في صباح اليوم التالي، ما إن فتحت عيني حتى قصدت المكتبة، فلم أملك إلا أن أفتح فمي دهشة.
فالرفوف التي كانت شبه فارغة بالأمس، امتلأت اليوم عن آخرها بكتب لا تحصى.
كم عددها يا ترى…؟
“نعم، سيدتي. لقد أخبرتُ الدوق بأنك تواظبين على القراءة في المكتبة هذه الأيام، فأمر بإحضار جميع الكتب الرائجة في الإمبراطورية.”
قال كبير الخدم، فروين، وهو يشرح بملامح يكسوها الاعتزاز.
قائمة الكتب الرائجة…؟
يبدو أنّهم راعوا سني عند الاختيار، إذ لاحت هنا وهناك كتب للأطفال أيضاً.
“أ… هذا جيد إذن؟”
لم أدرِ أأفرح بذلك أم أقلق.
كان من المفترض أن أهتف طرباً أمام ذلك الوجه المفعم بالرضا، لكنني لم أستطع ضبط ملامحي.
فالسبب الذي جعلني أدخل المكتبة يومياً لم يكن حبّاً بالكتب فحسب!
ولمّا لم يلقَ منّي ردّ فعل يرضيه، انخفضت حاجباه كمن خاب أمله.
ما هذا… هذه أول مرة أرى فرُوين عاجزاً عن إخفاء مشاعره!
قلت على عجل وأنا ألوّح بكتاب التقطته من الرف.
“آه! أليس هذا الكتاب الذي كنت أريد قراءته؟ يا للروعة! كم أنا سعيدة به!”
مثل ممثلة تبالغ في الأداء لإقناع طفل بريء، جلت بالكتاب بين يدي ودار جسدي بحركات مفتعلة. عندها فقط ارتسمت على وجه فرُوين ابتسامة مشرقة.
“لم أظن أنكِ ستفرحين إلى هذا الحد. لا شك أنّ الدوق سيكون مسروراً بدوره.”
بل أظن أنّك أنت المسرور أكثر من أي أحد آخر…
ضحكت بفتور، لكنه سرعان ما اقترب مني بخطوات حماسية وقال.
“يبدو أنّ هذا الكتاب راق لكِ حقاً. إنه مستورد حديثاً من إمبراطورية أوتوتيا، ويُعدّ الكتاب رقم واحد على قائمة رغبات أبناء النبلاء اليافعين. ليس من السهل الحصول عليه، لكن دوقية بارانتيس لا تعجز عن شيء.”
كان وجهه مبتهجاً على نحو غريب، بعيداً عن وقاره المعتاد.
من واضح أنّه هو من تكفّل بشراء هذه الكتب، وإلا فكيف كان سيشعر بكل هذا الفخر؟
“هذا رائع… ثمَّ أود أن أقرأ قليلاً قبل الإفطار. رجاءً، نادِني حين تجهز المائدة.”
جلست بسرعة على الكرسي وأشرت بابتسامة رقيقة.
أومأ راضياً وغادر المكتبة.
“هاااه، أخيراً خرج.”
وما إن تأكدت أنّه رحل حتى انهرت على الطاولة بإنهاك.
غير أنّ عيني وقعتا في تلك اللحظة على الرفوف الجديدة المكتظة بالكتب، فانفجرت منّي صرخة حانقة.
“وماذا عن الكتب التي كنت أقرأها بالأمس؟ كيف سأجدها الآن وسط هذا الزحام…!”
فالسبب الحقيقي وراء ارتيادي المكتبة في الأيام الماضية لم يكن الاستمتاع العابر، بل رغبتي في الاطلاع على تاريخ الإمبراطورية وحاضرها.
لقد عشت في هذا العالم لما يقارب نصف عام منذ أن وجدت نفسي فيه.
صحيح أنّني اندمجت في كتاب سبق أن قرأته، لكن ذاكرتي عن أحداثه بدأت تختلط وتتلاشى.
وبالطبع، هدفي الأسمى يبقى كسب ودّ سكالين ومنع هارين من أن يصبح “الشرير المدبر” في المستقبل.
لكن هذا لا يكفي.
‘كنت أفتقر بشدّة إلى معرفة واقعية عن هذا العالم.’
فالعالم قد يتبدّل في عشر سنوات، فكيف بما يزيد على ذلك؟ لم يعد ما أعرفه عن أحداث القصة يطابق ما يجري الآن.
صحيح أنّ قراءة كتب التاريخ لن تكشف لي كل شيء، لكنها على الأقل تعينني على فهم هذا المكان الذي أعيش فيه.
ثم لِمَ لا؟
لعلّ دراستي لتاريخ الإمبراطورية تقرّبني أكثر من سكالين، فهو في النهاية أمير من العائلة المالكة.
“أذكر أنّ كتاب الأمس تحدث عن مولد الإمبراطور الحالي… ترى، هل أجد شيئاً عن طفولة سكالين أيضاً؟”
اعرف عدوك كما تعرف نفسك، تضمن النصر في كل معركة.
وهذا ما كنت أحتاجه: أن أفهم مجريات هذا العالم وتفاصيل الإمبراطورية.
“لكن… كيف أعثر على ذلك بين كل هذه الكتب!”
لقد اشتقت إلى الرفوف الفارغة بالأمس، حين كنت أضع كتب التاريخ جانباً وحدها.
آه… لو أنّني أخذت الكتاب إلى غرفتي بدل أن أعيده، لكنت وفّرت على نفسي عناء البحث هذا.
