5
5. من هو الشرير؟
في الحقيقة، حين علم هارين أن سيليا ستذهب معه إلى القصر الإمبراطوري، لم يكن مرتاحًا للأمر.
بل الأصح أنه لم يعجبه ذلك أبدًا.
فهو كان يظن أن سكالين لا يحب سيليا، وكان يخشى أن يؤذيها، أو أن ينتزعها منه كما يَنتزع ألعابه.
لكن، وعلى عكس مخاوفه، لم يلقِ سكالين اليوم حتى نظرة واحدة نحو سيليا.
“…..”
لم يأتِ أي جواب على سؤال هارين.
وعندما لم يتلقَّ ردًا من سكالين، حوّل بصره عن الحصان الأسود الذي كان ينظر إليه، ليتوقف عند وجه سكالين.
“هاه؟ يا صاحب السمو، وجهك…”
لم يكن الإسطبل مضاءً جيدًا، فلم يرَ بوضوح، لكن بدا له وكأن وجه سكالين قد احمرّ قليلًا، تمامًا مثل لون عينيه.
اقترب هارين أكثر ليتأكد، وفي تلك اللحظة—
“أختي…؟”
اندفع شخص ما نحوهما، وعانقهما معًا بقوة.
***
“أختي، هل أنتِ بخير؟”
كان هارين يبتسم بوجه مشرق وهو ينظر إليّ، أما أنا فلم أستطع حتى أن أرفع رأسي.
ولِمَ ذلك؟
“لقد كانت الأميرة قلقة كثيرًا، لا بد أن الحظ حليفك يا سيد هارين.”
ذلك لأنني كنتُ محرجة للغاية.
فما إن نزلت من العربة ورأيت هارين و سكالين، حتى اندفعت نحوهما واحتضنتهما بحرارة، وكأني ألتقي بأسرتي بعد فراق سنين.
لكن…
“همم، سموكِ… لقد وُجد الحصان.”
على عكس خوفي من أن يصاب الأطفال بسبب الحصان الهائج، وُجد الحصان الهارب في الجهة الأخرى من الحديقة، بعيدًا عن الإسطبل.
ويبدو أن الحصان، وهو ما زال غير مُدرَّب، كان معزولًا أصلًا في مكان آمن.
أما أنا، التي لم أكن أعلم ذلك، فقد تصرفت وكأنني في مشهد سينمائي، والدموع تكاد تنهمر من عيني.
“… ماذا تفعلين؟”
اضطررت حينها لتحمّل نظرة سكالين التي لا تخلو من استهجان.
والآن، بما أننا جئنا بالعربة على أية حال، فقد قررنا أن نكمل الطريق معًا نحو جناح الأمير.
“على الأقل أنا سعيد، فقد جئتِ لأنكِ كنتِ قلقة عليّ.”
أمسك هارين يدي بإحكام، وكأنه يواسيني لأنني ما زلت محرجة ولا أستطيع رفع رأسي.
آه… يا له من أخ صغير لطيف.
ابتسمت برضا وأنا أنظر إلى هارين، ثم لمحت بطرف عيني سكالين الجالس بجواره، مسندًا ذقنه على إطار نافذة العربة، يتأمل بهدوء خارجها وكأنه غارق في التفكير.
حقًا، لا يبدو في التاسعة من عمره.
لقد كان قليل الكلام على غير ما توقعت، لدرجة جعلتني أشك إن كان هو نفسه بطل الرواية الأصلي الذي قرأت عنه.
ففي الرواية لم يُذكر كيف كان في طفولته، لكن المؤكد أن هذه الصورة لا تطابق ما قرأته.
في الحقيقة، بدا أشبه ببطل القصة عندما دعاني إلى القصر الإمبراطوري، أكثر مما هو الآن.
“هارين، هل قضيت وقتًا ممتعًا اليوم؟”
سألت هارين وأنا أنظر نحو سكالين. فأجاب هارين بابتسامة مشرقة.
“نعم، رأيت حصانًا أسود، وكان هادئًا جدًا!”
