3
3. الأخوان
***
“أختي!”
“هارين!”
ما إن وصلنا إلى قصر الدوق حتى رأيت هارين من بعيد يركض نحوي، وشعره الأسود يتطاير خلفه كجرو يهرع للترحيب بصاحبه.
“هارين! خَمِّن ماذا أحضرت لك؟”
من المؤكد أنه سيفرح… بل سيفرح كثيرًا.
لو علم الثمن الذي دفعته لإحضار هذا الشيء، لذهل حقًا.
صحيح أن ذهابي إلى القصر الإمبراطوري كل مرة أمر مرهق بالنسبة لي، لكن هذا الصغير المتعلق بي سيُسر حتى بذلك الشرط.
“أولًا! ها هو! التنين!”
أخرجت دمية التنين التي كنت أخفيها بعناية، فعَلتْ عينا هارين الزرقاوان بريقٌ لامع، وزهرت الابتسامة على وجهه فورًا.
“واو! كما توقعت، أختي هي الأفضل!”
راح يقفز ممسكًا الدمية بكلتا يديه بحماس شديد، فغمرتني مشاعر الرضا.
نعم، ليذهب القصر الإمبراطوري إلى الجحيم… ما دام أخي الصغير بهذا الفرح، فأي صعوبة تُحتمل!
“هممم، وهناك هدية أخرى أيضًا.”
توقف هارين عن القفز، وارتسمت على وجهه من جديد ملامح الترقب.
“هارين، متى ستذهب لتلعب مع الأمير القادم؟”
“أمم… كل خميس!”
أجاب بعد تفكير قصير، فابتسمت وأعلنت الخبر بصوت مرح.
“من الآن فصاعدًا، سأذهب معك أيضًا!”
“هاه؟”
“لن تذهب بعيدًا لوحدك بعد الآن! أختك سترافقك! أليس هذا رائعًا؟”
بالطبع، لم يكن الأمر رائعًا بالنسبة لي، لكنني ابتسمت من أجل هارين.
لكن…
“لا أريد.”
“ماذا؟”
“لا أريدك أن تذهبي، لا تذهبي! قلت لا!”
ثم انفجر بالبكاء.
أ… هذا لم يكن رد الفعل الذي توقعتُه…
ألسنا مقربين يا هارين؟
***
“آنستي.”
“آه، السيد فروين.”
كنت جالسة على مقعد في الحديقة، أحدق بلا وعي في الأفق، حين ناداني أحدهم. التفتُّ فرأيت كبير الخدم فروين واقفًا هناك.
“أين هارين؟”
” الدوق الصغير نائم الآن، فقد كان ينتظر عودتكِ طوال اليوم.”
“آه…”
تذكرت على الفور مشهد بكائه قبل قليل عندما أخبرته أنني سأرافقه إلى القصر الإمبراطوري…
ذلك الطفل الذي هز كتفيه بالبكاء الموجع ثم ركض عائدًا إلى القصر.
“هذه أول مرة أرى هارين يرفض أمرًا بهذا الشكل.”
فهو عادة لا يعرف إلا قول إنه يحبني… لكن هذه المرة صرخ في وجهي وقال: لا.
كنت متأكدة أنه سيفرح… أكنت مخطئة؟
رفعت بصري إلى السماء، التي احمرت بلون الغروب وكأنها تُباهِي بجمالها.
“آنستي.”
“نعم…”
أجبت بصوت باهت، فسمعت ضحكة خلفي.
“أنا هذه الأيام أعيش على متعة رؤية الآنسة والسيد الصغير معًا.”
“ماذا؟”
لكننا للتو تشاجرنا!
التفتُّ وحدقت فيه بنظرة عاتبة، وإن لم تكن غاضبة.
“أنت تسخر مني.”
“كلا، أبدًا.”
التقت أعيننا فنظر إلي قائلًا.
“حتى هذه اللحظات، لم يكن بالإمكان أن نحلم بها من قبل.”
من قبل…؟
أثار كلامه حيرتي، وبدا أن ابتسامته التي ظل محتفظًا بها، مشوبةُ بطيف من المرارة.
آه… إذن لم يكن يقصد الوقت الذي أنا فيه الآن…
بل كان يسترجع ما قبل أن أتقمص جسد سيليا.
“حين نادتني آنستي بـالسيد فروين بدلًا من مخاطبتي كخادم… لم تتخيلي كم كنتُ مصدومًا.”
“آه، ذلك الأمر…!”
تذكرت كيف ارتبك قبل نصف عام، حين خاطبته باحترام بعد أن حللت في جسد سيليا.
ففي القصة الأصلية، كانت سيليا تتحدث بازدراء إلى الخدم وتسيء معاملتهم…
أما أنا، فلم أستطع، حتى بصفتي الأخت الكبرى، أن أخاطب رجلًا يكبرني بوقاحة. لذا كان لقب “السيد فروين” هو أقل ما يمكنني فعله.
ابتسمت بخجل، فقال.
“الجميع تفاجأ من تغيرك المفاجئ، لكن الآن، الكل سعيد. وبالطبع، السيد الصغير أكثرهم.”
كما توقعت… يبدو أن علاقتي بهارين في السابق لم تكن جيدة.
من كلام فروين، استطعت أن أستشف كيف كانت الأمور بيننا قبل أن أتقمص جسدها.
‘لأن هذه التفاصيل لم تظهر في القصة الأصلية.’
كانت الرواية قاسية على القراء… بل ربما على الشخصيات نفسها.
فلم تذكر شيئًا عن ماضي هارين بارانتيس…
لماذا أصبح الشرير الذي يقف في الظل؟
لماذا يعذب الأبطال؟
وكيف كانت حياته قبل ذلك؟
لم يهتم أحد بمعرفته… ولا حتى أنا.
