جميع ما عشته هنا؛ من تلقّي طلقٍ ناريّ، وضربةٍ بالعصا على رأسي، وها أنا الآن سأُطعَن بالسّكين. تُرى، هل سيكون ألم الطّعنة أقلّ من ألم الرّصاصة؟ ليتَه كذلك.
ضممتُ الطّفل بين ذراعيّ وأغمضتُ عينيّ بإحكام.
طاخ—!
في تلك اللّحظة، كان ذلك صوت الطّلقات النّاريّة الّذي بات مألوفًا لديّ دون أن أدري.
ومع صوت ارتطامٍ حادّ أمامي، سقط السّكين أرضًا.
الرّجل الّذي كان يبدو قبل لحظة كجدارٍ شاهق سقط بلا حول ولا قوّة. شدّ الطّفلُ الّذي كان في حضني ذراعيه حولي بقوّة أكبر، وقد أفزعه صوت الطّلقات.
“أوليفيا! هل أنتِ بخير؟”
بين أصوات أقدام الجنود، سمعتُ صوت رجلٍ يناديني.
“الآن أنتِ بخير. لا داعي لأن ترتعبي هكذا.”
“يا … سموّ الأمير؟”
وللمرّة الأولى، ما إن رفعتُ رأسي حتّى تساقطت دمعةٌ واحدة.
لستُ أعلم هل كانت لشعور النّجاة … أم لخوفي من الموت … أم من إحساس الذّنب لأنّني فكّرت، ولو لوهلة، في التخلّي عن هذا الكائن الصّغير بين ذراعيّ.
“لماذا؟ هل بدا شكلي وسيمًا لدرجة أبكتكِ؟”
كان طرف شفتيه يرتفع على نحوٍ مازح، وتظهر أسفل عينه شامة الدّمع. لو لم يكن لوسيد يتحدّث بهذه الطّريقة، لربّما بكيتُ أكثر.
“تحاولُ المزاح أيضًا.”
“ألا يمكنكِ -ولو كمزاح- أن تقولي إنّي وسيم؟ لقد بدوتُ للتوّ كالأمير الّذي يمتطي حصانًا أبيض. ألا توافقين؟”
رفع كتفيه باستخفاف. وبالطّبع، لقد أنقذ حياتي.
“لكن … لماذا أنتَ هنا يا سموّ الأمير لوسد؟ ومعك جنود أيضًا … لا، مهلاً. هل أطلقتَ النّار على الأجانب الآن؟”
عند سؤالي، هزّ لوسيد كتفيه.
“كانت هناك اشتباكات قرب القرية. كنّا عائدين.”
“لكن جلالته أمرَ باستخدام القوّة في أضيق الحدود!”
هل … هل تخلّى عن موقع ولاية العهد؟ صحيح أنّ الفارق بينه وبين إيدموند كبير منذ البداية، وعوامل كثيرة تصبّ في صالح الأخير. لكن لوسيد كان دائمًا غيرَ مُكترث، هادئًا، غير مبالٍ.
“وإذن؟ هل يفترض بي أن أقف وأشاهد الناس يُقتلون؟ مهما كانوا عامّةً، فهم جميعًا شعبي، أبناء هذه الإمبراطوريّة!”
ارتفع صوته بغتة. لم يكن هذا تصرّفه المعتاد. الشّخص الّذي كان دائمًا يبتسم، يخفي غضبه، ويتظاهر باللا مُبالاة … أين ذهب؟
“أنا أمير هذه الإمبراطوريّة! صحيح أنّ أوامر جلالته مُطلقة، لكن … هل يفترض أن أقف متفرّجًا بينما الأبرياء يُقتلون؟!”
لم تكن نبرته، ولا نظراته، تشبه لوسيد الّذي أعرفه. والأغرب أنّه لم يكن ينظر إليّ حين يتحدّث؛ بل إلى النّاس من حوله … كما لو كان يُلقي خطابًا.
“يا إلهي، أذلك فعلاً سموّ الأمير لوسيد، الأمير الثّاني؟”
“سمعتُ أنّه لا يهتمّ بمثلنا نحن عامّة الشّعب، لكن يبدو أنّ الإشاعات كانت خاطئة!”
“على أيّ حال، لقد أنقذ حياتنا! سواء الإمبراطور أو الأمير إيدموند … كلاهما يهتمّ بالأجانب فقط ولا ينظرون إلينا نحن الإمبراطوريّين!”
هل … هل هذا مقصود؟ هل جاء بالجنود عمدًا، وقتل الأجانب أمام النّاس، ليجذب تأييدهم؟
“لن أتحمّل أكثر من هذا. أطلقوا النّار! سأتحمّل أنا تبعات الأمر!”
كانت تلك الإشارة الّتي جعلت الجنود يمطرون الأجانب بالرصاص.
“لا تقلقوا. سموّ الأمير لوسيد سيحميكم.”
“ها هو الطّاقم الطبيّ الّذي جلبه سموّه، ليتقدّم الجرحى من هنا.”
كان مساعدوه يتحرّكون بثقة، وكأنّهم علموا مسبقًا بما سيجري. رؤية هذا المشهد جعلتني أشعر بالدوار.
“أوليفيا، لماذا تنظرين إليّ هكذا؟”
كانت عيناه تلتفّان كعينَيْ أفعى. وعندها تذكّرت.
هذا الرّجل … هو بالفعل خُطّةُ هذا العالم، خُبثه، وظلامه.
وها هو قد حصل على تعاطف الشّعب. وعلى الدّم الّذي سيؤدّي حتمًا إلى اندلاع حرب أهليّة جديدة.
التعليقات لهذا الفصل " 102"