نظرتُ من النافذة بقلقٍ شديد. بدأ الفجر بالانشقاق بالفعل، لكن لم يظهر أيّ أثر لقوّاتنا.
لعلّهم هُزموا تمامًا؟ لو حدث ذلك، لوصلنا أيّ خبرٍ على الأقل، لكن عدم وصول أيّ شيء جعل صدري يضيق.
“أوليفيا. لا تقولي إنّكِ سهرتِ الليل؟”
تقدّم لوسيد بخطواتٍ هادئة. كأنّ اختطاف والده على يد العدو لا يثير أيّ قلقٍ لديه. كان يتمدد بتكاسلٍ كقطٍّ استيقظ للتوّ، ثمّ تثاءب.
“النّوم غير الكافي عدوّ جمال البشرة.”
“…….”
لم أرغب حتّى بالرّد، فحوّلتُ رأسي بعيدًا عنه. لم يكن كلّ هذا بسبب لوسيد وحده، لكنّه بالتأكيد لم يكن بلا ذنب.
بصراحة، لم يعجبني ذلك الابتسام البريء الذي يتصرّف به وكأنّه لا يعرف شيئًا.
“هل تقلقين على إيدموند؟”
أغضبني سؤاله الهادئ. رغم معرفتي بوجوب إخفاء مشاعري، خرج صوتي حادًّا من فوري.
“ألا يقلق جلالتُك أيضًا؟”
مهما كانت علاقة إيدموند سيّئة معه، فهما بالنّهاية شقيقان يشتركان بدم الأب نفسه.
أو لا، صحيح أنّهما كانا يتنافسان على منصب وليّ العهد، وعلى العرش المستقبلي، وربّما كان يتمنّى موته بالفعل.
لكن كاي؟ أليس الإمبراطور والده؟
وفقًا للأصل في ذاكرتي، لم يكن كاي يمقت لوسيد كثيرًا.
صحيح أنّه ابن امرأة لم يحبّها، لكنّه كان يرى في لوسيد صورةً من طفولته، فلم يستطع التخلّي عنه.
فكاي أيضًا وُلد من إمبراطورةٍ لم يُحبّها الإمبراطور السّابق، بل كانت ضحيّة سياسية للزواج.
“ما الّذي يدعو للقلق على إيدموند؟ سيعود سالمًا بنفسه.”
قال لوسيد ذلك بلا مبالاة. كان في نبرة صوته شيءٌ يشبه الثقة بقدرات إيدموند.
“كيف تجزم بهذا؟”
ابتسم لوسيد ابتسامة خفيفة، ثمّ مدّ يده. لكنّي تراجعت خطوة قبل أن تلامس أصابعه شعري.
“هممم. لأنّه …”
سحب يده مجددًا، ونظر إلى الخارج.
“من المؤكّد أنّهم يعلمون. هذه الحرب الأهليّة في الإمبراطوريّة مراقَبة من دول كثيرة. لكن … يختطفون الإمبراطور ويقتلون وليّ العهد؟ حتى لو انتصروا، فلن ينجوا من الإدانة الدوليّة. في هذا العصر، لا يصبح المرء ملكًا لمجرّد أنّه انتصر. الدعم الشعبيّ والذرائع المنطقيّة مهمّة.”
كان هذا كلامًا غير معتاد بالنسبة إلى لوسيد، لكنّه منطقيّ.
بالفعل، أفعال جيش مملكة بايريل تلقّت انتقادًا كبيرًا.
فهل سيقتلون كاي أيضًا؟ أو يأخذونه رهينة ويتسلّمون الإمبراطوريّة؟ واضح أنّ هذا يفتح بابًا هائلًا للاتهامات.
“لذا سيكون إيدموند بخير. أمّا أنا … فأرجو بصراحة أن يعود ميّتًا.”
رفعتُ عينيّ بحدّة غضبًا من سخافته.
“انظري هناك. إنّه قادم، بأمانٍ تام”
قالها لوسيد بنبرةٍ تجمع الأسف والمعرفة المسبقة.
عند سماع قوله، أسرعتُ نحو النافذة. ورأيتُ من بعيد المجموعة التي كانت ترافق إيدموند.
وما إن تأكّدتُ أنّه هو، حتّى اندفعتُ إلى الأسفل راكضة.
“هاه، هل يعجبك إلى هذا الحدّ؟”
تجاهلتُ تعليق لوسيد المضحك المبكي.
“يا صاحب السموّ!”
كان إيدموند عند بوّابة القصر، ولم يبدُ عليه تغيير كبير عمّا كان عليه قبل انطلاقه. لم يكن مصابًا، وهذا جعلني أتنفّس بارتياح … إلى أن رأيتُ تجهمًا أشدّ من ذي قبل على وجهه.
عندها فقط نظرتُ حولي. لا فيليكس، ولا الإمبراطور.
مستحيل … لا، لن يكون ذلك.
كما قال لوسيد، لا فائدة للعدوّ من قتل الإمبراطور. هذا العالم أيضًا يعتمد على الذرائع الرسميّة. لا بدّ أنّهما بخير.
“هل أنت بخير؟”
“…….”
لم يردّ إيدموند. بدا كمن فُقِد نصفُ روحه.
“يا صاحب السموّ، ما الّذي تنوي فعله الآن؟” ، سأل أحد الجنود.
كان يرتدي زيّ الحرس الإمبراطوري، لكنّي لم أرَه من قبل.
“هل … هل ستتزوّج السيّدة إيكلا بالفعل؟”
أسرعت المجموعة لإسكاته، لكن بعد فوات الأوان.
“ما معنى هذا الكلام؟” ، قالها لوسيد الذي لحق بي إلى الأسفل.
