انحنى إيدموند برأسه قليلًا بشكلٍ متوتّر. لم يكن ليتخيّل أبدًا أنّ هذا الطّفل هو الحاكم.
“كلّ ما تفعلانه هو طريقٌ يمهّد للإمبراطوريّة، وكلّ الطّرق الّتي ستسلكانها ستكون ببركتي.”
فتح يوهان ذراعَيْه فصنع هالةً من الضّوء. أحاط غبارٌ متلألئ مثل درب التّبانة بي و بإيدموند، ثمّ اختفى برفقة يوهان.
شعب الإمبراطوريّة، والنّبلاء، والجند على الأسوار، وحتّى وفود الدّول الأجنبيّة الّذين جاؤوا للتأكّد من سير حفل الزّفاف … كلّهم حدّقوا مذهولين في المشهد. ثمّ صرخ أحدهم: “عاش سموّ الأمير إيدموند!”
“عاش سموّ وليّ العهد!”
وبدأت الهتافات تنتشر، ومع كلّ صيحة، جثا الجميع على ركبهم أمام إيدموند.
“ها، هذا الوغد.”
تمتم إيدموند مبتسمًا بطرف فمه.
“أطلق تصريحًا هائلًا ثمّ اختفى.”
“حقًا.”
لن يجرؤ أحد بعد الآن على التّشكيك في أحقّيّة إيدموند بعرش ولاية العهد، أو على نعته بالدّونيّة لأنّ في عروقه دماء فوغليش.
كنت قلقة من أنّ اختياره لي سيُغيّر مستقبله، لكن … يبدو أنّ ذلك لن يحدث. جيد.
وبينما كنت أتأمّل الرّكب السّاجدة، التقت عيناي بعيني إيدموند مجدّدًا. كانت نظرته تُدغدغ قلبي.
“لماذا تهرَبين؟”
“نعم؟”
“نظركِ. أشحتِ به.”
هذا الرجل الّذي يملك حاسّة أشبه بحاسّة الوحوش لم يُفوّت تلك اللّحظة الخاطفة.
“آه، ليس صحيحًا.”
“بل صحيح. هل أجهلُكِ أنا؟”
قطّب إيدموند حاجبيه وأمسك بيدي ورفعها إلى شفتيه.
“لن أُرسلَكِ إلى أيّ مكان بعد الآن. حتّى لو طلبتِ ذلك. لا أستطيع العيش من دونكِ يا أوليفيا.”
وجفلتُ من ذلك الإحساس الدّافئ الطّريّ الّذي اخترق القفّاز.
شعرتُ بقلبي يختنق تحت نظرته الّتي سرت ببطء على كامل هيئتي. وللحظة، هممتُ بالبكاء من شدّة شعوري بأنّ كلّ ما ينتظرنا هو السّعادة.
لكنّ …
“يا سموّ الأمير!”
اندفع دانتي ملوّحًا من بين الرّاكعين. نظر إليه إيدموند بضيق قبل أن يُطلق تنهيدة ثقيلة.
“لماذا هذا الأحمق بلا أيّ ذوق؟ ليس كامبيل أيضًا.”
وفوق صوت تذمّر إيدموند ارتفع صراخ دانتي: “جلالتُه … جلالتُه قد عاد!”
***
لم يكن الإمبراطور و فيليكس مصابين إصابات خطيرة، سوى أنّهما قد هَزُلا قليلًا. قال طبيب القصر إنّهما سيعودان بصحّتهما كاملة بعد أن يأكلا جيّدًا ويستريحا فترة.
“لقد عانيتَ كثيرًا.”
“… لا، لم أفعل.”
“وأنا مخطئ في حقّك.”
“… لا، لستَ كذلك.”
تحدّث الإمبراطور وإيدموند طويلًا في ذلك اليوم. لم أكن معهم، لذا لم أعرف مضمون الحديث، لكنّ وجه إيدموند كان أكثر إشراقًا حين خرج عند الفجر.
وبناءً على الوثائق الّتي جلبها دانتي، سارت مفاوضات ما بعد الحرب الأهليّة بسلاسة تامّة.
كلّ شيء كان يعود إلى نصابه.
أعلن المعبد أنّ إيكلا كانت شيطانًا سيُهدّد الإمبراطوريّة، و أدركت أنّها ليست المرأة البطلة الأصليّة للرّواية. أمّا إيكلا الحقيقيّة، فكانت تتعافى بسلام مع جدّها أسـيس في الرّيف.
هاه، ذلك الميفيستو … كان يجب أن أصفعه صفعةً محترمة قبل أن يختفي!
“أوليفيا، ماذا تفعلين هناك؟”
رفعتُ رأسي إلى نداء دانتي. كان اليوم هو يوم تنصيب إيدموند وليًّا للعهد. الحفل الّذي لم نستطع إتمامه سابقًا سيُقام من جديد.
لم يعترض أيّ نبيل أو مواطن، مع أنّ دماء فوغليش تجري في عروقه.
كيف لهم الاعتراض وقد باركه الحاكم؟ معارضته تعني معارضة الحاكم، والمعارضة تعني إعلان العداء للمعبد.
“واو … هل هذه الهدايا من مملكة إيوجكس ومملكة بايريل؟”
سألتُ وأنا أنظر إلى أكوام الذّهب والجواهر، فهزّ دانتي كتفيه.
“يبدو أنّ ضمائرهم متأنبة جدًّا.”
فالدّول الّتي كانت تتربّص بالإمبراطوريّة خضعت تمامًا بعد انتشار خبر أنّ الحاكم نزل بنفسه وبارك إيدموند. بل أكثر من ذلك … بدأوا يتودّدون ويعرضون أن يكونوا حلفاء أبديّين.
وبفضل هذا، لم نضطرّ إلى تسليم أيّ غنائم إلى الممالك الّتي شاركت في الحرب الأهليّة.
وبالنّظر إلى الأمور … كان هذا أفضل سيناريو ممكن.
***
وجاء يوم التّنصيب—
دخل إيدموند على وقع الموسيقى الفاخرة.
“يا وريث الإمبراطوريّة الّذي اختاره الحاكم. سيكون طريقك نورًا يشقّ الظّلام، وستكون كلّ خطوة من خطواتك سبيلًا نحو مجد الإمبراطوريّة.”
الكاردينال الّذي أصبح الآن البابا منح إيدموند بركته. أمّا البابا السّابق الّذي كان يلتهم الرّشاوى التهامًا … فقد طُرد.
التعليقات لهذا الفصل " 128"