قال الرجل وهو يرفع يده ببطء عن فمي:
“أعتذر. سأحررك، لكن أرجوك خفّضي صوتك قدر الإمكان… هل تستطيعين ذلك؟”
هززت رأسي، فابتعدت يده أخيرًا.
“النا–– الناس… ممف، همف!”
ضحك قليلًا ثم قال:
“هاها… في الحقيقة، أنا الآن مطارد. لو سمحتِ لي بالاختباء هنا قليلًا، فسوف أغادر فورًا.”
واو… هل يمكن أن يكون أكثر إثارة للريبة؟
ما السبب الذي يجعل شخصًا يختبئ ملتصقًا بجدار متجر في وضح النهار ويتجنب الناس؟
جاسوس؟ أم مجرم؟
قال فجأة:
“لست مجرمًا.”
…هل قرأ أفكاري؟
“أعتقد أنه من الأصعب ألا أعرف، عندما تظهر كل أفكارك على وجهك بهذا الوضوح.”
هاه… إذًا تعبير الوجه المحايد عندي لم يكن مثاليًا كما اعتقدت.
كان رجلًا ذا بديهة سريعة جدًا.
“على أي حال، فهمتِ ما أعنيه، صحيح؟”
هززت رأسي مرة أخرى.
وبالطبع… كنتُ أنوي طرده حالما يبعد يده عني.
…إلى أن أدركت شيئًا مهمًا.
خلال اللحظات التي كان يغطي فيها فمي، اقترب وجهي من وجهه، فرأيته عن قرب لأول مرة.
على الرغم من أن نظارته السميكة غطّت معظم ملامحه، إلا أن خط وجهه كان جميلًا ومتناسقًا.
حاجباه مرتبان بانحناءة لطيفة، ورموشه الطويلة رسمت ظلًا فوق عينين داكنتين متلألئتين.
أما بشرته، التي حسبتها شاحبة من بعيد، فقد كانت من قرب بلون حليبي نابض بالحياة.
باختصار… هذا الرجل وسيم جدًا.
وسيم لدرجة يمكن وصفه بأنه “جميل”.
كان منطقي يصرخ بوضوح: اصرخي!
لكن مشاعري… كانت تخنق ذلك النداء تمامًا.
هل تدركون مدى ندرة رؤية رجل بهذا الجمال في الحياة الواقعية؟
هذا النوع من الرجال يُجعلك تفتخرين أمام صديقتك على الكاكاو لمدة ساعة كاملة إن صادفته في الشارع صدفة.
أنا أكره التورط في المتاعب.
والرجل أمامي، رغم أنه لا يبدو مجرمًا، إلا أنه مطارد لسبب ما… وبصراحة، يبدو أنه كومة متاعب.
وشعاري منذ أن عدت بالزمن هو:
“لنبتعد عن كل ما يسبب المتاعب.”
شعار جديد نسبيًا… لكنه مهم.
لذا كان عليّ طرده… كان عليّ فعل ذلك…
لكن عندما رفع الرجل يده تمامًا والتقت عيناه بعينيّ––
ضُربتُ مرة أخرى بذلك القدر المذهل من الجمال.
وفي النهاية، قالت مشاعري بدلًا مني:
“…ادخل للداخل أولًا.”
نعم، هذه المرة، الجانب العاطفي هو الذي انتصر.
فليس على الإنسان أن يعيش بعقلانية دائمًا… أليس كذلك؟
***
“ميوم، لدينا زبون.”
“مياو؟ (ما الذي تهذين به فجأة؟)”
“هناك ظرف طارئ، فقط كل شيء.”
دخل الرجل وجلس على المقعد المقابل للطاولة.
كان رجلًا مليئًا بنوع من الجاذبية الباردة الغامضة.
سألته مباشرة:
“إذن، لماذا كان شخصٌ من نقابة تشونغنا مختبئًا هناك؟”
ولئلا يساء فهمي، لم أدخله فقط لأنه وسيم بشكل خطير.
فعندما كان يغطي فمي، وبعد أن لاحظت مظهره، لفت نظري أيضًا شيء آخر:
العلامة المحفورة على ياقة معطفه.
عندما سمع سؤالي، تجمد قليلًا وكأنه يراقبني بحذر.