“إيكلا؟ ألم تكن تلك الفتاة من قبيلة فوغليش التي كانت تعمل تحت إمرة إيدموند سابقًا؟”
“نعم، صحيح.”
تحرّر الجنديّ من الأيدي التي تحاول منعه، ثمّ ركع أمام لوسيد.
“قال ممثل فوغليش، آسـيس، حين ذهبنا لإنقاذ الإمبراطور و اللورد فيليكس، إنّهم سيعيدون جلالته سالمًا، وستنتهي الحرب أيضًا … إذا تزوّج صاحب السموّ إيدموند من حفيدته إيكلا.”
رفع رأسه ببطء، وعلى شفتيه ابتسامة صغيرة.
“فقط لو قبل الزواج، سيعيدون الإمبراطور بأمان، وتنتهي هذه الحرب.”
“أيّها الحقير!”
أمسك إيدموند بتلابيب الجنديّ بغضبٍ شديد.
وقبل أن يصرخ في وجهه، تجهم فجأة.
“تمهّل.”
“…….”
“هذه أوّل مرّة أرى وجهك.”
“كيف يمكن لجلالتكَ أن تتذكّر وجوه الجنود البسطاء جميعًا؟”
ابتسم الجنديّ محاولًا إبعاد يد إيدموند، لكنّ الأخير شدّ قبضته أكثر.
“لا. أتذكركم جميعًا. أنا بنفسي اخترتُ حرّاسي ورتّبتهم. لم أرَ وجهك مطلقًا. فيلـ… لا، فاكيل.”
كاد ينطق اسم فيليكس، لكنه قبض يده بشدّة ونادى على فاكيل.
“أؤكّد أنّني لم أرَه من قبل أيضًا.”
“هل يعرفه أحد منكم؟!”
أمسك إيدموند وجنتي الرجل بعنف وعرَضه على الجنود الذين كانوا معه. لكن لم يعرفه أحد.
“أرأيت؟ ليس فقط أنا، بل لا أحد يعرفك هنا.”
زاد ضغط إيدموند على وجهه، فتلوّى الرجل مختنقًا.
“لمن تعمل حقًّا؟”
كاد يقتله لولا …
“هل هذا صحيح؟”
جاءت الإمبراطورة وهي تُحرّك ذيل فستانها الفاخر.
“هل صحيح أنّ إيدموند، لو تزوّج فقط، سيُعاد الإمبراطور سالمًا؟”
“نعم! نعم، هذا صحيح!”
ما إن ظهرت الإمبراطورة إمباتس حتى أرخى إيدموند يده.
فاندفع الرجل بسرعة ليركع عند قدميها.
“هاه.”
نقر إيدموند بلسانه.
“هذا الرجل منكِ إذن.”
“تقول هذا الرجل؟ تقولها لأمّك؟”
ابتسمت الإمبراطورة، وشفاهها حمراء مرفوعة.
كانت تضحك، لكنّ في عينيها شرًّا واضحًا.
“إيدموند، إن كان زواج الأمير سينهي هذه الحرب، فأيّ زواجٍ أثمن وأعظم بركة من هذا؟”
“لقد رفض جلالتُه هذا الشرط منذ البداية. ولن أفعل أنا ذلك. لن أتزوّج من امرأة لا أحبّها.”
قالها وهو يضغط على أسنانه.
“أراك واهمًا، لذا سأوضّح: أكبر سلطة في العائلة الإمبراطوريّة الآن هي سلطتي أنا.”
تقدّمت الإمبراطورة خطوة، بابتسامة متعالية.
“أليست سلطة القرار بيدي؟”
وفقًا لقانون الإمبراطوريّة، في حال غياب الإمبراطور أثناء الحرب أو الأزمات، تكون سلطة القرار للإمبراطورة. ولذلك كان إيدموند يحاول إعادة الإمبراطور إلى العاصمة بسرعة.
لكن بما أنّ الخطة فشلت … أصبحت السلطة في يد الإمبراطورة. وهذا يعني: لو قبلت الإمبراطورة بشرط الزواج … فإيدموند سيُجبر على الزواج من إيكلا.
وخز الألم صدري.
“ها، يبدو أنّكِ تريدين الإمساك بزمام الأمور بعد دخولكِ المتأخّر إلى العاصمة. لكن من تظنّين سيخضع لكِ؟”
حين أظهر إيدموند عداءه الصريح، ضحكت الإمبراطورة بصوتٍ مرتفع.
“أفهَم. حسنًا، فهمتُ رأيك تمامًا.”
ضحكت كالساحرة من القصص، ثمّ استدارت. لم تكن ممّن ينسحبون بسهولة، فبدأ القلق يجتاحني.
***
وفي اليوم التالي …
“يا صاحب السمو! يا صاحب السمو، كارثة!”
هاجم العدوّ القرى.
هذه المرّة لم يكن جيش بايريل وحده، بل انضمّ إليهم الأجانب أيضًا. هاجموا القرى ليلًا، سرقوا الطعام، وأحرقوا المنازل. ومات كثير من الأبرياء.
وقالوا إنّ كلّ هذا بسبب رفض إيدموند الزواج.
“سيدي! الناس … الناس تجمّعوا أمام القصر!”
“ماذا؟ لماذا؟”
“إنّهم …”
بلع الجنديّ ريقه، ثمّ نظر إليّ متردّدًا.
“إنّهم … إنّهم يتظاهرون ويطالبون بزواج صاحب السموّ من السيّدة إيكلا! يقولون: تزوّجْها وأنهِ الحرب!”
انتشرت الشائعة بسرعة في أنحاء الإمبراطوريّة: الأجانب وضعوا شرط الزواج، وإيدموند رفض.
التعليقات لهذا الفصل " 115"