29. قناع
‘هل طلوها بالذهب كنوعٍ من الاعتذار لتأخرهم في إرسالها؟’
حسنًا، اللون لا يهم. المهم أنني سأتمكن من الذهاب!
قبضت على بطاقة الدعوة في يدي بإحكام.
“سيليا، هذا رائع حقًا.”
ابتسم والدي أخيرًا وقد بدا عليه الارتياح.
“نعم، أبي. أظن أنه يمكننا الذهاب معًا غدًا… أَه؟”
هل كانت الدعوة هكذا في الأصل……؟
قلّبت بطاقة الدعوة بين يديّ، وشعرت فجأة بشيء غريب جعلني أتفحصها بعناية أكبر.
تجاوزًا لسطحها الذهبي اللامع، كانت هذه البطاقة مختلفة قليلًا عن المعتاد.
‘أليست الدعوات التي وصلت لأبي وهارين تحتوي فقط على كتابة؟’
أما دعوتي فكانت تحمل بجانب اسمي سيليا بارانتيس زهرة حمراء واحدة، لم أفهم معناها.
وكانت زهرة حقيقية، تفوح منها رائحة عطرة كما لو كانت لتوّها قُطِفت من الحديقة.
“هل هناك مشكلة يا ابنتي؟”
سأل والدي باستغراب وهو يراني أحدّق في البطاقة شاردة الذهن.
هي على كل حال بطاقة مرسلة من القصر الإمبراطوري.
في الظروف العادية، كنتُ سأجدها مريبة، لكن الوقت لم يكن يسمح لي بالتفكير.
الحفل غدًا، ولن يحدث شيء سيئ على الأرجح…… ثم فوق كل شيء.
“لا، لا مشكلة أبدًا.”
لقد بدأت الرواية المنتظرة منذ عشر سنوات، وأريد أن أكون جزءًا من فصلها الأول.
***
لحسن الحظ، مرت بطاقة الدعوة من دون أي عقبة.
صحيح أن الخادم الذي تولى التحقق منها نظر إليّ أولًا، ثم إلى والدي وهارين نظرة غريبة، لكنه لم يقل شيئًا.
“مر وقت طويل.”
حين وصلت إلى قاعة الحفل، حدقت في المكان الذي بدا مألوفًا وغير مألوف في آنٍ واحد.
إذًا حفل بلوغ سكالين سن الرشد يُقام في قصر ولي العهد نفسه……
لقد زرت القصر الإمبراطوري عدة مرات خلال السنوات العشر التي غاب فيها سكالين.
حضرتُ العديد من حفلات القصر الكبيرة والصغيرة على حد سواء.
فعائلتنا ما زالت تُعد أقرب المقربين إلى العائلة الإمبراطورية، والدوقية الوحيد بينهم.
لذا كان حضورنا لتلك الولائم أمرًا بديهيًا دائمًا.
لكن هذا فقط إلى حدود القصر الإمبراطوري. أما قصر ولي العهد نفسه، فلم أجرؤ حتى على التفكير في دخوله.
“سيليا، هارين. يبدو أنني سأضطر للغياب قليلًا بسبب بعض الأعمال المتعلقة بالمشروع الجديد. سأعود عندما تبدأ الحفلة.”
“نعم، أبي.”
ما إن وصلنا إلى القاعة حتى بدأ والدي يتحرك بسرعة كبيرة.
فاليوم يوم مهم، وقد حضر عدد من الشخصيات الأجنبية البارزة، وهذه فرصة لا تُعوَّض له.
“هارين، لندخل نحن أيضًا.”
“…….”
“هارين؟”
لم يقل شيئًا، ولم يكن في مكانه أصلًا.
أدرت رأسي في أرجاء القاعة أبحث عنه، لكنه اختفى تمامًا.
في العادة كنت سأنتظره، لكنني كنت قد وعدت روين وفريل أن ألقاهما قبل بدء الحفل، لذا قررت أن أؤجل البحث عنه.
“هارين، سأسبقك، حسنًا؟ قلت لك هذا.”
تمتمتُ في الهواء بكلماتٍ لن يسمعها أحد.
على كل حال، عندما يبدأ الحفل، سألتقي به تلقائيًا. لا بأس إذًا.
ولو تأخرت أكثر، فلن أتمكن حتى من إلقاء التحية على أي أحد قبل بدء الحفل.
كنتُ على وشك الدخول إلى القاعة وحدي، حين شعرت فجأة بمن يطعن كتفي بطرف إصبعه.
“هارين؟”
“آنسة الدوقية. مضى وقت طويل.”
التفتُّ بسرعة، لكن من ناداني لم يكن هارين. كم كنتُ أتمنى لو كان هو… أما هذا، فلم يكن لقائي به أمرًا سارًا أبدًا.
رون…
شقيق أورورا الأكبر، والابن البكر لعائلة تريتا الكونتية.
يبدو أنه لم يُبالِ يومًا بكوني على خلافٍ مع شقيقته أورورا في طفولتنا، فقد استمر في مغازلتي دون كلل.
ورغم أنني رفضته أكثر من مرة، ظل يرسل إليّ الرسائل بلا انقطاع.
ذلك العنيد، رون.
“آنسة الدوقية، أنتِ جميلة اليوم كعادتك.”
مدّ يده ليُصلح ربطة عنقه مرتين متتاليتين، قبل أن يرمقني بنظرة مفعمة بالتصنّع والغرور.
آه…… كم هو مقيت.
“تبدو مرتبًا كعادتك، الكونت الشاب.”
يا لسوء الحظ. من بين كل الأماكن، كان لا بد أن ألتقيه هنا، وحدي تمامًا، بلا أحد بالجوار.
