مزاجي، ووضعـي الحالي أيضًا. لم يكن من الممكن أن يكون أكثر سوءًا.
كنتُ واثقةً من أن غالرَهيد هو السيّد. لذلك استطعتُ التحمّل. وحتى عندما كان يؤلمني قلبي كلّما رأيتُ إيدموند، قلتُ لنفسي إنّه عندما أغادر من هنا سيصبح كلّ شيء على ما يرام. وعندما أغادر ويَمضي الوقت، فسأنسى هذا العالم أيضًا.
“إذن، من يكون السيّد يا ترى …”
أين هو السيّد؟ هل كانت مقاربتي خاطئة؟
فجأةً تسلّلَ إليّ شعورٌ بالقلق. ربّما منذ البداية كنتُ أُلعوبةً في يدِ شيطانٍ لا أكثر.
منذ البداية، حين وضعَ روحي داخل دمية. وحين جعلني إنسانة وأضاف بنودًا لا تُصدّق في العقد.
ربما كان يريد رؤية منظري وأنا أرتجف من رعب الموت، وأشقّ الأرض بحثًا عن أملٍ ضئيلٍ في لقاء أمّي. ثمّ بعد ذلك، يأكل روحي.
وحين فكّرتُ هكذا، بدا كلّ شيءٍ عبثيًّا.
معركتي الطويلة لخمسة عشر عامًا، كانت بالنسبة لشيطانٍ يعيش الأبد مجرّد لحظة ترفيه عابرة، وهذا ما جعلني أغضب أكثر.
“اللعنة على ذاك الشيطان.”
لماذا كنتُ أنا بالذات؟ لماذا؟
هناك كثيرون يكتبون تعليقاتٍ يتمنّون فيها أن ينتقلوا إلى عالم رواية ولو لمرة واحدة. وهناك من يعيش حياةً أسوأ من حياتي بكثير، فلماذا أنا؟
كلّ نقمتي، التي لم أعرف إلى أين أوجّهها، ظلّت تصبّ على ميفيستو. وأنا في الحقيقة أعلم. فمن البداية كان هذا هو طمعي أنا.
في ذلك العالم كنتُ قد متُّ بالفعل، وإن وُلدتُ من جديد كحيوان أو نبات، كان عليّ أن أتقبّل ذلك. أن أتخلّى عن تعلّقي. لكنني أنا التي استسلمتُ لتلك الهمسة الحلوة التي قالت إنّه سيُعيدني إلى عالمي.
والآن بعد كلّ هذا، ما الفائدة من شتم ميفيستو…؟ ما دام ما حدث هو فعليًّا من صنيعي. فقد اخترتُ ذلك بنفسي، وعليّ أن أتحمّل مسؤولية ما يخصّني.
“هيا، استفيقي.”
كم كان الوقت المتبقّي لديّ؟ وإن أردتُ إيجاد سيّدٍ آخر خلاله …
وبينما كنتُ غارقةً في التفكير، أدركتُ أمرًا واحدًا.
لقد نسيتُ الفرسان المقدّسين بسبب توتّري.
فقد خرجتُ من مخزن الأدوية راكضة، واتّخذتُ الطريق الخلفي، لذا قد يكون الفرسان الآن يبحثون عنّي دون أن يفهموا ما الذي حدث.
“همم. هل عليّ العودة؟”
أم هل الأفضل أن أعود مباشرةً إلى المعبد؟ ربّما نضيع عن بعضنا بلا داعٍ. لكن هل أستطيع العودة بأمان من دون الفرسان؟ أستطيع …؟
الطريق الذي كنتُ أمشي عليه قبل قليل بلا أيّ مشكلة، بدا الآن مخيفًا فجأة.
هل سيكون الأمر على ما يُرام؟ لقد قطعتُ نصف الطريق بالفعل، والعودة الآن غريبة. ولم يحدث لي شيء حتى الآن.
و الأجانب في هذه المنطقة يكنّون لي الودّ أصلًا لأنّهم يعرفون وجهي منذ مشروع إعادة تطوير منطقة أومفا.
