28. الدعوة
“آه! مُتّ!”
“أيها الحقير!”
“%#@! ابن الــ…!”
لم يكن من يصرخون بالكلمات البذيئة شخصًا واحدًا فقط.
بل سرعان ما تحولت الشتائم إلى جوقةٍ من أصوات الرجال تصرخ بألفاظ يعجز اللسان عن وصفها.
“آنستي، ألا تسمعين هذا الصوت…؟”
“هاه؟”
“هذا الصوت الآن…”
تجاهلت نظرات السير فراتشيل المتسائلة وسرت ببطء باتجاه مصدر الضجيج.
كلما تقدمت خطوة، ارتفع الصوت أكثر فأكثر.
وبعد بضع خطوات أخرى… رأيت مجموعة من فرسان عائلة الدوق يتدربون على ضرب الدمى الخشبية أمامهم.
“ما الذي… يقولونه بالضبط؟”
يبدو أن الصوت قادم من هناك، بلا شك…
نظرت نحو فراتشيل بدهشة، فحكّ مؤخرة رأسه بخجل واضح.
“آه، هذا… طريقة تدريب خاصة بفرسان عائلة بارانتيس.”
“طريقة تدريب؟ لكنهم يشتمون بعضهم؟”
أشرت إليهم بإصبعي وقلت ذلك، فما كان منه إلا أن أطلق ضحكة مدوّية.
“هاهاها! أليس رائعًا؟ التدريب يجب أن يكون كما لو كان معركة حقيقية! يجب أن يشعروا كما لو أنهم سيقطعون خصمهم حقًا!”
“.…ماذا؟”
“عليهم دومًا أن يحملوا هذا الشعور الشرير في قلوبهم! فبهذا فقط يمكنهم حماية العائلة… وحماية الآنسة أيضًا!”
…ماذا؟ أي شعور شرير بالضبط؟
لم أصدق ما خرج لتوّه من فم هذا الرجل الطيب الذي لم أرَ منه سوى اللطف والابتسامة.
هل سمعت ذلك حقًا؟
تجمدت في مكاني ووضعت يدي على فمي من الصدمة،
لكن يبدو أنه ظنّ أنني تأثرت بكلامه، فتابع بحماس أكبر.
“وهؤلاء الفتية ليسوا سوى البداية! الدوق الصغير كان مذهلًا بحق!”
“هارين؟”
“نعم! ألم يكن في طفولته مثل خروف وديع؟ ولكن! ليس بعد أن قابلني!”
ارتفع كتفاه فخرًا حتى كادا يلمسان السماء.
“صار الآن يصول ويجول في ساحة التدريب كذئب شرس! طريقه نحو أن يصبح سيّد السيف بدأ من هنا، من تدريب عائلة بارانتيس!”
ثم بدأ يقلد هارين وهو يضرب بسيفه في الهواء بحركةٍ مبالغ فيها.
انتظر لحظة… إذًا هذا يعني…
“هارين صار هكذا لأنك أنت من درّبته؟”
“تمامًا! الفضل كله لي، فراتشيل العظيم!”
…العدو كان يعيش بيننا طوال الوقت.
***
“آنستي، وصلت رسالة من القصر الإمبراطوري.”
“أوه، حسنًا. سأتجهز وأنزل حالًا.”
بعد بضعة أيام، وكما توقعت، وصلت الدعوة من القصر.
أخيرًا عرفت موعد حفل البلوغ.
تُرى… هل سيكون قريبًا جدًا؟ لا يزال فستاني غير جاهز بعد.
“آنستي، هل نمتِ جيدًا؟”
“نعم، وأنت فروين؟”
حين وصلت إلى بهو القصر، كان فروين وهارين ينتظران هناك بالفعل.
كان هارين يحدق بالدعوة الإمبراطورية بتركيز، وكأنه لم يشعر بقدومي.
“من الصعب التصديق أن حفل بلوغ الأمير قد حان بالفعل. كم يمرّ الوقت سريعًا.”
“صحيح.”
“لم يبقَ سوى أسبوع واحد، لا بد أن لدينا الكثير لنجهزه.”
“…عذرًا، ماذا؟”
كنت أبحث بين الرسائل عن دعوتي بينما أجيب بلامبالاة،
لكن كلماته الأخيرة جعلتني أتجمد.
“بعد أسبوع؟”
“نعم، بعد أسبوع بالضبط.”
“وكيف تعرف ذلك؟”
استدرت بسرعة نحوه، فرفع كتفيه ببرود.