إذن لم يُظهر سكالين أي مضايقة…
حتى عندما تبادلنا أنا وهارين الحديث طوال الطريق في العربة، بقي سكالين محدّقًا في النافذة، وكأنه غير مكترث.
لكن، أهو بطل القصة حقًا؟ أم أن هذا الصبي هو الشرير الخفي؟
كان كبير الخدم مغمض العينين، متكئًا باسترخاء، بينما هارين أيضًا لم يُلقِ بالًا لسكالين طالما أنا بجانبه.
لا، هذا يثير فضولي أكثر من اللازم.
ربما… هو يريد الانضمام إلينا لكنه لا يعرف كيف؟
أخذت نفسًا قصيرًا، ثم وجهت حديثي إلى مؤخرة رأس سكالين.
“يا صاحب السمو، هل استمتعت اليوم؟”
عادةً، عندما يُطرح سؤال كهذا، يكون الجواب أمرًا طبيعيًا وبديهيًا.
وقد طرحت سؤالًا عاديًا جدًا، لذا توقعت أن أحصل على جواب منه بسهولة.
لكن هذا إن كنا في موقف طبيعي.
“… أكان ممتعًا… يا تُرى؟ هاها.”
حتى بعد أن انتظرت بضع دقائق، لم يكتفِ بعدم الإجابة، بل لم ينظر نحوي على الإطلاق.
كم هذا محرج!
تبا!
لقد تجاهلني صباحًا عندما ألقيت عليه التحية، وها هو الآن يتجاهل كلامي الآن أيضًا!
قررت في سري ألا أكلّمه مجددًا، وأنا أحاول التخفيف عن نفسي.
لكن في تلك اللحظة، جذب هارين طرف ثوبي قليلًا.
“همم؟”
التفتُّ إليه، فرأيت عينَيه الزرقاوين تلمعان بصفاء، وهمس في أذني كأنما يخبرني بأمر بالغ الأهمية.
“سمو الأمير… أظنه…”
“نعم، نعم.”
“… لا يحبكِ.”
… ماذا؟
***
لم يكن هارين بارعًا في قراءة النوايا.
صحيح أنه كان يراقب ردود أفعال الناس، لكنه لم يكن يفهم حقًا ما يريدونه.
ويمكن القول إنه كان بريئًا بما يليق بعمره.
لكن…
‘سمو الأمير… أظنه لا يحبكِ.’
إذا كان حتى هو قد لاحظ ذلك…
“كنت في قرارة نفسي أعلم هذا أصلًا…”
كيف لا أعرف؟
منذ أن وطئت قدماي القصر وحتى عودتي إلى القصر العائلي، لم يتوقف عن تجاهلي.
من الواضح من تصرفاته أنه لا يكنّ لي مشاعر طيبة.
لكن…
“حتى لو كنتَ لا تحبني، لستَ مضطرًا لإظهار الأمر بوضوح لدرجة أن يلاحظه الآخرون، سكالين!”
شعرت بالغبن، وشددت قبضتي حول الوسادة التي كنت أحتضنها.
لقد حاولت كتم طبعي والتصرف بلطف قدر الإمكان معه، باعتباره بطل هذا العالم…
العودة من هناك لم تأتي بشيء إلا عن كوني الآن آنسة مكروهة من قبل الأمير. أمر في غاية الإرباك.
“حسنًا… ليس وكأنني كنت أرجو أن ينظر إليّ ذاك الصغير بودّ.”
بالطبع، شعرتُ بظلم شديد ووجدتُ سكالين مثيرًا للغيظ، لكنني قررت أن أتعامل مع الأمر بعقلانية.
سكالين لا يحبني، إذًا؟
كوني الآن في موقف يجعلني مكروهة من بطل الرواية الأصلي أمر يثير القلق قليلًا… لكن، ربما لا يهم كثيرًا؟ فأنا على أي حال لا يهمني سوى هارين.
“يكفيني أن يكبر سكالين كما هو ويتزوج البطلة سيران سيلياس…”
انتظر لحظة… أن يكبر كما هو؟ من؟ سكالين؟
وفجأة مرت في ذهني أفعاله المعتادة.