“صحيح، سيكون الأمر بخير.”
وإن لم يجدني الفرسان، فسيعودون هم أيضًا إلى المعبد.
لذا، سأعود أنا كذلك أوّلًا.
وبينما كنتُ أسرع بخطواتي، التقيتُ شخصًا مألوفًا.
كان الرجل الذي كان يُعطيني الخبز كلّ يوم عندما كنتُ أسيرةً لدى جماعة بلاكوود. أتذكّره جيّدًا بسبب الشامة الكبيرة على وجهه.
لكن من المفترض أن إيدموند قد قضى على الجميع.
كيف نجا؟
ظلّ الرجل يتلفّت حوله ثم دخل إلى قرية صغيرة. هل يعقل أنّه يختبئ هنا؟ وإن قبضتُ عليه، فقد أعلم من الذي حرّضه على اختطافي وقتها.
قد تكون هذه فرصة. فاتبعتُه ببطء. وكان يبدو كمن يعيش مختبئًا في ما يشبه الخيمة. لكن حتى لو أظهرتُ نفسي له الآن، فلن أستطيع فعل شيء.
ليتني جئتُ مع الفرسان بالفعل.
على أيّ حال، معرفة موقعه مكسب كبير. سأعود وأخبر إيدموند، ثم نأتي مع فيليكس ونقبض عليه.
وبينما كنتُ أفكّر في العودة، حدث ذلك فجأة.
“آآه!”
ارتفعت صرخات الناس. كانوا أجانب.
سمعتُ أنّ بعض الأجانب يتحرّكون جماعاتٍ ويقتلون حتى رعايا الإمبراطورية الأبرياء. لماذا الآن بالذات؟ هل سأموت هنا؟
هاجم الغرباء المسلّحون رعايا الإمبراطورية الأبرياء وضربوهم وقتلوهم. ثم سمعتُ بكاء طفل. لا يمكنني إنقاذ الجميع هنا. لكن طفلًا واحدًا … ربما أستطيع تهريبه.
“هيا أيّها الصغير، تعال.”
لكنني أغفلتُ شيئًا مهمًّا. فالطفل الخائف لم يستطع الركض جيّدًا، وكنتُ أنا ضعيفة البنية لكي أحمله وأهرب.
وفي النهاية، رآنا أحد الأجانب، فاقترب حاملًا سيفه.
“أنا أعرف وجهكِ.”
قال الأجنبي الذي يحمل السيف.
“كنتِ بالتأكيد معاونةَ سموّ الأمير إيدموند، صحيح؟”
لم أكن أتذكّر وجهه. لكنّه تحدث وكأنّه يعرفني جيّدًا.
“بفضلكِ أنا حيّ.”
هل أنقذتُ أحدًا من قبل؟ لقد أنقذتُ إيدموند مرّة، لكن غيره … لا أتذكّر.
“ألم تقولي لنا ذات يوم أن نرتدي معدات الوقاية ونبني السكن الداخلي؟”
“آه …”
صحيح، هذا كان منذ زمن.
كانت معدات الوقاية شيئًا غريبًا على عمّال هذا العالم. لكنني ظننتُ أنّ العمل في موقع بناء دون حماية الرأس أمرٌ خطير، لذا صنعتُ خوذات ووزّعتها. وقلتُ لهم: مهما حدث، ارتدوها دائمًا.
“وفي موقع البناء ذاك، انهارت فجأة موادّ فوق رؤوسنا.”
“ماذا؟”
لم أتذكّر أيّ تقرير عن ذلك الحادث، فحاولتُ التذكّر بسرعة.
“أعتقد أنّ ذلك كان عندما اختطفتكِ جماعة بلاكوود.”
أوه. حين كانت إيكلا تتولّى العمل بدلاً منّي.
“لكن لو كان هناك إصابات خطيرة، لكنتُ علمتُ بذلك.”
“قلتُ لكِ إنّكِ أنقذتِ حياتي.”
ابتسم الرجل وأشار إلى رأسه.
