4
4. الإسطبل
شعرتُ بالاستبعاد.
أنا…
“لقد دخل حصانان جديدان هذه المرة، إنهما هادئان للغاية، أتريد أن تراهما؟”
“نعم، بكل سرور!”
كان الاثنان يلعبان معًا بانسجام أكثر مما توقعت، حتى إنّه كان من الصعب تصديق أن هارين كان يعود باكيًا في كل مرة يذهب فيها إلى القصر الإمبراطوري.
“أختي! سأذهب لأرى الخيول!”
كان هارين على وشك أن يتبع سكالين، لكنه التفت فجأة ولوّح لي بيده.
يا إلهي، لا أحد يهتم بأخته مثله.
بادلته التلويح بهدوء، بينما كان سكالين يقف إلى جانبه يحدّق بي بثبات.
ربما من الأفضل أن أحييه أنا أيضًا، أليس كذلك؟
وبينما كنت ألوّح لهارين، التفتُّ إلى سكالين ولوّحت بيدي.
“……”
لكنني قوبلت بتجاهل تام.
آه، كان عليّ ألا أفعل ذلك.
“هاه، تُرى بماذا سأقضي وقتي الآن؟”
في دفء أشعة الشمس، جلستُ على شرفة الحديقة بعد أن أرسلت هارين وسكالين، أتمتع بحرارتها.
هل أنا هنا فعلًا بصفتي وصية على هارين؟
رغم أن هذه هي زيارتي الأولى من أصل خمس مرات، إلا أنّ الأمر كان أبسط بكثير مما توقعت.
فمع خروج هارين وسكالين للعب، لم يبقَ لدي ما أفعله سوى احتساء الشاي ببطء لساعات طويلة.
“على الأقل الطقس جميل.”
كانت الشمس حارّة قليلًا، لكن السماء الزرقاء منحتني شعورًا بالراحة وكأنها ترحب بقدومي إلى هنا.
“ألستِ ذاهبة لرؤية الخيول أيضًا؟”
وبينما كنتُ مغمضة العينين أستشعر دفء الشمس، ألقى ظلٌّ كثيف فوقي.
“آه، رئيس الخدم؟”
كان رئيس الخدم يبتسم تلك الابتسامة الهادئة المعتادة وهو ينظر إليّ من اعلى.
آه… تلك الابتسامة الطيبة. لن أصدقها بعد الآن.
لو أنّه فقط أوقف مزاج سكالين المتقلّب حينها، لما كنتُ عالقة هنا الآن.
ربما شعر بعدم الرضا الذي يلوح في نظراتي، فضحك ضحكة صغيرة.
“يبدو أن نظراتكِ نحوي مليئة بالاستياء، سمو الأميرة.”
“يسعدني أنكَ لاحظت ذلك.”
أجبته بصوتٍ فاتر، لكنه ضحك هذه المرة بصوت أعلى وكأن الأمر مسلٍّ.
مضحك؟ وأنا مقيدة هنا بلا حيلة؟
“كنتُ قد لاحظت من قبل، لكنك تبدين أكبر من سنكِ بكثير يا صاحبة السمو.”
رميتُه بنظرة جانبية بينما لا يزال يخفي ابتسامته.
“أعتذر لأنني لم أوقف الأمير في ذلك الوقت. لم يكن بيدي حيلة.”
ثم ملأ فنجاني الفارغ بالشاي مجددًا قبل أن يتابع.
“لقد بدا الأمير سكالين مكتئبًا مؤخرًا، كما أنه لم يعد ينسجم كثيرًا مع السيد هارين.”
لكن إن كان هناك من يعود مكتئبًا، فهو هارين، دائمًا باكيًا بعد زيارات القصر…
“كان في الأصل هادئ الطبع جدًا، لكن مؤخرًا أصبح حساسًا على نحو مفاجئ…”
لا يمكن أن يكون تغيّر فجأة بين ليلة وضحاها.
أردتُ الاعتراض، لكنني آثرت الصمت مراعاةً للموقف.