قلت:
“لِمَ تبدو متفاجئًا؟… أليس هذا شعار تشونغنا على ملابسك؟”
أشرت إلى التطريز الأزرق على معطفه.
شكل الكرمة الزرقاء ذلك كان بلا شك شعار نقابة تشونغنا.
والانتماء إلى نقابة معينة هو أقوى دليل على الهوية.
فالنقابات مسؤولة عن إدارة الصيادين والإشراف عليهم، وتتعامل مع أي نزاع بسيط بمجرد الإبلاغ عنه.
بمعنى آخر––
هذا الرجل يمتلك هوية رسمية وموثوقة.
قال وهو يلمس ياقة معطفه:
“آه… هذا؟ لقد ارتديت أي شيء وخرجت فحسب.”
“ماذا؟ أهو انتحال؟”
وضعت يدي ببطء داخل جيبي وأمسكت هاتفي.
فانتحال صفة نقابة الصيادين جريمة كبيرة.
وإن كان ينتحلها… فسأبلغ الشرطة في لحظة.
لوّح الرجل بيديه بسرعة:
“لا، لا! ليس انتحالًا، كما قلتِ. أنتِ محقة.”
ثم قدّم نفسه على عجل:
“اسمي كي يوهيون. وكما قلت، أنا صيّاد تابع لنقابة تشونغنا.”
فقلت:
“إذن، لماذا كنت مختبئًا هناك؟”
ابتسم ابتسامة جافة:
“هذا… هاها، هناك عدة أسباب. لنقل فقط أن الكثير من الناس الذين يبحثون عني، وأردت أن… أتهرّب قليلًا.”
بكلمة أخرى––
إنه يتسلّل من العمل.
حدّقتُ في كي يوهيون. فعلى الرغم من مظهره المتلألئ، فقد كان يرتدي ملابس بسيطة لدرجة بدا معها قليلًا بائس المظهر.
لم أستطع تخيّل هذا الرجل وهو يقتل الوحوش في الزنزانات بهذا الشكل البائس.
حسنًا، فهمت.
قد يكون بالفعل صيّادًا من نقابة تشونغنا، لكنه بالتأكيد من الرتب المتدنية، في آخر القائمة.
*حسب خبرتي المتواضعة هو العكس و هو البطل*
وبالطبع، للصيّادين منخفضي الرتبة معاناتهم الخاصة.
فعليهم القيام بالأعمال الشاقة، ويتعرضون لإساءة المعاملة من الصيادين ذوي الرتب العليا، ومن المؤكد أن لديهم الكثير من المتاعب اليومية.
نعم، جميعهم صيّادون، لكن ليس كل الصيّادين متساوين.
وبما أنني كنتُ سابقًا عبدة للشركة، فقد استطعت بسهولة تخيّل وضع كي يوهيون.
في حالة كهذه، من الطبيعي أن يرغب المرء في الهروب من الأنظار.
عندما كنتُ على وشك الموت من النعاس، كنت أهرب إلى الحمّام وأغلق الباب على نفسي.
وبينما شعرتُ بالشفقة عليه، ألقى كي يوهيون نظرة حول المقهى وقال لي:
“لم أكن أعلم أن هناك مقهى في هذا المكان.”
“…”
“…”
استمرّ الصمت بيننا.
والسياق الاجتماعي الطبيعي للمحادثة كان يقتضي أن أقدم له كأس قهوة.
هكذا تسير الأمور عادة:
『هل أُقدّم لك بعض القهوة؟』
『أوه، لا داعي للقلق.』
『لا، لا، يجب أن أقدّم لك بعض القهوة.』
『شكرًا، سأشربها باستمتاع.』
شيء كهذا.
لكن… لقد عدتُ من الفندق إلى المتجر هذا الصباح فقط.
وبما أنه تم إصلاحه للتو، فالثلاجة كانت فارغة تمامًا.
والشيء الوحيد الموجود هنا… هو كيس القهوة الفورية الذي كنت على وشك شربه قبل قليل.
هل يجب أن أقدّمه له؟
لكن… الكوب رقم 100 كان مخصصًا للاحتفال بإنهاء المهمة!
الأمر لا يتعلق بأنني أبخل بكيس قهوة… لا، لستُ بهذه التفاهة.
