قبل بدء حفل الزّفاف—
كانت الخادماتُ ملتصقاتٍ بجانبيّ إيدموند، يهتمّمن بزينته.
لم يكن يسمعُ كلماتهنّ الّتي تطلبُ منه إمالةَ رأسه أو رفعَ ذراعه قليلاً، فكان يحدّقُ في المرآةِ بعينين غائمتين.
لونُ الشّعرِ الشّبيهِ بأبيه، وعينان تشبهان عيني أمّه.
تحتهما، كان يرتدي بدلةَ الزّفافِ الّتي اختارتها أوليفيا بنفسها.
كان يريدُ ارتداءَها إلى جانبها.
عندما يصبحُ وليّ العهد، وتأخذُ أوليفيا مكانها كمساعدةٍ له كما كانت تريد.
بعد سنتين أو ثلاثٍ كما قالت، تحتَ سماءِ الرّبيعِ الدّافئةِ الّتي تشبهها.
فستانٌ يلمعُ كشعرها تحتَ أشعّةِ الشّمسِ كضوءِ القمر، وباقةٌ وردٌ ورديّةٌ تشبهُ خدّيها.
لكن في الحقيقة، لم يكن ذلك ضروريًّا.
في كوخٍ صغيرٍ متواضعٍ كالّذي عاش فيه مع والديه عندما كان طفلاً—حتّى لو ارتديا ملابسَ باليةً رثّة.
كان يريدُ أن يقولَ لها: سأصطادُ وأقطعُ الحطبَ لأطعمكِ، فقط كوني معي.
“آه.”
مسحَ تحتَ عينيه حيثُ ترسّبتْ دوائرُ سوداءُ عميقة.
لم يصلْ خبرٌ من دانتي بعدُ.
إن لم يصلْ في الوقتِ المحدّد، واضطررتُ لإكمالِ هذا الحفل …
“فاكيل.”
أمر إيدموند بعد أن أبعدَ الخادماتِ كلّهنّ.
“نعم.”
“إن لم يصلْ دانتي قبل إنهاءِ البابا لقسمِ الزّواج …”
انتظر فاكيل الكلماتِ التّاليةَ بتعبيرٍ بطوليّ.
لو قال سيّده إنّه سيهجرُ كلّ شيءٍ ويهربُ من أجل الحبّ، كان مستعدًّا للمساعدةِ بكلّ سرور.
“صاحبَ السّموّ، ألم تثقْ بي؟”
“دانتي؟”
تحدث دانتي مبتسمًا وهو يتّكئُ على الجدار.
“عذرًا، تأخّرتُ قليلاً.”
سلّم ورقةً واحدةً من صدره وهزّها، فخطفها إيدموند بسرعة.
“انتظر … هل هذا حقيقيّ؟”
تمتم إيدموند غيرَ مصدّق.
أومأ دانتي بجدّيّة، “نعم. بشكلٍ مذهل.”
أخرج دانتي طلبَ توظيفِ إيكلا من صدره.
“كان هناك شخصٌ آخرُ يُدعى إيكلا في نيكيتا. حفيدةُ أسـيس. غادرتْ مع أسـيس المُقعدِ إلى قريةِ لانتان الرّيفيّةِ في نيكيتا للرّاحةِ قبلَ سنة.”
في الوثائقِ الّتي جاء بها دانتي، كان اسمُ ممثّلِ التّجّارِ الّذي أرسلته نيكيتا أصلاً هو فيلماسري، ولم يكن لهذا الرّجلِ أحفادٌ، بل حتّى أولاد.
“وماذا عن هذا فيلماسري؟”
“حقّقتُ لأنّه مفقود. وجدتُ جثّةً مدفونةً في منطقةِ الحدود.”
قدّم دانتي ورقةً أخرى.
“تطابقُ مظهره.”
“إذن أسـيس وإيكلا اللّذانِ جاءا كممثّلين …”
عبس إيدموند.
“محتالان ربّما؟”
“ها. ماذا قالت نيكيتا؟”
“قالوا إنّهم لم يعلموا بموتِ فيلماسري. طلبوا تسليمَ الشّخصين فورًا.”