عندما أحييه يتجاهلني، لا يجيب على أسئلتي، وعندما التقينا لأول مرة كان عنيدًا لا يلين.
‘تعالي مع هارين خمس مرات فقط.’
وفوق ذلك، دعاني بمزاجه المتقلب ثم أمضى اليوم كله دون أن يكلمني.
بدأت أشك حقًا… هل من المفترض أن يكون سكالين هو البطل في القصة الأصلية؟
حتى الآن، لم أرَ فيه أيًّا من صفات سكالين الذي قرأت عنه في الرواية.
صحيح أن أحداث القصة تبدأ بعد عشر سنوات من الآن وهو ما زال طفلًا، لكن…
هل يمكن أن تتغير طبيعة الشخص بهذه السهولة؟
وبينما كنت أتقلب على السرير أفكر، داهمني فجأة شعور بالقلق، فجلست منتصبة.
“هل من الممكن أن يكون هارين… هو الشرير فعلًا؟”
حتى لو كانت الإعدادات والخلفية مطابقة للرواية، قد تتغير شخصيات الناس، أليس كذلك؟
نعم، إذا فكرت بالأمر، فالأمر غريب… كيف يمكن لهارين اللطيف والبرئ أن يكبر ليصبح شريرًا خفيًا؟
وكأن شخصيتي هارين وسكالين قد تبدلتا! هذا الإحساس الغريب جعلني أزداد يقينًا.
ماذا لو أن أدوارهما قد تبدلت بالفعل؟
إذا كانت فرضيتي صحيحة…
“فهذا يعني أن من يجب إصلاحه ليس هارين وحده.”
في القصة الأصلية، هارين الشرير وعائلته يضطهدون البطل ثم يلقون حتفهم.
لكن ماذا لو أن الحقيقة هي أن هارين ليس الشرير، بل سكالين هو الشرير الخفي؟ أو حتى طاغية في المستقبل؟
عندها، ألن يبدأ بقتل من يكرههم… مثلـي؟
آه، لقد تورطت…
***
“آنستي… هل حدث لك شيء؟”
في صباح اليوم التالي، ما إن دخلت آنـا غرفتي ورأتني حتى ارتبكت وتراجعت خطوة إلى الوراء.
طبيعي أن تصدم… فأنا نفسي عندما رأيت المرآة صدمت.
“لا يا آنـا… فقط لم أستطع النوم.”
هالات سوداء حتى أسفل وجنتيَّ وشعري باهت ومتعب.
كما ترين، لم أغمض عينيّ لحظة البارحة.
قضيت الليل أفتش في رأسي عن الفروق بين هذا العالم وأحداث الرواية، فلم يكن هناك مجال للنوم.
ومع ذلك، وصلت في النهاية إلى نتيجة.
أطلقت عليها اسم: “مشروع عالم بلا شرير – النسخة الثانية”.
أولًا، قررت ألا أصنّف سكالين على أنه هادئ وهارين على أنه شرير كما في القصة.
فالطباع يمكن أن تتغير، ولا شيء يدوم إلى الأبد.
لكن، هل هذا يعني أن سكالين سينشأ في هذا العالم كشرير خفي؟ هذه مجرد فرضية. لا شيء مؤكد.
ولأن لا شيء مؤكد، فالحل هو أن أمنع أي شخص من أن يصبح شريرًا من الأساس.
ولتحقيق ذلك، عليّ أن أقترب من سكالين أكثر مما نحن عليه الآن…
حتى لو لم يحبني، فلا يجب أن أتركه يكرهني.
“آنـا.”
“نعم، آنستي.”
“برأيك، ما الذي يجعل الأطفال يعجبون بشخص ما؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 5 - من هو الشرير؟ منذ 20 ساعة
- 4 - الإسطبل منذ 20 ساعة
- 3 - الأخوان منذ 20 ساعة
- 2 - خمس مرات منذ 20 ساعة
- 1 - مقدمة، هل هذه هي الرواية التي أعرفها؟ 2025-08-14
التعليقات لهذا الفصل " 5"