“يا صاحبَ السّموّ، لا يمكنك الصّمودُ هكذا إلى الأبد.”
“صحيح. إذا ضحّى صاحبُ السّموّ بنفسه فقط فسننجو جميعًا.”
“هل تراك تفكّر حقًّا في التخلّي عن جلالتِه الإمبراطور؟”
كان إيدموند يتجاهل كلامَ النبلاءِ الّذي وُجِّه إليه بلا انقطاع، ويسيرُ سريعًا عبر الممرّ.
كنتُ أعرف. كان واضحًا أنّه يعيشُ صراعًا شديدًا. لأنّني أنا أيضًا، لطالما تساءلتُ ألف مرّة إن كان عليّ أن أتخلّى عن إيدموند من أجل أمّي.
“كنتَ تتظاهر دائمًا بأنّك تُضحّي من أجل الإمبراطوريّة، فهل تنوي الآن التخلّي عن الجميع؟”
عند كلمات لوسيد توقّف وقعُ خطواتِ إيدموند.
كان من المستحيل أن يتخلّى عنهم. أنا أعرفُ إيدموند جيّدًا.
وأعرفُ ذلك القلب. لا يوجد ابنٌ يمكنه التخلّي عن والديه.
وفوق ذلك، ففيليكس الّذي أُسِر مع الإمبراطور يحمل أدلّة على جرائم الإمبراطورة ولوسيد. لذا كان من الواضح أنّه يجب إنقاذ الإمبراطور و فيليكس معًا.
“ثمّ أليس فيليكس الّذي اختُطِف معه مُنقذَك؟ يبدو أنّ كلّ كلامِكَ عن تقديرِه كان مجرّد كلام.”
نظرَ إليه إيدموند بعينين تقدحان شررًا قبل أن يستأنف طريقه. كنتُ أراقبُ كلّ ذلك دون أن أستطيع اتخاذ قرار.
في مثل هذا الوضع، لا يمكنني طلبُ الزواج من إيدموند بدلًا من إيكلا.
أنا سأختفي على أيّ حال. سأعودُ تاركةً الكثير من الإمبراطوريّين وسط العنف، ثمّ أعيشُ وكأنّ شيئًا لم يكن…
هل سأستطيع بعد ذلك أن أواجهَ أمّي بضميرٍ مرتاح؟ هل سأستطيع أن أعيشَ مبتسمةً وكأنّ شيئًا لم يحدث؟
كما أنّني لا أستطيع اتخاذ قرار بسهولة، كذلك إيدموند لم يستطع. ومرّ يومٌ آخر بلا إجابة.
وبالطّبع استمرّت هجماتُ العدوّ بلا توقّف. لم تستطع قواتُ الإمبراطوريّة التحرّك بجرأة بينما الإمبراطورُ أسير.
وبينما لم يُصدر إيدموند أيّ قرار، بدأ دعمُ العامّة له في التراجع.
“كان يتظاهر بأنّه معنا، لكن تبيّن أنّه يكذب.”
“وهو نفسه غريبُ الأصل، فما سبب رفضه لامرأةٍ من فوغليش؟”
النبلاء المحافظون الّذين كانوا يعارضون سابقًا فكرةَ قبولِ فوغليشية كزوجة وليّ العهد، بدأوا الآن يضغطون على إيدموند.
كان النبلاء والعامّة جميعًا يريدون أن يتزوّج إيدموند من إيكلا. كانوا يريدون أن يعمّ السّلامُ الإمبراطوريّة بزواجِه منها. وكلّما طال أمدُ الحرب، ازداد عدد من يتمنّون سلامًا مع فوغليش.
وسط هذا كلّه، تجنّبتُ و إيدموند الحديث معًا عمدًا.
لم يكن هذا وقتَ أحاديثٍ شخصيّة.
كان ذلك طبيعيًّا. لم نكن قد حدّدنا جوابًا بعد، وكان الوقت يمضي. لم يتبقَّ على عيد ميلادي سوى شهر واحد.
“أوه، الجوّ بارد. يبدو أنّ الشّتاء بات وشيكًا.”
نفختُ هواءً دافئًا في كفّي. وبعد انتهاء عملي أخذتُ أتجوّلُ بقلقٍ حتّى امتلأ القمرُ قبل أن أعود إلى قلعة كريست.
وبينما كنتُ أُسرع خُطاي بسبب برودة قدميّ، سمعتُ صوتًا لا ينبغي سماعه.
“أوليفيا.”
“… يا صاحبَ السّموّ؟”
كان إيدموند يناديني.
شعرُه الّذي كان دائمًا مرتّبًا بدا منتفشًا. ولم أملك وقتًا لأتساءل لماذا جاء، إذ جذبني إليه بذراعين قويتين.
“دقيقة واحدة!”
كنتُ أحاول دفعَه كي لا يرانا أحد، لكنّ جسده كان باردًا مثل الجليد. ولم يكن يرتدي معطفًا. منذ متى كان ينتظر هنا؟
“منذ متى وأنتَ تنتظر هنا؟”
“… لا أعلم.”
مع كلّ كلمةٍ تخرج من شفتيه الشاحبتين كان بخارُ أنفاسه ينتشر كالدّخان.
“الطّقس بارد، كان يجب أن تنتظروا في الدّاخل…”
لكنّي لم أُكمل كلامي. لم أستطع أمام ذراعيه الّلتين شدّتا العناق أكثر.
“اشتقتُ إليكِ. لم أستطع الانتظار أكثر.”
مرّ عامٌ تقريبًا منذ بدأتُ أعيشُ قرب إيدموند. وصرتُ أستطيع قراءة ملامحه بسهولة. لذا كنتُ أعلم.
كان يناديني الآن لأنّه اتّخذ قراره أخيرًا.
“لا بأس، لا بأس. لقد اتّخذتَ خيارًا حكيمًا.”
لذا عليّ أن أتحدّث إليه طبيعيًّا.
عليّ احترام اختياره الّذي اختار فيه والديه، كما فعل هو معي. عَلَيّ أن أُفلِتَه بلا تردّد.
سأعتبر الأمر نتيجةً طبيعيّة. كما أنّني قبل أن أسمع اعترافَه الصادق، كنتُ قد دفعته بعيدًا، وكسرتُ قلبه.
وكما أنّه أخفى ألمَه خلف كلماتٍ تخفّف عنّي، عليّ الآن أن أبتسم وأفعل الأمر نفسه.
“بفضلك ستستعيدُ الإمبراطوريّةُ استقرارَها. وسيمتنّ لك الجميع على قرارك.”
لكن إيدموند لم يقل شيئًا. فقط شدّ ذراعيه حولي.
“أعلمُ أنّهما كلاهما عزيزان عليكَ.”
“أوليفيا.”
تنفّس إيدموند تنهيدةً وهو يرخّي ذراعيه قليلًا.
“أعلمُ أنّك تريد إنقاذ والدك الّذي أنجبك، وكذلك إنقاذَ فيليكس الّذي يُضحّي بنفسه من أجلك.”
التعليقات لهذا الفصل " 116"