قدّم دانتي طلبَ تسليمِ المجرمينَ وأمرَ الاعتقال.
“وهنا، ختمُ صاحبِ السّموّ، أحضرته من المكتبِ مسبقًا.”
أخذ إيدموند الختمَ وختمَ مكانه.
“الآن انتهى الأمر.”
رُسِمَتْ ابتسامةٌ على شفتي إيدموند لأوّلِ مرّةٍ منذ زمن.
“هل نعتقلُ إيكلا فورًا؟”
“لا. يجب أن نظهرَ لهما بوضوح.”
تمتم إيدموند.
“ستكشفُ إيكلا جريمتها أمام الجميع. يجب أن نتهمَ مملكةَ إيوجيكس ومملكةَ بايريل بأنّهما عرفتا بهويّةِ أسيس وإيكلا ومع ذلك أجبرتانا على الزّواج.”
لمعَ ضوءٌ في عيني إيدموند.
توقّف تساقطُ الثّلجِ الّذي استمرّ منذ أمس، وظهرتْ الشّمسُ بين الغيوم.
أشرقتْ أشعّةُ الشّمسِ على الثّلجِ المتراكمِ فبدتْ الدّنيا مضيئةً بشكلٍ استثنائيّ.
سمع طرقًا على البابِ من الخارج.
“صاحبَ السّموّ، حان وقتُ الدّخول.”
نظر إيدموند إلى فاكيل ودانتي عند هذه الكلمات.
“من الآن فصاعدًا، سنستخدمُ الطّريقةَ المباشرة.”
“نعم، أعطِ الأوامرَ فقط.”
“وقتُ العمليّةِ بعد الدّخولِ إلى الحفل، عند قسمِ الزّواجِ حين تتركّزُ كلّ الأنظار. سأكشفُ حقيقةَ إيكلا حينها، فاستعدّا أنتما لاعتقالِ إيكلا وأسيس فورًا.”
***
وقفتْ إيكلا مبتسمةً بإشراقٍ إلى جانبِ إيدموند.
فستانٌ لامع، تاجٌ، طرحةٌ طويلة، ومجوهراتٌ فاخرة.
كانت مشرقةً بشكلٍ خاصٍّ لشخصٍ دار بينهما حوارٌ كهذا أمس.
كأنّها تتزوّجُ من يحبُّه حقًّا.
كان تعبيرُها مقزّزًا جدًّا حتّى عبس إيدموند دون أن يشعر.
“صاحبَ السّموّ، ابتسم.”
همست إيكلا كذلك وعلّقتْ ذراعها بذراعه.
“لم يعدْ بإمكانكَ فعلُ شيءٍ الآن. فقط تقبّلْ.”
كانت ابتسامةً حنونةً كمن يهمسُ بكلماتِ حبّ.
“إيكلا.”
نظر إيدموند إلى الأمام.
كان البابا في أعلى الكنيسةِ يعلنُ بدءَ الحفلِ ويبارك.
“ماذا؟”
“أتذكّرين ما قلته. قلتُ إنّني لن أعرفَ حتّى ندخلَ قاعةَ الزّفاف.”
تذكّرتْ إيكلا كلامه المفاجئ.
كان ذلك اليومَ الّذي جاء فيه إيدموند فجأةً إلى قلعةِ كريست.
عندما قالت إيكلا إنّه يجب أن يترك أوليفيا حتّى لو بقيَتْ لديه بقايا حبّ، قال إيدموند ذلك.
“أصحّحُ ذلك الكلام. هناك وقتحتّى ينتهي قسمُ الزّواج.”
“ما معنى هذا؟”
في اللحظةِ الّتي فتحتْ فيها إيكلا فمها متعجّبة—
مع صوتِ إعلانِ الدّخول، تناثرتْ الورودُ من هنا وهناك.
تقدّمْ إلى الأمام، وعندما يُسألُ إن كان سيُقسم بالحبّ الأبديّ، سيُجيب حينها— لا. سأرفضُ هذا الزّواج.
ثمّ أُعلنُ أمرَ الاعتقالِ الّذي أخفيته في صدري، وسيقتحمُ فاكيل مع الفرسان.
رفع إيدموند رأسه.