‘بل وحتى بعد أن جئت إلى هنا، لم أفكر في البحث عن تلك الإجابات.’
لم يكن همّي سوى أن أمنع هارين من أن يصبح شريرًا، لذا اخترت أن أقضي الوقت باللعب معه.
أما ما كان هارين يظنه عني كأخته، فلم يخطر في بالي قط.
وكان هذا أمرًا كافيًا ليجعله يشعر بالريبة.
“لماذا كلما رآني يهرب؟”
كان ذلك أول ما قلته لهارين بعد أن تقمّصتُ شخصية سيليا.
“هل يا ترى، هارين الآن…”
“لقد اقترب وقت العشاء، آنسة. هل تتفضلين باصطحاب السيّد الصغير بنفسك اليوم؟”
لم يتركني أكمل كلامي، وأومأ برأسه فورًا.
ما أذكى هذا الرجل!
ابتسمتُ له ابتسامة مشرقة.
“إذًا، سأذهب وأحضره!”
لماذا لم يخطر ببالي الأمر من قبل؟
إنه لا يزال في التاسعة، طفل في سنّ يحتاج إلى الحنان والحب.
***
“هاه…”
طَرق، طَرق—
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن أطرق باب غرفة هارين.
“هارين؟”
مهما طرقتُ أو ناديته، لم يكن الباب الكبير ينوي أن يُفتح.
‘أيمكن أن يكون نائمًا حتى الآن؟’
حتى لو غضب مني، لم يكن من النوع الذي سيغلق الباب في وجهي هكذا… لا بدّ أنه نائم.
وبينما كنت أستدير عائدة بخطوات بطيئة—
فُتح الباب فجأة.
“هارين!”
كان وحده، من دون أي خادمات، كأنه طردهم جميعًا.
“أ… أختي؟”
بدا وكأنه لم يتوقعني إطلاقًا، واتسعت عيناه أكثر من المعتاد.
“هل يمكننا التحدث قليلًا؟”
سألتُه بلطف، فتردّد قليلًا قبل أن يفتح الباب على مصراعيه.
‘أدركت الآن أنها أول مرة أدخل فيها غرفته…’
كانت غرفة هارين تختلف تمامًا عن غرفتي.
فبينما كانت غرفتي مكسوة باللون الوردي، اتسمت غرفته بجو هادئ ورصين.
“… آسف.”
سمعت صوته الخافت من خلفي وأنا أتفحص الغرفة.
“ماذا؟”
“أنتِ تكرهينني الآن، أليس كذلك؟ لأنني لم أسمع كلامكِ، صرتِ تكرهينني…”
حتى وهو يتحدث، كان يراقب رد فعلي بحذر.
كنت قد توقعت الأمر، لكن الآن أصبح مؤكدًا…
يبدو أن سيليا بارانتيس الحقيقية كانت أختًا باردة للغاية مع أخيها.
لا بد أنها أرهقته نفسيًا حتى صار يظن هكذا…
أحسست بالشفقة عليه، فانحنيت لأكون بمستواه ونظرت في عينيه.
“لا، ولماذا أكرهك أصلًا؟”
ارتبك قليلًا من حركتي هذه، لكنه رفع رأسه ببطء.
“حقًا؟”
“حقًا. بل أنا من يجب أن تعتذر. كنت أظن أنك ستفرح لو قلت لك إننا سنذهب معًا إلى القصر، ولم أفكر بما تشعر به.”
كيف لم أفكر بذلك؟ هو طفل اعتاد أن تُسرق ألعابه دائمًا…
ربما كان يخشى أن يخسر أخته لصالح الأمير سكالين.
“لكن يا هارين…”
وذلك شيء لن يحدث أبدًا.
“همم؟”
“حتى الأمير لن يستطيع أخذي منك. سأظل أختك للأبد، ولن أكون أبدًا أخت الأمير.”
سأبقى سيليا بارانتيس حتى نهاية حياتي في هذا العالم.
أمال رأسه وكأنه لم يفهم تمامًا ما أعنيه، فوجدته لطيفًا وشددت على وجنتيه برفق.
“آخ! أختي! يؤلمني!”
“إذًا، فهمت؟ لا داعي أن تقلق من أن يأخذني أحد! سأظل أختك حتى لو قلت إنكَ لا تريدني!”
وحين أفلَتُّ وجنتيه، وضع يده عليهما وكأنه يتألم، لكن ملامحه بدت أكثر راحة من قبل.
“إذًا، ستكونين دائمًا بجانبي؟”
كان سؤالًا قد يثير سوء الفهم، لكن لم أهتم.
أومأت بقوة.
“بالطبع!”
على الأقل… حتى يحين موعد زواج هذه الأخت.
لكن لم يكن هناك داعٍ لذكر هذا بصوت عالٍ.
“إذًا فلنذهب معًا! أحب أن نذهب سويًا.”
وبمجرد أن سمع إجابتي المليئة بالثقة، أشرق وجهه ابتهاجًا، وأمسك بيدي بحماس كأنه سيذهب معي في الغد مباشرة.
لم أتمالك نفسي من الابتسام وأنا أفكر.
‘آه… أتمنى ألا يتسبب وجودي في أن يشعر الأمير بالتهميش…’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 5 - من هو الشرير؟ منذ 23 ساعة
- 4 - الإسطبل منذ 23 ساعة
- 3 - الأخوان منذ 23 ساعة
- 2 - خمس مرات منذ 23 ساعة
- 1 - مقدمة، هل هذه هي الرواية التي أعرفها؟ 2025-08-14
التعليقات لهذا الفصل " 3"