والآن، سيستغرق الأمر دهراً حتى أعثر على الكتاب الذي تركته بالأمس.
* * *
“آنستي، لقد جُهّز الإفطار.”
“نعم، فهمت. شكراً لإخباري.”
آه… في النهاية لم أعثر عليه.
المكتبة كانت أوسع بكثير مما تصوّرت.
ومن دون معرفة أي معيار اتُّبع لترتيب الكتب، لم يكن من السهل أن أعثر على ذلك الجزء الصغير المخصّص للتاريخ.
“هل نذهب الآن؟”
كنت أهمّ بفتح باب المكتبة والخروج، فإذا بي ألتقي بفرُوين، الذي كان ينتظرني عند الباب.
تفاجأت للحظة بوجوده هناك، غير أنني حييته ببرود.
“يبدو أنّني أراكَ كثيراً اليوم، كبير الخدم فروين.”
وبينما نسير معاً نحو قاعة الطعام، أجاب بابتسامة هادئة.
“ذلك لأنّ المكان هو المكتبة.”
“هل المكتبة من مسؤولياتك المباشرة إذن؟”
“ليس على هذا النحو. غير أنّها تحتوي على وثائق عمل تخصّ الدوق، ولأجل ذلك فأنا وحدي تقريباً من يدخلها عادة.”
عندها تذكرت تلك الأوراق المبعثرة التي رأيتها هناك بالأمس.
إذن… كانت كلها وثائق تخص والدي… لحسن الحظ أنّني لم أقترب منها!
قال فروين متابعاً.
“ثم إنّ لدي ما أبلغه لكِ اليوم.”
“وما هو؟”
“سأخبركِ به حين يحضر السيد الصغير هارين أيضاً.”
كان وجهه مشرقاً على غير العادة، كأنّ الخبر يسعده هو نفسه. لا أعرف ما السبب، لكن… إن كان سيقول لاحقاً، فليكن.
“بالمناسبة، هل قرأتِ الكتاب الذي أمسكتِ به قبل قليل؟”
الكتاب…؟
للحظة لم أفهم مقصده، ثم تذكرت أنني طردته بلطف متذرّعة بأنني أريد القراءة.
ما هذا! ذاكرته قوية حقاً… حتى هذا لم ينسَه.
“آه… قليلاً فقط. لم أقرأ الكثير. الكتاب أسمك مما توقعت.”
“هههه، صحيح. لا يصلح أن يكون مجرد كتاب أطفال، فصفحاتُه كثيرة، ومحتواه غنيّ.”
إذن هو مشهور فعلاً…
هززت رأسي بصمت، لكنني لمحته يتمتم بخفوت.
“يُقال بين الناس إنّ أحداثه واقعية… غير أنّ محتواه لا يشي بذلك حقاً.”
“واقعية؟”
سألت بدهشة. فأخذت أسترجع عنوانه…
أكان <الأميرة وحيدة شاشا>؟
كان على غلافه صورة أميرة صغيرة، فظننت أنه مجرد حكاية أطفال، لكن لعلّ فيه جانباً أكثر ظلمة؟
تدارك فروين نفسه وابتسم ابتسامة محرجة.
“مجرد شائعة لا أكثر. لكنه على أي حال كتاب شهير.”
ولم يزد كلمة بعد ذلك.
لكنني، على العكس، ازددت فضولاً بعدما سمعت ما قال.
حين أنتهي من كتب التاريخ… عليّ أن أقرأ هذا أيضاً.
***
جلس فرُوين يعبث بالورقة بين يديه، يتنفس بعمق مراراً.
كان يترقب اللحظة المناسبة ليُبلغ سيليا وهارين بما أوصاه سيده.
فهو، كبير خدم آل بارانتيس العتيق، قد تلقى فجراً مهمة ثقيلة على عاتقه.
ولطالما خشي حلول هذا اليوم.
‘الدوق…؟’
كان داميان صامتاً يفكر، ثم التفت إليه وناداه.
‘فرُوين.’
ابتسم ابتسامة نادرة، وأخرج ورقة من جيبه وقدّمها له.
‘حين يستيقظ الأطفال، أبلغهما بما فيها.’
نظر فرُوين في الورقة، فارتسمت على وجهه دهشة كبيرة.
‘إذن… لقد قررت الأمر أخيراً؟’
ابتسم داميان بهدوء وقال.
‘ما دام الأولاد ينضجون… فلا بد أن أنضج أنا أيضاً.’
‘لكن، سيدي…’
‘إبقاءهم تحت جناحي وحده لا يجعلني أباً صالحاً.’
ظلّ وجه داميان المبتسم ماثلاً في ذهن فرُوين حتى أعاد فتح عينيه، ليجد أمامه هارين يأكل طعامه على عجل، وسيليا تتناول حبة الطماطم بهدوء.
لقد تغيّرا كثيراً…
لم تمضِ سنة كاملة، ومع ذلك لم يعودا هما الطفلين اللذين عرفهما من قبل.
سيليا التي تبدو فجأة مختلفة، وهارين الذي يتبدل رويداً رويداً.
ابتسم فروين ابتسامة صغيرة مألوفة، ثم اقترب منهما بعدما لاحظ أن وجبتهما أوشكت على الانتهاء.
“آنستي، سيد هارين، لدي أمر لأبلغه إليكما.”
وحين التقت عيناه بأعينهما معاً، أعلن بهدوء.
“ستحضران مع الدوق داميان الأسبوع القادم الحفل الرسمي في القصر الإمبراطوري.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 9"