نظرتُ إلى الخلف قليلًا… وما زال الرجل المقنّع واقفًا في مكانه دون أن يتحرّك.
ألن يدخل هو أيضًا…؟
***
عندما وصلتُ إلى مقعدي، وجدتُ عدّة أشخاص قد سبقوني بالجلوس.
وكان من الطبيعي أن تتركّز الأنظار على الطاولة الواقعة في منتصف القاعة، طاولةُ عائلة بارانتيس.
“أين كنتِ؟”
رفع كلٌّ من هارين ووالدي رأسيهما نحوي وهما جالسان في مكانيما.
“شعرتُ بالضيق قليلًا فخرجتُ إلى الشرفة…”
“لكن لم أركِ هناك.”
يا إلهي، ما أسرع ملاحظته!
“ليس تلك التي رأيتَها، شرفةٌ أخرى.”
حاولتُ أن أغيّر الموضوع بسرعة، فرفع هارين حاجبيه بنظرةٍ غريبة ثمّ أومأ بعد لحظة.
لابدّ أنّه فكّر في نفسه: هل هناك شرفةٌ أخرى أصلًا؟
على الأقل، الحمد لله أنّي التقيتُ رون بينما كان هارين غائبًا.
لو كان هناك معي آنذاك… لتحوّلت القاعة إلى ساحة حرب.
فـهارين لا يطيق أسرةَ تريتا كلّها، وخاصةً رون.
‘لكن من كان ذلك الرجل الغريب حقًا؟’
تذكّرتُ الرجل المقنّع الذي تدخّل قبل قليل.
لو كان قد تجرّأ على رون بتلك الطريقة، فلا بدّ أنّه أحد كبار النبلاء.
لكن هل هو من النوع الذي لا يحبّ الظهور؟
حتى بين النبلاء، هناك من يكره لفت الأنظار، ولا يظهر إلا في مناسباتٍ ضخمة كهذه.
لكن لو كان كذلك… فما الداعي ليتدخّل بيننا وهو يرتدي قناعًا لافتًا للنظر؟
هذا لا يجلب إلا الانتباه.
“إنه لأمرٌ نادر أن تجلس العائلاتُ معًا.”
سألتُ والدي وأنا أتفقد القاعة بعينيّ، أبحث — بلا فائدة — عمّا إذا كان ذلك الرجل موجودًا بين الحضور.
كان الحاضرون يجلسون في مجموعاتٍ صغيرة، كلّ مجموعةٍ تجمع أفراد عائلةٍ واحدة أو نبلاءَ من طبقةٍ متقاربة.
“يبدو أنّ وجود النبلاء الأجانب جعل البلاطَ الإمبراطوريّ يقرّر تمييز مراتب الجلوس. طالما أنّهم يراقبوننا، فلا بدّ من معاملتهم بأرفع درجات الاحترام.”
حتى وإن كان هذا منطقيًا…
فقد خُصِّصت المقاعد الأقرب إلى المنصّة لأرفع العائلات شأنًا في الإمبراطورية، وللضيوف الأجانب من ذوي المناصب الرفيعة.
أما المقاعدُ الخلفية فجلس فيها نبلاءُ من الطبقات الأدنى.
أشبه بهرمٍ طبقيٍّ واضح المعالم، وليس بحفلٍ راقٍ.
“لكن على الأقل نحن في الصف نفسه مع الشخصيات الأجنبية البارزة، فلا تقلقي.”
“آه… فهمتُ، حسنًا.”
يبدو أنّ أبي ظنّ أني قلقة بشأن موقعنا، فأضاف ذلك ليطمئنني.
لكن الحقيقة أني لم أكن أنظر حولي لذلك السبب إطلاقًا.
‘بهذا الشكل، لن أستطيع رؤية سوران!’
بطبيعة الحال، لم أستطع رؤية سوران سيلياس من مكاني.
فهي من طبقة الفيكونت، أي أدنى بكثير منّا، فلا بدّ أنّ مقعدها في أقصى القاعة.
بل حتى روين وفريل لم أرهما، فكيف سأرى من هي أدنى منهما شأنًا؟
وبينما كنتُ أبحث بعينيّ يمنة ويسرة دون أن أستسلم، دوّى في القاعة صوتُ البوق العالي.
“جلالةُ الإمبراطور، شمسُ الإمبراطورية، يدخل الآن!”
لقد بدأ حفلُ بلوغِ سكالين.
***
“أشكركم على حضوركم ومشاركتكم فرحةَ الإمبراطورية.
آمل أن تستمتعوا جميعًا بهذه الوليمة احتفاءً بوريثنا، شمس المستقبل، الأمير سكالين ديفيدسون.”
كان الحفل أكثر هدوءًا ورسميةً مما توقّعت. افتُتح بكلمةٍ قصيرةٍ من الإمبراطور، ثمّ بدأت الفقراتُ تتوالى واحدةً تلو الأخرى حتى وصلت إلى ذروتها بعروضٍ مبهرة.
لم يكن هناك وقتٌ للملل، فالعروضُ كانت ممتعةً فعلًا…
لكنّ سؤالًا ظلّ يدور في رأسي: أين سكالين؟
توقعتُ أن يكون جالسًا خلف الإمبراطور، لكنّ الكرسيّ هناك كان فارغًا.
على أيّ حال… قريبًا سيبدأ ذلك الحدث. وحينها، سيظهر سكالين أمام الجميع.
“صاحب السموّ، شمسُ الإمبراطورية الصغرى، الأمير سكالين ديفيدسون، يدخل الآن!”
ومع انتهاء الفقرة الأخيرة، انطلق صوتُ بوقٍ آخر، هذه المرّة أهدأ من ذي قبل، لكنّه ملأ القاعة مجددًا.
التعليقات لهذا الفصل " 30"