لكن كان من المحزن ألا أستمتع بهذه اللحظة التاريخية كاملة قبل إكمال المهمة.
إنه مثل أن تخفض شريط حياة الزعيم الأخير إلى 1%… ثم يفلت منك في آخر ضربة.
“….”
أخذ كي يوهيون ينظر إليّ بوجه متلألئ.
وذلك الوجه الحزين بدا وكأنه يقول:
「رجاءً… امنحي قليلًا من القهوة للصيّاد الضعيف المتعب من الأعمال الشاقة…」
ربما كان يحدّق بي دون قصد، لكن رؤية عينيه الضيقتين ولونهما العميق جعل عقلي يختلق القصة من تلقاء نفسه.
أوه… تلك العيون لا تُحتمل.
أليست هذه الجاذبية من مستوى المشاهير؟
“ميااو (لكن مستواه لا يصل لدرجة المشاهير).”
“اصمتي يا ميوم.” نظرتُ إليها بحدّة.
حتى لو لم يكن قادرًا على إسقاط دولة، فوسامته تكفي لزعزعة هذا المتجر.
“أم، أم… لا يوجد لدي الآن سوى قهوة جاهزة… تفضل.”
“أوه، لا داعي–– شكرًا على المشروب.”
ومن أجل الحفاظ على لباقة التعامل الاجتماعي، غادر آخر كوب قهوة يدي.
تسلم كي يوهيون الكوب الورقي وأخذ رشفة.
“هذا… لذيذ بشكل مذهل.”
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهه، ثم شرب رشفة أخرى بعينين متسعتين قليلًا من الدهشة.
“إنه لذيذ حقًا.”
رغم أنه برد قليلًا… لكنه لا يزال كوب قهوة فورية ذات أربع نجوم مع [الحالة: جيّدة].
شعرتُ بفخر صغير وأنا أراه يستمتع بها.
وسرعان ما فرغ كي يوهيون من شرب الكوب.
حسنًا… الآن من المفترض أن تظهر نافذة اكتملت المهمة…
…ماذا؟
الأمر غريب.
حتى بعد الانتظار طويلًا، لم تظهر نافذة إكمال المهمة.
هل هناك تأخير؟
هل يوجد عُطل في النظام؟
هل هو متصل بالإنترنت من الأساس؟
بتوتر، فتحت نافذة المهمات بسرعة.
‘مهمة.’
لم تُفتح.
‘مهمة.’
لا شيء.
‘افتحي نافذة المهمة الآن!’
“هل هناك خطب ما؟”
سأل كي يوهيون بينما كنت أحدّق في الهواء بصمت.
“أه… هممم. لا شيء. مجرد لحظة… أعتقد أن هناك خطأ تقنيًا.”
حسنٌ، سأفكر بالأمر لاحقًا.
فحقيقة أنني قد استيقظت … لم أخبر بها أحدًا بعد.
ولا أريد أن يظن أحد أنني غريبة الأطوار أتحدث إلى الهواء.
“بالمناسبة… لدي سؤال.”
بدافع الإحراج، غيّرتُ الموضوع بقول أي شيء.
“كي يوهيون-شي… آه، صحيح! هل سبق ورأيت القائد الحقيقي لنقابة تشونغنا؟”
“…نعم؟”
يا إلهي. قلت ما لا ينبغي قوله.
لقد تفوهت به في لحظة ارتباك… لكن في الحقيقة، فضولي حول هذا الموضوع حقيقي.
زعيم نقابة تشونغنا هو مو وون، المصنَّف الأول الغامض.
أول وأقوى صيّاد من الفئة S.
صيّاد صعد إلى قمة البرج ولم ينزل منها أبدًا.
لا توجد عنه سوى الشائعات.
إنه كبطل رواية خيالية، ولهذا من الطبيعي أن يطرح الناس الأسئلة حوله.
“إنه يخفي هويته دائمًا. و بما أنك تنتمي إلى تشونغنا… فقد كنت أتساءل عما إن كنت قد رأيته من قبل.”
لم أسأل هذا السؤال متوقعة إجابة.
فحتى لو كانا في النقابة نفسها، فمن المستبعد جدًا أن يكون صيّاد منخفض الرتبة قد التقى شخصية مهمة كهذه.
