سيبيت في المعبد، فربّما نوقظ الكهنة النّائمين بلا داعٍ.
هذا كلّه من أجل إخوتي الكهنة ومن أجل الفرسان الذين هم في يوم عطلتهم—نعم، هكذا تمامًا—
“لكن، هل يَسعُدك حقًّا المبيت هنا؟”
“قاعة الصّلاة بعيدة جدًّا عن غرفتكِ.”
“صحيح، لكن لا يوجد في المكتبة مكان يمكن النّوم فيه…”
“قاعة الصّلاة واسعة وقد رُمِّمت مؤخرًا وهي نظيفة، أمّا المكتبة فالبناء قديم ومن الصّعب النّوم فيها.”
“لنبقى هنا نتحدّث قليلًا، ثمّ نغفو.” ، قال إيدموند ذلك وهو يسحب الكرسيّ في المكتبة ليجلس عليه.
“أهكذا؟ جيّد. كنتُ أريد التحدّث قليلًا أيضًا. في المكتب لا نستطيع تبادل أحاديث جانبيّة.”
“صحيح. فالعاملون يُصدرون نظراتهم كلّ مرّة.”
“ههه، أتدري؟ ناتاشا قالت اليوم إنّ كلّ شيء كان واضحًا علينا في المكتب.”
“هذا مستحيل.”
وضعَ إيدموند المنشفة جانبًا بملامح جادّة.
“ألا تعلمين كم عانيتُ كي أتماسك؟”
ارتدّ صوت قطرات الماء المتساقطة من شعر إيدموند في صمت المكتبة. الجوّ كان غريبًا ومحرجًا للغاية.
‘كيف أتابع الحديث بشكل طبيعي؟’
“مشـ—مشروب!”
“… هاه؟”
“هل تريد بعضًا؟ جسمك بارد، فربّما أدفئ لك الحليب…”
“في وقت النّوم، أيّ …؟ هاه، لا، لا بأس. بما أنّك تحبّين هذا.”
ركضتُ على الدّرج متّجهة إلى غرفتي في الطّابق الثّاني.
نعم، لا شيء يُنقذ الموقف المحرج مثل الطّعام. لكن هل يوجد شيء سيحبّه إيدموند؟
فتّشتُ أدراجي.
شوكولاتة؟ مُستبعَد. حلوى؟ أقلّ احتمالًا.
“هذا هو!”
علبة الأعشاب الّتي أهداني إيّاها إيدموند سابقًا، مليئة بالأشياء الّتي يمكن أكلها. أخذتُ منها ما يناسب، ومعه الحليب، وخرجتُ. ليس خمرًا بل حليب! إنّنا حقًّا صالحان.
“هذا …”
قطّب إيدموند حاجبيه حين رأى الموضوع على الصينية.
“هذه من الأعشاب الّتي أهديتَني إيّاها سابقًا … هل في الأمر مشكلة؟”
‘ألعلّه يعاني حساسيّة؟ أو ربّما هذا العشب سيّء للرّجال؟’
“فيا.”
ابتسم إيدموند واقترب وهو ينهض من مكانه. ثمّ أمسك يدي وجعل يُدلّك الجهة الدّاخلية من معصمي ببطء.
كان ملمس قفّازه الجلديّ المبلّل غريبًا. شعرتُ بسخونة تتصاعد في مؤخرة عنقي، وقفزتْ شعيرات رفيعة على جلدي، فتراجعتُ خطوة بلا وعي.
“نـ، نعم؟”
“هذه المرّة … ظننتُ حقًّا أنّكِ تقصدين ذلك.”
“ماذا تقصد؟”
اقترب وجه إيدموند منّي حتّى صار أمام أنفي مباشرة.
لامستْ أنفاسه الدافئة شفتيّ وكأنّها تدغدغهما. منذ حادثة القبلة الماضية، لم نقترب هكذا قطّ. ضممتُ شفتيّ إلى الدّاخل بلا إرادة.
تشو—
“ظننتِ أنّكِ بمنع شفتيكِ، سأعجز عن تقبيلكِ، أليس كذلك؟”
غطّتْ أنفاسه الساخنة شفتيّ المنكمشتين.
“إ، إيد؟”
مددتُ يدي لأدفعه عنّي، لكنّي أدركتُ متأخّرةً أنّه بلا قميص.
أصابعي هبطت بدقّة مخيفة على صدره، تمامًا فوقه …
“فيا ….”
“هذا قطعًا. قطعًا ليس كما تظنّ! ليس سـ … ليس سوء فهم!”
أردتُ سحب يدي، لكنّ إيدموند ضغط فوقها بثبات أكبر.
“إذًا هذا؟”
مدّ إيدموند يده خلف كتفي، وأخذ الأعشاب ولوّح بها أمامي.
“ماذا بها؟”
“ألا تتذكّرين؟ هذا الهلام العشبيّ الّذي أهديتِني إياه أنتِ.”
“الهلام العشبيّ؟ … آه!”
‘يا إلهي، هل هذا ذاك الهلام؟!’
انتزعتُ الكيس بسرعة لأتفقّده.
[الليلة، امرأتك لن تنام.]
كانت الجملة المألوفة مكتوبة بخطّ صغير.
“هذا، هذا خطأ حقيقي! وأنا أصلاً أحضرتُ بعض ما أهديتَني إياه أنت! هذا كلّ ما في الأمر!”
التعليقات لهذا الفصل " 130"