على كل حال، حسب أحداث القصة الأصلية، فسكالين معروف بأنه طيب ووديع، وربما لم يكن رئيس الخدم مخطئًا تمامًا.
“لكنني لاحظت أن الأمير يبتسم حين يتحدث مع الأميرة.”
“…… أليست ابتسامة سخرية؟”
لم أستطع منع نفسي من الرد.
صحيح أنه ابتسم، لكن تلك لم تكن ابتسامة مبهجة على أي حال.
كلما سمعتُ عنه من رئيس الخدم، بدا لي وكأن صورة سكالين في نظره مختلفة تمامًا عن التي أعرفها أنا.
“يبدو أنكَ… تهتم بسموه كثيرًا.”
حشدتُ أقصى ما لدي من مجاملة لأجيبه، فابتسم بهدوء.
“لقد خدمته منذ طفولته، حتى إن حاول إخفاء الأمر، فهو شخص يشعر بالوحدة أحيانًا…”
لكن فجأة، قاطعنا صوت خطوات سريعة تقترب.
“سـ… سيد رئيس الخدم! هاه… ها…”
كان القادم رجلًا بدا وكأنه أحد فرسان القصر الإمبراطوري، وقد توقّف أمامنا وهو يلهث بشدة.
“كيف تجرؤ على إظهار هذا المشهد أمام الأميرة!”
وبّخه رئيس الخدم، لكن الفارس لم يبدُ وكأنه سمعه أصلًا.
كان وجهه شاحبًا، وكأنه أصيب بالذعر، وتلعثم طويلًا قبل أن يتمكن من النطق.
“ا- إنها… إنها إحدى الخيول الجديدة التي وصلت مؤخراً! هناك حصان لم يتم ترويضه بعد، وقد هرب منذ قليل وهو في حالة هيجان!”
ماذا…؟ حصان هائج؟
ما إن سمعت كلام الفارس حتى خطر في بالي فوراً هارين الذي ذهب إلى الإسطبل. لقد كان سكالين هو من اقترح عليه الذهاب لرؤية الحصان الجديد.
“أين يقع الإسطبل؟”
كنت صامتة طوال الحديث، لكنني وقفت فجأة ووجهت السؤال للفارس بنبرة حادة.
أشار الفارس بيده اليمنى نحو جهة ما، وعلامات الارتباك على وجهه.
“هناك… خلف الحديقة… لكن الحصان…”
لم أنتظر حتى يكمل كلامه، بل أدرت جسدي بسرعة نحو الاتجاه الذي أشار إليه.
“سموكِ، فلنذهب بالعربة.”
وكأنّه أدرك على الفور عجلة أمري، اصطحبني كبير الخدم إلى أمام عربة القصر.
وما إن صعدت إليها، حتى انطلقت العربة فوراً كما لو كانت تنتظرني.
عندها فقط بدأت أهدّئ من روعي.
“أتظن أن هارين سيكون بخير؟”
سألت بقلق، فأومأ كبير الخدم برفق.
“سمو الأمير والدوق الشاب هارين يرافقهما دائماً حرس شخصي. وهما على رأس قائمة الحماية في أي ظرف. لن يكون هناك ما يدعو للقلق.”
كانت نبرته الواثقة مطمئنة، لكنني مع ذلك أردت أن أرى الأمر بعيني.
“إن حدث شيء لهارين…”
كانت المسافة قصيرة، لكن الوقت بدا وكأنه يمر ببطء شديد طوال الطريق.
***
كان هارين وسكالين يعرفان بعضهما منذ زمن طويل.
هما في نفس العمر، الأول أمير الإمبراطورية الوحيد، والثاني ابن إحدى أرفع العائلات النبيلة.
رابطة لا مفر منها بفعل المكانة والنسب.
كان النبلاء المحافظون يخشون من أن يقوّي تقرّبهما من بعضهما نفوذ القصر الإمبراطوري، لكن الذين يعرفون الصبيين عن قرب كانوا على يقين.