لم أرغب حتى في التحدث إليه، لكن بما أن المكان رسمي، اكتفيت بابتسامة مجاملة خفيفة.
لابد أنه تعمّد الاقتراب بعدما تأكد أنه لا أحد قريب منا.
“هل حضرتِ اليوم بدعوة أيضًا، آنسة الدوقية؟”
سألني كما لو أنه طرح سؤالًا مدهشًا، رغم أن جوابه واضح.
“آه… نعم، شيء من هذا القبيل.”
أجبت دون اهتمام وأنا أتجنب نظراته المزعجة التي لم تفارقني.
لكن يبدو أن تجاهلي هذا لم يثنه، بل جعله يقترب مني خطوة أخرى.
“لقاؤنا بهذا الشكل لا بد أنه قَدَر.”
أيُّ جزءٍ من هذا يُمكن أن يكون قدرًا بالضبط……؟
عاد ليُصلح ربطة عنقه مرة أخرى، ثم احمرّ وجهه قليلًا وهو يمد يده نحوي.
“حين تبدأ الحفلة بعد قليل، هل تشرّفينني بأن تكوني شريكتي الأولى في الرقص؟”
آه، لا، ليس هذا ما كنتُ أريد سماعه.
حدّقتُ في يده الممدودة إليّ، ثم أغمضتُ عيني بإحباط.
الشريك الأول.
في حفلة ضخمة كهذه، لهذا اللقب وزنٌ كبير.
فهو إعلانٌ غير مباشر أمام الجميع عن وجود علاقة خاصة بين الشخصين.
حتى سكالين وسوران سيلياس أصبحا ثنائيًا بعد أن كانا ‘الشريكين الأولين’ لبعضهما هنا.
لم يكن الأمر باختيارٍ منهما، لكنه ربط بينهما إلى الأبد، وكان الشرارة التي بدأت قصتهما.
لكن أنا…… أنا ورون……؟
لو رقصتُ معه الآن، سيضج عالم النبلاء بشائعات عني وعن رون.
وسيهرع والده الكونت طالبًا زواجنا فورًا، وهو أمرٌ أرفضه تمامًا.
“آه، في الواقع… لا أجيد الرقص.”
قلتُ وأنا أُمرر يدي على عنقي متظاهرة بالحرج، محاوِلةً صرف الموضوع.
لكن، ويا للأسف، لم يكن يملك ذرة من الفطنة.
“لا بأس يا آنسة الدوقية. حتى لو كنتِ غير متمكنة، مهارتي في الرقص كافية لتعويض ذلك تمامًا.”
ضحك رون بخفة، وكأن اعترافي بدا لطيفًا بالنسبة له.
“لكن، آنسة الدوقية لا تجيد الرقص؟ هذا مفاجئ حقًا. بل إن ضعفكِ هذا يجعلك أكثر جمالًا!”
أرجوك، لا تقل هذا وأنت متكئ على العمود. كفّ عن هذا التباهي الفارغ.
هل يدرك حتى ما الذي يتفوه به؟
كما توقعت، الكلام خلف السطور لا يجدي مع رون.
“هاه، اللورد رون… أنا…”
وضعتُ يدي على جبهتي وأنا أبحث عن طريقة لرفضه بلباقة، ولكن بحزم.
كنتُ قد رفضته مراتٍ عدة في الرسائل، لكن بما أنه لا يستوعب، فلابد من إنهاء الأمر الآن وجهاً لوجه.
حسنًا، تنفسي، سيليا.
أخذتُ نفسًا عميقًا وفتحتُ فمي لأتكلم——
“المعذرة.”
قبل أن أنطق، تقدّم أحدهم فجأة وتوسّط بيني وبين رون.
‘……قناع؟’
كان رجلًا يضع قناعًا نصفياً تتدلى منه ريشة بيضاء براقة.
بدت شفتاه الحمراء متناسقة مع القناع بشكلٍ غريب الجاذبية.
لكن…… هذا ليس حفلًا تنكريًا، فلماذا يرتدي قناعًا إذًا؟
حدّقتُ فيه بفضول، لكنه اكتفى بالتحديق في وجهي صامتًا، بثباتٍ مريب.
‘من هذا……؟ هل يعرفني؟’
كنتُ أحاول تذكّر أي وجه مألوف وراء ذلك القناع، حين دوّى صوتٌ غاضب من خلفي.
“أيها الوقح! كيف تجرؤ على التدخل بينما أطلب منها أن تكون شريكتي؟ ألا تعرف الأدب؟”
كان رون غاضبًا لأن الرجل تجاهله تمامًا.
“أيها السيد! ألا تسمعني؟!”
وحين مدّ يده للإمساك بكتف الرجل المقنّع——
“صاخبٌ للغاية.”
طَرق!
في لحظة واحدة، أبعد الرجلُ يدَ رون بخشونة، فسقط ذراعه المرتبكة من جانب جسده.
“ماذا، ماذا تفعل! هل تدرك من أنا؟!”
صرخ رون بغضبٍ وحرج، وقد احمرّ وجهه خجلًا بعد أن أُزيحت يده بتلك الطريقة.
كان يلهث غيظًا، مستعدًا لأن يهجم في أي لحظة.
عندها، انحنى الرجل المقنّع قليلًا نحوي وقال بنبرةٍ هادئة ولكن قاطعة.
“هل هذا النوع من الرجال يعجبكِ؟”
“ماذا؟”
أي هراءٍ هذا……!
حتى لو كنا غريبين عن بعض، فهناك حدود لما يمكن قوله!
كنتُ على وشك الرد بحدّة، حين ارتسمت على شفتيه المخبأتين خلف القناع ابتسامةٌ مائلة خفيفة.
“ذوقكِ متدنٍ جدًا، سيليا.”
التعليقات لهذا الفصل " 29"