“يخيَّل إليّ أنّكِ تنسين أحيانًا… آنستي ما زلتِ طفلة أيضًا.”
…أه؟
آه… صحيح، أنا الآن في الثالثة عشرة فقط.
أدركت موقفي على الفور، فأسقطت يدي التي كنت أشدّها بخجل، فضحكت آنـا بخفوت ثم سألت.
“هل تنوين إهداء السيد الصغير شيئًا ما؟”
عندها أومأت برأسي، وإن بدا الارتباك في وجهي.
“أمم… نعم، شيء من هذا القبيل. فما الذي سيسعده لو تلقّاه؟”
في الواقع، هارين يفرح بأي شيء أعطيه أنا إياه.
لكنني لم أرد أن أبوح بأنني أقصد سكالين، فلو قلت فجأة أنني سأقدم له هدية فستمطرني بالأسئلة، فاخترت أن أتكلم بشكل مبهم.
“همم… السيد الصغير يُسرّ بأي شيء، لكن هناك ما يحبه خصوصًا…”
ترددت آنـا لوهلة، ثم صفّقت بكفيها فجأة قائلة.
“آه! أعلم تمامًا ما الذي يفرحه أكثر من غيره!”
في ذلك المساء، وقفت أمام المرآة أتدرّب..
“صاحب السمو، تبدو وسيمًا اليوم أيضًا! لا شك أنكَ ستغدو رجلًا فائق الوسامة حين تكبر!”
…هذا يصلح أن يقوله كبير الخدم ألكسندر.
“صاحب السمو سكالين، من الجميل أنك تنسجم جيدًا مع هارين هذه الأيام.”
…هذا كلام يشبه ما يقوله أولياء الأمور في اجتماع مدرسي.
“صاحب السمو، أود أن أعتذر عن جفائي السابق. وأرجو أن تغمرني رحابتك وسعة صدرك…”
…وهذا بعيد كل البعد عن المطلوب.
عبثت يدي في شعري غضبًا وأنا أكرر تلك الجمل الفارغة.
كانت آنـا قد أخبرتني صباحًا.
‘السيد الصغير يعشق المديح. حتى لو تظاهر بخلاف ذلك، فإن وجهه يحمَرّ رغماً عنه، ويبدو في غاية اللطافة.’
ربما هي محقّة. فسكالين أمير، وأيًا كانت هديتي فلن تكون ذات قيمة تُذكر بالنسبة إليه.
لكن… إن كانت “مديحًا”؟
حتى في حياتي السابقة، حين كنت أتمرّن كمعلمة في روضة أطفال، كان المديح أنجح وسيلة لكسب ثقة الصغار ومحبتهم.
صحيح أن عمر سكالين يختلف عنهم، لكن لا بأس بالمحاولة.
منذ الصباح وأنا أتمرّن على صياغة كلمات المدح، لكن… بلا جدوى.
أليس من المفترض أن يخرج المديح تلقائيًا؟ هل يُجدي التدرّب عليه؟
وبينما كنت أتنهد، وقعت عيناي على انعكاس سيليا في المرآة.
فتاة أطول قليلًا من هارين وسكالين، ذات شعر ذهبي براق، وعينين صافيتين عميقتين كالياقوت الأزرق، السمة المميزة لعائلة بارانتيس.
ملامح دقيقة كأنها دمية متقنة الصنع.
في العادة كنت أتجنب النظر إلى وجهي لشعوري بالغربة في هذا الجسد، لكن هذه المرة أمعنت النظر طويلًا.
ومهما حاولت أن أقنع نفسي…
“ربما فتنة الجمال أبلغ أثرًا من مدائح مبتذلة كهذه…”
فهل سينفع كل هذا التدريب أصلًا؟
***
ثم جاء اليوم المنتظر أخيرًا.
الزيارة الثانية من أصل خمس، واليوم الأول من ‘خطة صنع عالم بلا أشرار’.
اليوم الذي تدربت له طويلًا أمام المرآة.
“هارين، تبدو أنيقًا للغاية اليوم. كأنك أمير من حكاية خيالية.”
“حقًا؟ إنها مجرد ثياب اختارتها آنـا لي.”
حين مدحتُ هارين في عربة القصر، احمرّ وجهه وبدأ يعبث بطرف سترته.
ابتسمت برضا أمام ردّة فعله البريئة.
‘لو أن سكالين تفاعل معي ولو بهذا القدر، لكان إصلاح العلاقة بيننا سهلًا جدًّا.’
كنت أنوي التقدم نحوه برويّة، لا استعجال فيها، على أن أضعف فقط من عدائه نحوي.
ذلك كل ما أردت.
لكن…
“هاه، فشل آخر.”
هذه هي المرة الخامسة.
خلال هذا اليوم وحده، تجاهلني سكالين خمس مرّات!
في المرة الأولى، حين مدحته بملابسه كما مدحت هارين، التفت إليّ بنظرة عابرة على الأقل.
أما بعد ذلك…
‘صاحب السمو، تسريحة شعرك متقنة جدًا اليوم.’
‘…….’
ولا كلمة.
منذ تلك اللحظة، مهما حاولت أن أتحدث، كان يشيح بوجهه ويغادر بلا أي رد.