‘لا يوجد بينهما أي قاسم مشترك، لا في الشكل ولا في الطبع.’
سكالين ذو شخصية حازمة وصريحة، أما هارين فخجول ويميل إلى الخوف.
حتى ملامحهما وطباعهما كانت على طرفي النقيض، ولهذا كان الاعتقاد السائد أنهما لن يصبحا صديقين أبداً.
لكن ما لم يدركه كثيرون أن أول ما يقرب بين الناس هو…
‘سمو الأمير، ألا يمكننا اللعب قليلاً بعد قبل أن أعود؟’
‘لماذا؟’
‘لأنني أشعر هنا براحة أكبر من منزلي..…’
…الخلفية المشتركة التي تمنح الإحساس بالتشابه.
كلاهما كان ذا مكانة عالية في سن صغيرة، مضطراً لتلقي الحب من العائلة النبيلة لا من الأسرة الحقيقية، وعليه دوماً التمييز بين من يخلص له ومن يتقرب لمصلحته.
كانت تلك المعاناة المتشابهة بمثابة حلقة وصل بينهما، وسرعان ما أصبحا يتشاركان شعور الوحدة.
‘صاحب السمو، سأغادر مبكرًا اليوم!’
إلى أن تغيّر هارين.
“واو، إنه ضخم فعلاً.”
قالها هارين وهو يبتلع ريقه، محدقاً في حصان أكبر من جسده بمرتين.
“لا تقلق، إنه هادئ.”
مدّ سكالين يده ليلمس رأس الحصان الأبيض بفخر، وكأنّه يقدّمه له.
أغمض الحصان عينيه برضا، متقبلاً لمسته.
“رائع…”
نظر هارين بإعجاب إلى حركة يد سكـالين المتمرّسة.
“جرّب لمسه أنت أيضاً.”
وأشار له سكـالين برأسه نحو حصان أسود يقف بجانبهما.
“ه- هل أجرّب؟”
نظر هارين للحصان الأسود متردداً. كان أقل هدوءاً من الأبيض، لكنه لم يبدُ عدوانياً.
“إنه… لطيف.”
مدّ هارين يده ببطء، فتقبّل الحصان الأسود اللمسة، بل وفرك وجهه براحة في كفّه.
“كم هو جميل…”
ابتسم هارين بسعادة وهو يشعر بوجه الحصان يدفئ راحة يده.
“سمو الأمير…”
وبينما كان يربّت على الحصان، سأل هارين فجأة.
“لماذا دعوت أختي إلى القصر الإمبراطوري؟”
كان هارين يظن أن سكـالين لا يحب سيليا.
فمنذ صغرهما لم يؤذه سكـالين قط، لكنه كان يتغير كلياً حين يتعلق الأمر بذكرها، فيصبح طفلاً غيوراً متجهم الوجه.
سواء كانت دمية التنين التي أهدتها له سيليا أول مرة، أو قصة مصورة رسمتها، أو مجرد حديث عنها…
كلما حاول أن يفتخر بأخته أمام صديقه الوحيد، كان سكـالين يبدي رد فعل مبالغاً فيه.
“كنت أظن أنكَ لا تحب أختي كثيراً…”
قال هارين وهو يراقب تعبير سكـالين بحذر.
لهذا السبب قرر ألا يذكر سيليا أمامه مرة أخرى.
لكن خلافاً لتوقعاته، كان سكـالين نفسه من دعاها هذه المرة.
فما السبب يا ترى؟
كرر هارين سؤاله.
“لماذا أردت أن تأتي أختي معي؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 5 - من هو الشرير؟ منذ 20 ساعة
- 4 - الإسطبل منذ 20 ساعة
- 3 - الأخوان منذ 20 ساعة
- 2 - خمس مرات منذ 20 ساعة
- 1 - مقدمة، هل هذه هي الرواية التي أعرفها؟ 2025-08-14
التعليقات لهذا الفصل " 4"