“لولاه لفقدتُ حياتي. لكن بفضله لم أتعرّض سوى لكدمات بسيطة. وكان هناك طبيب قريب أيضًا.”
“آه. هذا حسن.”
مع أنّ هذا ليس وقتًا مناسبًا لقول مثل هذا. ويبدو أنّ الرجل فكّر بالأمر نفسه، إذ خفّض السيف قليلًا وقال: “نحن الأجانب ندين لكِ بالكثير. لذا لا نرغب في إيذائك.”
لو كان يفكّر حقًّا هكذا، فهذا جيّد.
نظرتُ سريعًا حولي. الطفل الذي في حضني. والمرأة الخائفة خلف النافذة. والرجل الذي يُمسك ابنه وهو يرتجف صامتًا. لا أستطيع تركهم يموتون أمام عيني.
“سنترككِ هذه المرّة. لكن إن عُدتِ وعطّلتِ أعمالنا، فلن نرحمكِ حينها.”
وبكلمة “سنترككِ”، شعرتُ بنظرات الطفل الذي في حضني.
وكذلك نظرات الآخرين.
“العائلة الإمبراطورية تبذل كلّ ما تستطيع من أجلكم.”
شدَدتُ قبضتي حول الطفل أكثر. أشعر بالخوف. ماذا لو طعنني الآن؟ هل سأموت؟ وإن متُّ، فهل سينتهي العقد مع الشيطان؟
لا، ميفيستو لن يتركني أموت هكذا ببساطة. سيُحييني بأيّ طريقة ليُكمل تنفيذ العقد. لذا، ما دمتُ لا أموت … فلا داعي للتراجع.
“تبذل أقصى ما تستطيع؟ وهذه هي النتيجة!”
قبض رجلٌ آخر على سيفه بقوّة.
“يريدون ألا يتضرّر أحد من الطرفين؟ أيّ هراء هذا؟ هل تعتقدين أنّ ذلك ممكن؟ لقد مات رفاقنا ظلمًا!”
“وهذا ينطبق علينا أيضًا!”
“وما الذي فعلناه نحن؟! نحن لم نُخطئ بشيء! لقد وُلدنا فقط! وكلّ ما أردناه هو أن نعيش ونؤدّي دورنا في هذه البلاد!”
“ذلك …”
لم أستطع قول شيء أمام غضبه العارم. فأنا أعرف جيّدًا حجم التمييز الذي يتعرّضون له، وأعرف أنّه بلا أيّ شرعيّة.
فالإمبراطوريون كانوا يحتقرون الأجانب بلا سبب، ويعاملونهم كعبيدٍ اندثروا منذ زمن.
“لقد تمرّدنا مرّة، ووعدونا أن يعاملونا كأنداد! لكن ما النتيجة؟! لا شيء تغيّر! ما زالوا يعاملوننا كحشرات!”
“صحيح! لن نتغاضى بعد الآن! سنُظهر لهم أنّنا أيضًا بشر قادرون على الغضب!”
وما إن صرخ الرجل، حتى بدأ الأجانب جميعًا يلوّحون بأسلحتهم. ماذا أفعل؟ بالكاد أستطيع حماية الطفل في حضني.
“أ، أختي.”
أمسك الطفل طرف ثوبي وهو يرجوني أن أنقذه.
وارتفعت صرخات الناس.
وحتى لو أنقذني ميفيستو، فسأشعر بألم شديد إن طُعِنت.
وربما تكون إصابتي خطيرة. وإن فقدتُ وعيي لأيامٍ كما حدث سابقًا، فسينقص الوقت المتبقّي للعثور على سيّدي.
وإن ضاع جهدي الممتدّ لخمسة عشر عامًا؟ هل عليّ فعلًا أن أخاطر لأجل هذا الطفل؟
كان التفكير المفاجئ مرعبًا.
يا إلهي، ما هذا التفكير المروّع الذي خطر لي؟
“إن لم تتنحّي جانبًا، فلا خيار لنا. ستموتون جميعًا!”
التعليقات لهذا الفصل " 101"