حسناً، هذا يعني أنه لا يريد حتى أن يسمعني، أليس كذلك؟
هَاه… كأنني أفعل هذا لأنني أستمتع به. لا بأس، فليكن.
أيّ ‘عالم بلا اشرار’ هذا؟ سكالين وحده، بما يفعله الآن تجاهي، يملك بطاقة مرور مباشرة ليكون شريرًا خفيا.
أي طفل في التاسعة من عمره يجرؤ على تجاهل من يمدحه بهذا الشكل؟
إن لم يكن ذلك دليلًا على كونه ‘شريرًا’، فلا بد أنني أنا من أساء فهم معنى الكلمة.
جلست على شرفة تطل على الحديقة، وأفرغت قدح الشاي الموضوع أمامي دفعة واحدة.
“لم أعلم أنَّ سموكِ تستمتع بالشاي. يبدو أن الشاي قد راق لكِ.”
ابتسم ألكسند كبير الخدم برحابة صدر وهو يملأ قدحي مجددًا.
“آه… نعم، مذاقه طيب.”
في الحقيقة لم أميز طعمه، فقد شربته بسرعة بالغة.
“سموكِ، أنا اتفهمك. مصاحبة سمو الأمير ليست مسلية دائمًا.”
“…عذرًا؟”
أومأ كبير الخدم كأنه يدرك الأمر كله.
على ما يبدو، يظن أنني أفضّل الوحدة، وأنني أنا من يبتعد عن الآخرين بمحض إرادتي.
هل يعتقد أنني أنا من أقصي نفسي عن العالم؟
لا! لقد تلقيت للتو خمسة صدود متتالية من الأمير!
“أترى ذلك؟ أظن أن الأمير سكالين نفسه لا يرغب كثيرًا بمرافقتي.”
قلت ذلك مبتسمة على استحياء، لكن كبير الخدم أمال رأسه بتعجب.
“همم؟ بل على العكس. من وجهة نظري، سمو الأمير يبدو في غاية السعادة وهو برفقتكِ.”
…لا بد أن كبير الخدم بحاجة لتغيير عدساته.
لقد رأيت بوضوح أن سكالين لم يبدُ مرتاحًا معي ولا مرة واحدة.
بل في الحقيقة… هل يمكن أن يقال إنه قضى وقتًا معي أصلًا؟
“هذا غير ممكن. فقط اليوم… لقد تجاهلني مرات عديدة…”
هممت بالاعتراض، لكنني آثرت الصمت في النهاية.
أهناك ما يستحق التفاخر به في أنني تلقيت التجاهل مرارًا؟
اكتفيت بابتسامة باهتة وأنا أرفع الكأس مجددًا إلى شفتي.
عندما شربته أول مرة لم أميّز الطعم، لكن هذه المرة لاحظت عبير الكرز الفوّاح يتصاعد من الشاي الأسود فيغمر أنفي.
على ما يبدو، لن ينتهي يومي هذا إلا وأنا أحتسي الشاي لا غير.
“سمو الأميرة.”
كنت أغرق في احتساء الشاي كصياد خائب، حين ناداني كبير الخدم مجددًا.
“هلاّ ترافقينني لرؤية شيء ممتع؟”
“هاه؟”
***
“ما هذا المكان…؟”
قادني كبير الخدم إلى ساحة واسعة. لم يكن هذا بستان القصر، بل أرضًا خالية فسيحة لا تحوي شيئًا يُذكر.
أي متعة يمكن أن تكون هنا؟ تساءلت في حيرة وأنا أتلفت حولي.
“أختي!”
سمعت صوتًا مألوفًا يناديني من بعيد.
“هارين؟”
هناك، عند الطرف الآخر من الساحة، كان يلوّح لي بيديه الصغيرة بحماسة.
لم أرَ بوضوح، لكن بدا أن إلى جواره ظلًا آخر يقاربه حجمًا… لا شك أنه سكالين.
“كنت أتساءل إلى أين اختفى هارين… لكن ما هذا المكان أصلًا؟”
“إنه ميدان تدريب صغير داخل القصر.”
“ميدان تدريب؟”
تفاجأت ورددت على كبير الخدم، فأومأ برأسه مُطَمئنًا.
“لا داعي للقلق، المكان ليس خطيرًا. إنه مجرد ساحة مبسطة، لا يستخدمها الفرسان في تدريباتهم الحقيقية.”
“أها… لكن، ما الذي جاء بهارين إلى هنا؟”
“أظن أنه يتدرّب على الرماية مع سمو الأمير. فالمكان فسيح وخالٍ من الناس، وهو الأنسب للتدرب على القوس.”
…الرماية؟
نظرت من بعيد، فرأيتُ شيئًا في يد هارين.
“أيمكن أن يكون هارين يجيد الرماية؟ لم أكن أعلم ذلك.”
صحيح أن ‘هارين’ في الرواية الأصلية كان سيد السيف الذي أتقن شتى فنون القتال قبل أن ينحرف ويغدو الشرير المدبّر، لكن في الواقع الذي أراه أمامي، لم يكن سوى طفل لطيف بريء.
ذلك الصغير الذي لم يعرف من الأدوات الحادة إلا القلم… أهو حقًا ممسك الآن بقوس؟
لم أستطع أن أستوعب هذا المشهد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 6"