لكن كي يوهيون لم يُجب، بل قال فجأة وبملامح معقدة:
“يبدو أنك مهتمة جدا بقائد نقابتنا.”
“أمم… ليس بالضبط.”
“إذًا لماذا تسألين؟”
“فقط لأنه يواصل إخفاء هويته. أعني… لو كنتُ مكانه، لكنتُ أتفاخر بكوني الرقم واحد في كل مكان.”
“هـ… هل هذا صحيح؟”
“طبعًا. هناك حتى شائعة تقول أنه يخفي هويته لأنه قبيح… لكن لا يبدو الأمر هكذا.”
“…”
في اللحظة نفسها، اهتزّ بريق عيني كي يوهيون — هاتان العينان اللتان كانتا تتلألآن كعيني غزال — بشكل كبير.
لكن تلك الشائعة كانت منتشرة جدًا بالفعل.
فكرون جيون، فقط بكونه مشهورًا، كان يتلقى الكثير من طلبات الظهور الإعلامي حتى أنه يقول أن رفضها مرهق بحد ذاته.
ومكتب إدارة الزنزانات كان قد اعتاد الترويج للمصنَّفين الأعلى لطمأنة المواطنين.
تشوي سيدريك، المصنّف الثاني حاليًا والتابع لشركة C&L، يعيش الوضع ذاته — الإعلانات، المجلات، التلفاز، والبضائع التي تُباع باسمه.
لهذا السبب انتشرت الشائعات بأن المصنَّف الأول يخفي هويته لسبب ما.
ومعظمها يبدو نابعًا من شعور بالغيرة أو الدونية.
“لو كنت مكانه، لرفعت كمّي بحجة التحقق من الوقت، فقط لأريهم ساعتي المكتوب عليها المرتبة الأولى.”
“آهاهاها…”
سحب كي يوهيون كمّه للأسفل قليلًا، مغطّيًا ساعته، ولم أفهم لماذا بدا متوترًا بمجرد ذكري للساعة — وهي الدليل الرسمي لهوية المصنف الأول وصيّاد الفئة S.
“للأسف لا أعرف. لم يسبق لي لقاؤه.”
“أها… فهمت.”
في الواقع، مظهر كي يوهيون كان بالفعل كمظهر شخص من أدنى الرتب، فكيف له أن يعرف سرًا كبيرًا كهذا؟
سؤالي كان بدافع الفضول لا أكثر.
في تلك اللحظة، انحنى كي يوهيون فجأة تحت الطاولة.
“هاه؟ ما الأمر؟”
وبعد لحظة، تردد الصوت ذاته الذي سمعته قبل قليل خارج النافذة:
“أين ذهب هذا الوغد؟”
“اخرج بسرعة!”
“هناك! أليس مختبئًا هناك؟”
سرعة رد فعله كانت مذهلة.
يبدو أنك تحتاج هذه السرعة فعلًا لتصبح محترفًا في التهرب من العمل.
في ذهني، منحت كي يوهيون لقب: “سيد الهروب من الواجبات”.
زحف كي يوهيون تحت الطاولة ثم نحو النافذة المقابلة.
“أراكِ في المرة القادمة.”
وما أن اختفى كي يوهيون عبر النافذة… حتى ظهرت نافذة النظام أمامي.
[تهانينا! لقد أكملتِ ‘المهمة التدريبية: القهوة هي حلمي’.
يرجى استلام المكافأة.]
يبدو أن التأخر قد حل أخيرا.
***
مقهى صغير يقع عند بوابة الزنزانة رقم 3، في الشارع السادس عشر.
بعد أن ابتعد حتى أصبح المتجر بالكاد يُرى، خلع كي يوهيون نظارته ذات الإطار السميك.
لقد اختفت ابتسامته منذ وقت طويل.
ومع إزاحته لشعره الفوضوي… لم يعد الصيّاد المتلعثم والبائس الذي كان موجودا قبل قليل.
بل ظهرت في عينيه السوداوين — المظللتين برموش طويلة — برودة حادّة لم تكن موجودة سابقًا.
••••◇•••••••☆•♤•☆•••••••◇••••
ترجمة : 𝑁𝑜𝑣𝑎
تابعونا على قناة التلغرام : MelaniNovels
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"