ابتسم فيليكس ابتسامة أبويّة و نظر إلى الخلف. كان يوهان يفتح باب المعبد ويلوّح لي. لوّحتُ له بدوري بخفّة.
“هل كان صاحب السّمو صغيرًا إلى هذا الحدّ عندما رأيته أوّل مرّة؟”
“نعم. كان عمره ربّما … ستّ سنوات. كما تعلمين، نشأ خارج العاصمة الإمبراطوريّة ولم يأكل كفايته، فكان أصغر من أقرانه.”
ستّ سنوات وصغير إلى هذا الحدّ. الآن هو من أطول الرّجال، فلا أصدّق.
“الآن أصبح رجلاً مزعجًا تمامًا … آه، هذا الكلام سرّ.”
“بالطّبع.”
ضحكتُ وألححتُ على فيليكس.
“إذن، أخبرني المزيد عن صاحب السّمو في ذلك الوقت. كيف كان طفلاً؟”
لمعت عينا فيليكس عند سؤالي كمن يُغمَر بالذّكريات.
“ها، حقًا. كان فتىً لطيفًا جدًّا جدًّا.”
“صاحب السّمو، لطيفًا؟”
“نعم. كان في ذلك الوقت يبكي ويضحك لأتفه الأمور، فتىً لطيفًا. كان زملائي يسخرون منّي عندما أقول هذا قائلين ‘هل هو ابنك؟’.”
“سيّد فيليكس، معذرة على السّؤال الآن، لكن عمرك …”
“أنا؟ أربعون.”
يا إلهي. ما الّذي مرّ به في شبابه حتّى يبدو وجهه …
“ما هذه النّظرة؟ شعرتُ للتوّ بإهانة بالغة.”
“هذا وهم منك.”
كان فيليكس متجهّمًا لكنّه ابتلع كلامه على أيّ حال.
“قيل إنّكَ أنقذتَ صاحب السّمو.”
“نعم. في الحقيقة لم أكن أحلم أنّه أمير.”
ابتسم فيليكس وهو يستذكر ذلك اليوم.
“كان قذرًا، وملابسه فاخرة لكنّها قديمة جدًّا وبالية. كانت أكبر بكثير من جسده، فبدت كأنّه يرتدي ملابس أحد آخر. لم يتخيّل أحد من الجنود أنّ هذا الطّفل من سلالة إمبراطوريّة. لو علمتُ لما أطلقتُ النّار.”
“ماذا؟ ألم تكن أنقذته من مطاردة اللّصوص؟”
بالتّأكيد قال إيدموند إنّه هرب من المنزل وأنقذه فيليكس.
“آه، يبدو أنّ صاحب السّمو اختصر الكثير في روايته ذلك اليوم.”
ضحك فيليكس بخفّة وقال، “الّذي أطلق النّار على صاحب السّمو لم يكن لصًّا. الّذي أطلق النّار هو أنا بالضّبط.”
توقّفتُ عن المشي دون وعي عند كلام فيليكس.
“أطلقتَ النّار أنتَ يا سيّد فيليكس؟”
“نعم. أنا أطلقتُ. كي لا يموت، استهدفتُ كفّ يده بأقلّ ضرر ممكن. ربّما قال ذلك بغموض من أجلي.”
ابتسم فيليكس بخجل.
“أخبرني بهذه القصّة بتفصيل أكثر!”
“ماذا؟”
أمسكتُ يد فيليكس وتوسّلتُ تقريبًا. ارتبك فيليكس من تصرّفي لكنّه أومأ وقال، “روايتها ليست صعبة. لكن سرًّا عن صاحب السّمو.”
هكذا بدأ فيليكس يروي قصّة منذ خمس عشرة سنة.
***
كان شعر الفوغليشيين فضّيًّا وعيونهم حمراء.
وبما أنّها مطابقة تمامًا لوصف الشّيطان في المعبد، كان الإمبراطوريّون يكرهون الفوغليشيين بشكل خاصّ.
بل تجاوزوا الكره إلى الاشمئزاز، واضطهدوا الّذين جاؤوا إلى الإمبراطوريّة للعيش. نتج عن ذلك هذه الحرب الأهليّة.
“ها. الآن لم يعد هناك فوغليشيّون في العاصمة، فهل يجب أن نبحث هكذا؟”
عبس فيليكس وهو يتلفت.
مهما فكّر فهذا مذبحة بلا سبب. قتل كلّ غريب يُرى بحجّة تطوّر الإمبراطوريّة.
مهما فكّر فهذا خطأ، لكنّه جنديّ. أوامر القيادة مطلقة للجنديّ. صلّى فيليكس ألا يظهر أجنبيّ أمامه اليوم.
في تلك اللحظة، وقع نظر فيليكس على طفل صغير.
شعره أسود لكن عينيه أحمر قاتم أكثر من أيّ أحد.
هل هو فوغليشيّ؟ هل يجهل وضع العاصمة الآن.
كان الطّفل يركض مذعورًا نحو مكان ما دون أن يخفي عينيه جيّدًا.
“يبدو أنّه لا يوجد هنا، فهل نعود؟ الجوّ بارد أيضًا.”
“ربّما؟ كما قال فيليكس، إن كان لدى الفوغليشيّين عقل لما خرجوا من منطقة أومفا.”
‘أرجوك لا تُكتشف، ارجع سالمًا’ ، صلّى فيليكس ودفع زملاءه بعيدًا عن الطّفل.
“مهلاً، لحظة. رأيتُ للتوّ عينين حمراء.”
شتم فيليكس دون وعي.
“ما هذا، طفل؟”
“ما زال هناك فوغليشيّون في العاصمة.”
“صبغ شعره كي لا يُكتشف؟ غبيّ.”
كان يعتقد أنّهم هربوا جميعًا منذ زمن، فلماذا. تنهّد فيليكس وصوّب بندقيّته. إن أطلق زملاؤه لأصابوا الرّأس أو القلب بالتّأكيد. إذن بدلاً من ذلك.
طاخ-
كان الأفضل أن يُطلق هو. أبعد مكان عن القلب.
المكان الأكثر احتمالاً لنجاة الطّفل. كفّ اليد مباشرة.
“مات؟”
“بالتّأكيد مات.”
قبل أن يتحقّق الزّملاء الآخرون من حياة الفتى.
أشعل فيليكس سيجارة ببرود وقال، “اذهبوا أوّلاً.”
كان محظوظًا أنّ جميع من معه اليوم غير مدخّنين سواه.
التعليقات لهذا الفصل " 103"