قال دانتي إنّ أوليفيا جاءتْ للعملِ منذ الصباحِ الباكر، فهي بالتّأكيد هنا.
‘لماذا لا أراها؟’
لا يمكن أن تخفى أوليفيا عن عينيّ.
دائمًا، مهما كان هناك حشدٌ، كنتُ أجدها بنظرةٍ واحدة.
كانت أوليفيا كذلك.
مثلما ترى السّماءَ أينما كنتَ في العالمِ إذا رفعتَ رأسك، كانت تدخلُ عينيّ أينما كانت.
“صاحبَ السّموّ إيدموند لايهارت. لقد قرّرت استقبالَ الآنسةِ إيكلا كعروسٍ لحمايةِ سلامِ الإمبراطوريّة. هل تُقسم بالحفاظِ على هذا الوعدِ واستقبالِ الآنسةِ إيكلا كزوجةٍ وخدمتها بالحبّ والاحترامِ مدى الحياة؟”
الآن هو توقيتُ كشفِ الحقيقة.
“… صاحبَ السّموّ؟”
لكنّ عينيّه كنّ تبحثان عن أوليفيا باستمرار.
أعلمُ.
قالت أوليفيا إنّها بخير، لكنّها كانت حزينةً ومتألّمةً مثلي.
ربّما جاءتْ إلى أمام القاعةِ ثمّ عادتْ لعدمِ قدرتها على المشاهدة.
ربّما مختبئةٌ في مكانٍ ما، لكنّني لا أعرفُ لماذا أشعرُ بهذا القلق.
“صاحبَ السّموّ. يجب أن تجيب. يعتمدُ استقرارُ إمبراطوريّتنا وسلامها على هذا الزّواج.”
تمتم البابا بهمسٍ بعد أن شعرَ بشيءٍ غريب.
عضّ إيدموند شفتيه بتوتر.
شعرَ أنّ سببَ هذا القلقِ الّذي لا يعرفه هو أوليفيا بالتّأكيد.
‘لماذا هناك طفلٌ صغيرٌ هنا؟’
في عيني إيدموند الّتي كانت تفحصُ الجوارَ بسرعة، ظهر طفلٌ غريبٌ لا يناسبُ المكان.
شعرٌ بنّيٌّ بسيط، عيونٌ بلونِ البندق.
حتّى هناك لم يكن غريبًا، لكنّ ملابسه كانت لا تناسبُ المكانَ أبدًا.
ملابسُ نظيفةٌ لكنّها تحملُ آثارَ الزّمن.
زيُّ عامّيّ بلا زينة.
طفلٌ لا يمكن أن يكونَ موجودًا في مكانٍ لا يدخله إلّا النّبلاءُ الكبار.
ابتسم الطّفلُ لي ابتسامةً عريضةً ثمّ أشارَ إلى خلفِ العمود.
مع ضوءٍ أعمى، ظهر معدنٌ بارد.
“لا، مستحيل.”
كانت سماؤه هناك—تحملُ أسوأَ شيءٍ في العالم.
“لا، أوليفيا!”
لماذا الكنيسةُ واسعةٌ هكذا بدون داعٍ؟
ولماذا الحذاءُ الجديدُ يؤلمني؟
ولماذا قوّةُ إيكلا الّتي تمسكُ بي قويّةٌ هكذا؟
طاخ-
مهما مددتُ يدي، لم أصلْ.
“لا، لا!”
ركض إيدموند عبر الممرّ واحتضنَ أوليفيا.
شعرَ وكأنّ جسده يغوصُ في البحر— كلّما غرقَ في الماءِ وتنفّس، كان الألمُ أكبر، مهما تقلّب، لم تفتحْ أوليفيا عينيها.
غرق إيدموند ببطء.
آه، ربّما كتبت أوليفيا تلك الكلماتِ لأنّها عرفتْ هذا المستقبل.
التقط إيدموند المسدّسَ الّذي كانت تمسكُه أوليفيا بعينين مشوّهتين بالدّموع.
طاخ-
بين صرخاتِ الرّعبِ من المذهولين، بدأت إيكلا تضحكُ بجنون.
“اللّعنة، خسرتُ مرّةً أخرى”
التعليقات لهذا الفصل " 125"