“أخبرني الدوق بذلك، أليس كذلك؟”
ماذا؟ ولماذا لم يخبرني أنا؟
بدت على وجهي الحيرة، فمال برأسه قليلًا وقالت بتردد.
“قال سموه إنه سيخبرك بنفسه… أَلَم يحدّثك بعد؟”
“لا… لم يذكر شيئًا عن هذا أبداً.”
انتظر لحظة…
صوت والدي الذي ناداني على عجل قبل أيام قليلة…
مرّ في ذهني فجأة كأنه تذكير متأخر بشيء مهم جداً.
‘آه، سيليا. لحظة واحدة…….’
“الولائم في القصر لا يُسمح بدخولها دون بطاقة دعوة.”
وهذا يعني…
“أنا…… حقًا لن أذهب؟”
لن أستطيع حضور حفل بلوغ سكالين سن الرشد.
***
“سيليا، ماذا لو أخبرتُ القصر أن نحضر معًا غدًا؟”
لم أشعر بالوقت، توالت الأيام، ويوم ما قبل الحفل مباشرة.
“لا يا أبي، هذا يخالف القواعد. لا داعي لذلك.”
“لكن….”
هززت رأسي برفق وأنا أقطع حديثه القَلِق.
غدًا هو يوم سكالين، ولا يحق لي أنا، التي لا علاقة لها بالحدث، أن أتسبب بأي ضجة.
“سأبقى في القصر غدًا، اذهب أنت وهارين واستمتعا بالحفل.”
إذن لم تصل حقًا……
لقد مرّ أسبوع تقريبًا، ولم يرسل القصر الإمبراطوري أي دعوة باسمي.
سواء كانت سهوًا أم عمدًا، لم يعد الأمر مهمًا بعد الآن.
“هل أترك الذهاب وأبقى معكِ؟”
قال هارين مبتسمًا، وأنا أحاول جاهدًة إخفاء مرارة قلبي.
ما هذا الكلام الآن……
“لا، عليك أن تذهب. لا يليق أن تتجاهل دعوة من القصر.”
“لكن أليس من المفترض أن يذهب ممثل العائلة فقط؟ يمكنني البقاء معك في القصر.”
ما أطيب هذا التمثيل…… لقد ظل طوال الأسبوع يبتسم ابتسامة لا تفارقه منذ أن تلقى الدعوة!
كان فرِحًا على نحوٍ مزعج، بل ويبتسم لي بين حين وآخر بطريقة مستفزة.
هل كان متحمسًا لهذه المناسبة إلى هذا الحد؟ يا لك من فتى لا يُجيد إخفاء مشاعره يا أخي الصغير.
“لا، حقًا، أنا بخير. اذهب واستمتع بالحفل.”
هززت رأسي وأنا أنظر إليه بحنان.
ربما أقلقه أنني لم أُدعَ، فحاول التظاهر بأنه لن يذهب بدوني.
كنت أظن أنه صار أكثر برودًا مؤخرًا، لكن يبدو أنني كنت مخطئة.
أخي ما زال طيبًا كعادته.
“عليك أن ترى صديقك بعد مدة طويلة. كنت متحمسًا لذلك، أليس كذلك؟”
مددت يدي وربتُّ على رأسه مرتين كما كنت أفعل في الماضي، لكنه فجأة عقد حاجبيه بوجه متجهم.
“صديق؟ أختي، إنه ليس…… صديقي.”
“آنستي!”
وفجأة، دوّى صوت آنا من الخارج.
“لقد وصلت بطاقة دعوة من القصر الإمبراطوري!”
بطاقة دعوة……؟
ترددت آنا لحظة وهي تنظر نحو والدي، ثم أسرعت نحوي بحماس.
“يا للفرح! لا بد أنها كانت مفقودة فقط!”
وضعت الدعوة في يدي وهي تبتسم بارتياح، وكأنها كانت قلقة عليّ طوال الوقت.
“شكرًا لكِ، آنا.”
مسحت العرق عن جبينها، ثم نظرتُ إلى البطاقة في يدي.
ولكن…
“آه؟ هذه….”
أليست بطاقات الدعوة التي تلقاها والدي وهارين بيضاء اللون؟
أما هذه التي في يدي، فكانت مغطاة بالكامل بالذهب — بطاقة دعوة مذهّبة متلألئة تشعّ بريقًا لافتًا.
التعليقات لهذا الفصل " 28"